هنيئا لنا بخدام الدولة الأجلاء ... !!

هنيئا لنا بخدام الدولة الأجلاء ... !!

رضوان بنصار

 

إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن نجد في بلدنا العزيز مؤسسات  حكومية، وهيئات سياسية و مدنية، ترعى مصالح الشعب ، ولا يغمض لها جفن حتى تَخُص كل من قدم خدمة جليلة للوطن، وجرى حب الوطن في عروقه مجرى الدم، بمكافأة قيمة ، سواء نقدية كانت أو عينية ، استجابة للمقولة الشهيرة  “ حب الأوطان من الإيمان “ ، حقيقة بمثل هذه المبادرات الإنسانية المحمودة،  التي تفاجآنا مؤخرا بأن لها سند تاريخي، وسنة مؤكدة بالمغرب ، ترقى الشعوب ويكون للشعب شأن في بلده الأم ، فسؤالنا :لماذا  كان يلف هذه المبادرات  الكتمان والتستر ؟ ألا يحق لكل مواطن أن يعرف موقعه من الإعراب في هذا الوطن، ليدافع عنه  ويخدمه بتفان وإخلاص ؟ فبعد أن تم الإفصاح أو بالأحرى تسريب اللوائح التي  تبرز للعيان“ الخدام الحقيقيين“ للمغرب ،حينها  كثر اللغط و التساؤل  حول طبيعة المهام التي زاولها أو تفانى في مزاولتها “ خدام الوطن “؟ ، لترقى بهم أعمالهم وانجازاتهم إلى أعلى الرتب، ويُنعتون في الأخير ب “ خُدام الدولة “ . فلو قمنا بتعداد قَوائم  خدام الدولة الحقيقيين،  والذين بالمناسبة لم تُسلط عليهم الأضواء الكاشفة ، كونهم لم يعتلوا قبة البرلمان ، ولم يتوفروا على حقائب وزارية ، ولم يمارسوا مهاما دبلوماسية، فسنحتاج إلى مجلدات ضخمة، أو لمكتبة خاصة تبقى شاهدة على العصر ، وفي نفس الوقت تحفظ للناس تضحياتهم و غيرتهم على الوطن . أعود و أقول أن خدام الدولة  الحقيقيين ليسوا  السياسيين وحدهم ،أو من صال وجال بين أروقة الحكومة ليحق عليهم ذاك النعت ، بل هم غير مرئيين ويشتغلون في الظل ، أو بالأحرى هم مرئيون ولكن يتم تجاهلهم،  أو عدسات بعض المسؤولين لا تلتقطهم و لا ترصد تحركاتهم ، وتكتفي برصد تحركات من ارتدى ثوب السلطة الناصع ، ومن غير هذا الصنف أو النموذج المرئي، فقد تسقط عبارة، خدام الدولة، عن البقية الكادحة، التي لا تفرق بين الليل والنهار ، ولا بين  الفصول الأربعة ، لأن معظم أوقاتها و اهتماماتها تستثمرها في خدمة الوطن والمواطنين ، وتعيش من أجل إسعاد الآخر  ، وتموت هي ليحيا ذاك الآخر ، هذه الطبقة الكادحة، التي سنتطرق إليها في المتن، تحرص على أن تمكن كل أبناء هذا الوطن من العلم والمعرفة  ، والعيش في بيئة نظيفة ، تحرص أن يبقى هذا البلد آمنا سالما من الشر معصوما ، ولو اقتضى الأمر أن ينزع منها أيام العطل الأسبوعية أو المناسباتية ، ضاربين بذلك عرض الحائط دفئ الأسرة وحنانها ، في الوقت الذي  يكون هذا الأمر  متاحا لكل السياسيين الذين يبحثون عن أبعد نقطة في الخريطة الجغرافية  ليقضوا بها عطلهم الصيفية و الإدارية ، وهذا حتى لا ينغص عليهم استجمامهم و استرخاءهم إنس ولا جان ، حقيقة نحن لا نملك من آليات التقييم، أو القدرة على تتبع انجازات  الأشخاص الذين ساهموا في النهوض بهذا الوطن على جميع المستويات لينالوا في الأخير  رضا الدولة ، ولكن كل ما نعرف أو وصل إلى علمنا ،أن كل من تم تعيينه من الأساتذة ، ولا سيما النساء منهم ، في القرى النائية أو في الفيافي والقفار ليمكنوا أبناء الفقراء من المعرفة، مواجهين بذلك كل المخاطر ، سواء الطبيعية المتمثلة في اجتيازهم لقمم الجبال  المثقلة بالثلوج  ، أو اختراقهم للغابات الكثيفة والوديان العميقة، أو دخولهم في مواجهات مباشرة مع الحيوانات المفترسة ، وقطاع الطرق الذين استباحوا نساء التعليم عنوة ، كل هذا بحثا عن بناية مهجورة و مهترئة  كتب على حائطها ، إن وجد ، بأحرف مبتورة اسم “ مدرسة “ ، فبالله عليكم أليسوا هؤلاء بخدام للدولة ؟، وما بالكم بالذين يهيمون على وجوههم صباح مساء قاطعين أميالا وأميال، مطاردين فضالتنا وأزبالنا بين الأزقة والفضاءات العامة لننعم نحن ببيئة نظيفة ، أليسوا هؤلاء كذلك بخدام للدولة ؟ أليس خادما للدولة من يساهم في تيسير الخدمة الإدارية و القانونية للمواطنين، وخصوصا المستضعفين منهم و الأميين ،بدون مقابل مادي أو عيني، أليسوا خداما للدولة من ينبطحون على بطونهم في الصحاري القاحلة والشمس الحارقة على مستوى الحدود ،متأبطين البنادق و المدرعات في دفاع مستميت عن شرف الوطن وقداسته ، وفي المقابل معرضين أرواحهم للخطر كأن يرملوا زوجاتهن ، أو يشردوا أبناءهم نظرا لطول الغياب،  كما أليس من حق النساء الأرامل اللائي حافظنا على شرفهن، و تحدينا نظرات الشك التي تطاردهن أينما حللنا و ارتحلنا مقتحمين بذلك  سوق الشغل و إكراها ته ، ليتمكن من إعالة و تربية أبنائهن أحسن تربية ليصيروا  في المستقبل  أبناء الوطن البررة ، أن نطلق عليهن  نعت “ خادمات للدولة “ . إذن فكم من بقع أرضية يستحق هؤلاء ؟ كم من ثناء و شكر على الخدمة يجب أن ينال هؤلاء ، ولكن الخطأ خطأك أيها المواطن البسيط فأنت لست من علية القوم ، أو من عائلة سياسية  وحزبية معروفة ومرموقة ، أنت لست ممن فُتحت في وجهه أبواب المناصب العليا لتصبح فلانا أو علانا ، فقدرك وقدرنا الوحيد و شغلنا الشاغل، هو أن نعلق على الأحداث السياسية وعلى لوائح“ الكريمات “و “ المقالع “ و “خدام الدولة “ بالإبقاء على أفواهنا مفتوحة من هول الأرقام و الصدمات. فطوبى للغرباء المفكرين منهم و الأدباء، الذين عرفوا ببلدهم وحضارته و تاريخه وجعلوا اسم المغرب يتردد على كل فاه ، ومع ذلك فهم غادروا في صمت ولم يُمنحُوا في حياتهم شبرا واحدا من الأرض .

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة