نزعة التوسع تكتسح عقلياتنا
عبد اللطيف مجدوب
المشهد الإشكالي العام
في مدننا ، وأنت تذرع شوارعها ؛ يسترعي انتباهك تمدد رقع المقاهي إلى جانب الرصيف ، وأحيانا بشكل محاذ للطريق العام .. كما تلاحظ ؛ وبشكل يدعو إلى الأسى ؛ اتخاذ بعض الأكشاك من قارعة الطريق امتدادا لها في عرض السلع ، أو تناول وجبات سريعة ، ولو تحت أشعة الشمس الحارقة ، وطنين الذباب اللاسع .. وقد يعمد بعضهم إلى دق الأوتاد ، وإطلاق الستائر ك"تحفيض" عقاري غير قابل "للنزاع القضائي" ! أما في مجال نشر الغسيل في السطوح فتلك هي قصة أخرى مع حب التوسع والتملك ، والترامي على حقوق الغير ، كأن تنشر الجارة غسيلها في سطح ليس لها ، أو تلجأ إلى ركن معين لتتخذ منه كوخا قابلا للإيجار!
هذه ظاهرة اجتماعية ؛ يطرح تفشيها تساؤلات عريضة ، أبرزها : هل أصبح المغاربة يفرخون سلوكات بنزعة التوسع والتملك ؟ وما علاقته بالحق والقانون عموما ؟
التربية على نزعة التوسع
في تربيتنا الأسرية ؛ وفي الظروف الراهنة ؛ بتنا نفتقد إلى ذلك الحوار الحميمي الداخلي الذي يحدد المسؤوليات وحقوق أفرادها بالنسبة لبعضهم ، بل أصبح ترك الحبل على الغارب عنوانا "لمأساة" أبنائنا ، أو كما يدعوها المثل المغربي الدارج "أولاد أطْلق" ، دونما وجود لجهاز رقابة أو مساءلة أو ضبط أو تتبع أو ردع ... إن لم نقل بتفشي "الدلال/الفشوش" وبروزه في معظم أشكال التواصل التي تحكم علاقاتنا بأبنائنا !
ولعل من أبرز تداعيات هذا النمط التربوي ، ظهور نزعة التوسع والتملك لدى الفرد منذ وقت مبكر ... مثال أن يطرد الأخ الأكبر أخاه الأصغر من جانب مرقده بذريعة أن هذا الأخير أصبح غير كاف لـ "راحته" ، ولذلك وجب التوسع ، والنزوح إلى مكان أرحب وهكذا دواليك ..
في مرافقنا الإدارية نزعة التوسع واضحة
بمجرد أن يتقلد مسؤول مغربي منصبا إداريا ما ، يصبح من أولوياته ونصب عينيه "توسعة" مكتبه كضم مكتبين إلى مكتب واحد ، أو يحول مرفقا معدا للراقنات إلى مكتب خاص به ، وينقل الراقنات أو يشتتهن في مكاتب عديدة ، أو يحشرهن مع آخرين ..
وهناك من مديري المؤسسات التعليمية من يفوض لنفسه حق توسيع سكنه الوظيفي ؛ كأن يقضم أمتارا من الحديقة ، أو يعيد بناء السور مسافة خلف منزله ، دون حسيب أو رقيب ، وأحيانا بتواطؤ مع مصلحة البناء المدرسي والممتلكات العامة .
ثقافة القانون عندنا جد ضعيفة
يعتبر المغرب من الدول الرائدة في مجال النصوص القانونية ، سيما في الفصول الجنائية "كالترامي على حقوق الغير" بيد أن انعكاسها على الحياة العامة ؛ أفرادا ومجتمعا ؛ جد ضعيف ، وقد لا نبالغ إذا حصرنا تأثيرها في نسبة مئوية لا تتجاوز 20 % كحد أقصى ؛ لتفشي ظاهرة الرشوة واستغلال النفوذ كمعضلة كبرى تعمل على تقويض كل مجهود إنمائي ، وتحد من نسبة النمو الاقتصادي العامة في المغرب ، وتحول ثقافة القانون عندنا إلى مجال للنصب والاحتيال والتوسع . فيكفي أن تدعك كف مسؤول بورقة أو ورقتين نقديتين حتى يصيح في وجهك" كمّلْ .. ماشفْتيني ماشفْتكْ " . يقع هذا دوما وخاصة في مجال العقار والبناء ؛ كأن تكون الوثائق الثبوتية تنص على كذا من المساحة .. لكن ميدانيا فأبعاد أخرى و"توسعة" واضحة .