الحزب الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة

الحزب الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة

أحمد هيهات

 

 

يفترض في الأحزاب السياسية الحقيقية أن تشكل مؤسسات تعليمية ومدارس مفتوحة أمام الشعوب تعلمهم مبادئ الديمقراطية وتيسر لهم ولوج الحياة السياسية وترفع منسوب الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي عند أفراد المجتمع كما تمكنهم من بلوغ المعلومات الأساسية والأخبار اليقينية عن السياسات العامة للبلاد وعن النظام السياسي الذي يعيشون في كنفه وطريقة الحكم التي تنتظم حياتهم كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وطريقة تصريف وتسيير وتدبير الشؤون العامة الحاضرة والمستقبلية في بعدها الاستراتيجي، بالإضافة إلى تأطير أعمالهم وتحركاتهم الحزبية بعد اقتناعهم بضرورة وجدوى المشاركة السياسية والانتماء الحزبي، وتقديم كل ذلك في صورة واضحة وبطريقة مبسطة ومن خلال الدليل والمثال العملي من أجل الرقي بالوعي السياسي العام لدى المواطنين، ومن خلال كل ذلك تكوين رأي عام على قدر كبير من المعرفة السياسية، وعلى قدر أكبر من المساهمة الإيجابية والفعّالة في السمو بالبلاد على سلم الديمقراطية الحقيقية.

قبل تحديد الحزب السياسي الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة والذي سيجعل أفئدتهم تهوي إليه وتتسابق عليه دون أن يحتاج إلى وسائل الترغيب والترهيب البالية التي لا تنطلي إلا على فئة قليلة من الناس، قبل كل ذلك لابد من تحديد معنى الحزب لرسم الصورة الحقيقة للحزب السياسي المطلوب والذي لم يجد المغاربة بعد له أثرا، ونبدأ ذلك بالتعريف اللغوي كما يأتي :

 قال صاحب اللسان: «الحِزْبُ: جماعة الناس، والجمع: أحزاب... وحِزْبُ الرجل: أَصْحابُه وجُنْدُه الذين على رأْيِه، والجَمْعُ كالجمع... وكل قوم تَشاكَلَتْ قُلُوبهُم وأَعْمالُهم فهم أَحْزابٌ، وإِن لم يَلقَ بعضُهم بَعْضًا... والحِزْبُ: الصِّنْفُ من الناس. قال ابن الأَعرابي: الحِزْب الجَماعةُ... وحازَبَ القومُ وتَحَزَّبُوا: تَجَمَّعوا وصارُوا أَحْزابًا، وحَزَّبَهم: جعلَهم كذلك، وحَزَّبَ فُلانٌ أَحْزابًا: أَي جَمَعَهُم، وتَحازَبُوا: مالأَ بعضُهم بعضًا؛ فصاروا أَحزابًا» (لسان العرب لابن منظور (ج1) مادة: «حزب» مختصرًا، دار صادر – بيروت( بتصرف).

من خلال التعريف اللغوي للفظة الحزب يتضح أنها تدل بشكل مطلق على التجمع والطائفة والجماعة من الناس تجمعهم الممالأة والمظاهرة والتناصر  والاتفاق على غاية محددة،  مما يعني أن كل تجمع بشري تغيب فيه هذه الشروط لا يعتبر حزبا وإن كان يضم عددا كبيرا من الناس، وبالتالي فإن الحزب السياسي الحقيقي لابد أن تتوفر فيه هذه الشروط كحد أنى تضاف إليها الشروط التي ينبغي أخذها من التعاريف الاصطلاحية المتعددة للحزب السياسي والتي نختار منها الآتي :

1-   الحزب السياسي الحقيقي هو "اجتماع رجال يعتنقون العقيدة السياسية نفسها". (الأحزاب السياسية لموريس ديفرجيه (ص2) ترجمة/ علي مقلد وعبد المحسن سعد ط. الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة 2011م)، والحزب السياسي الحقيقي هو «اتفاق عدد من الأفراد على مجموعة من المبادئ والأهداف يبتغون من إنجازها تحقيق الصالح العام، أو على الأقل تحقيق مصالح أعضاء الحزب، وهم أساسا فئة من فئات المجتمع». (دراسات في المجتمع والسياسة» للدكتور إسماعيل علي سعد (ص202) ط. دار النهضة العربية - بيروت سنة 1988م) ، من خلال هذا التعريف يتضح أن الحزب السياسي الحقيقي ينبغي أن يعتنق كل أعضائه العقيدة السياسية نفسها ومن خلالها الدفاع عن مصالحهم التي تدور وجودا وعدما مع حضورها أو غيابها، وهو الشيء الذي تفتقده كل الأحزاب السياسية منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا. 

 وقد غير الكثير من المتحزبين عقائدهم السياسية عند جلوسهم على الكراسي الوثيرة والمريحة في الوزارات والإدارات العمومية، ولعل أبرز مثال لذلك وزير المالية السابق فتح الله ولعلو  الذي كان يزلزل البرلمان باعتراضه ورفضه لسياسات التقويم الهيكلي و سياسة الخوصصة، ثم أصبح تلميذا نجيبا في تطبيق سياسة الخوصصة وبيع المؤسسات العمومية، ومع هذا الانقلاب الخطير للوزير الاتحادي إلا أن الحزب لم يتخذ ضده أي إجراء بل انخرط أعضاء الحزب في تبرير أفعال وممارسات ممثلي الحزب في الحكومة ومؤسسات الدولة.

 ورغم كل الاخفاقات والتراجعات التي سجلت في حكومة التناوب وما بعدها يدافع الاتحاديون عن مشاركتهم الفاشلة في الحكومة مدعين أنه لولا  حكومة التناوب لكانت السكتة القلبية قد حدثت فعلا، وكان الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر كارثية مما هو عليه الآن، وأن حكومة التناوب استطاعت القيام بإصلاحات هيكلية واجتماعية كبيرة دون خسائر اقتصادية ملحوظة، وهو المنطق نفسه الذي يتحدث به اليوم أعضاء حزب العدالة والتنمية، وهم يعتبرون أن حزب المصباح قد كان له دور أساسي في تجاوز الاحتقان الاجتماعي وتطوير الأداءين السياسي والاقتصادي في المغرب وتحقيق عدد كبير من الإصلاحات في كل المجالات.  

2-   الحزب السياسي الحقيقي هو: «مجموعة متحدة من الأفراد تعمل، بمختلف الوسائل الديمقراطية، للفوز بالحكم، بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين». (السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الإسلامي.. دراسة مقارنة» للدكتور سليمان محمد الطماوي (ص538) ط3 - 1974م، و«نظام الحكم والإدارة في الإسلام» للمؤلف نفسه (ص627) ط. دار الفكر العربي)،ومن تعاريف الحزب السياسي الحقيقي : هو«مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهدافًا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة؛ من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية».(تعريف وأدوار الأحزاب السياسية» على شبكة المعرفة الانتخابية aceproject.org/ace-ar/topics/pc.).

 

من خلال التعريفين الآنفين نستمد بعض الخصائص الأساسية التي تميز الحزب السياسي الحقيقي والمتمثلة في تنفيذ الحزب السياسي لبرنامجه الانتخابي المنبثق عن البرنامج السياسي الذي تقوم على أساسه الأحزاب السياسية الحقيقية ، بالإضافة إلى السعي إلى التأثير على السياسات العامة للدولة وتغييرها في اتجاه ترجمة العقيدة السياسية وانتظارات المواطنين وهو الشيء الذي لا تعمل الأحزاب المغربية على تحقيقه بالنظر إلى العوائق الدستورية والقانونية التي تحول دون ذلك وفي مقدمتها المنظومة الانتخابية التي لم تتجرأ الأحزاب على المطالبة بتعديلها وجعلها أكثر ديمقراطية، والتي تتكون من اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والجهة المشرفة على الانتخابات.

 وكلها عوائق واقعية وقانونية لا تسمح لأي حزب بالحصول على الأغلبية العامة وتشكيل الحكومة وتنفيذ البرنامج السياسي للحزب الفائز، وكتعويض وتسام عن الافتقاد إلى الإرادة الحقيقية والقدرة النافذة على تحقيق انجازات الحزب الحقيقي يعمد ممثلو الأحزاب المنعم عليهم بالمناصب الوزارية والإدارية على تحقيق المصاح الشخصية المادية منها على الخصوص واحراز الامتيازات الاستثنائية والاستفادة من التعويضات السمينة والتقاعدات المريحة وإغداق المناصب العمومية الواقعية والشبحية على الأهل والأصدقاء والأقرباء  .

والأكثر من ذلك أن قانون الأحزاب المغربي الذي كانت الساحة السياسية في أمس الحاجة إليه عرف تأخرا كبيرا قبل أن يصدر سنة 2005 دون أن يتقدم أي حزب أو فريق برلماني بمقترح قانون في هذا الصدد وهو أقل القليل بالنسبة للأحزاب السياسية بالمغرب والتي ظلت إلى سنة 2005 خاضعة من حيث التشريع لقانون الجمعيات الصادر في 15 نونبر 1958 وخاصة في بابه المتعلق بالجمعيات ذات الصبغة السياسية، مما يدل على غياب المبادرة عند الأحزاب وانتظار التعليميات والمذكرات الرسمية، وكذلك على الخوف من أن يضيق هذا القانون على الأحزاب ذات التوجه الفرداني الذي يغيب المؤسسات، وبالتالي الخوف من ضياع الاعانات المالية والممتلكات الحزبية من أيادي وملكيات هؤلاء الأفراد.

3-   الحزب السياسي هو«تنظيم دائم يتمتع بالشخصية المعنوية ويؤسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص طبيعيين، يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية يتقاسمون نفس المبادئ، قصد المشاركة في تدبير الشؤون العمومية بطرق ديمقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح». (قانون الأحزاب السياسية المغربي الباب الأول أحكام عامة – المادة1)، يقدم قانون الأحزاب السياسية المغربي تعريفا مناسبا لطبيعة الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية المغربية منذ ستينات القرن العشرين إبان انطلاق الاستحقاقات المغربية إلى استحقاقات 7 أكتوبر 2016، مركزا على الدور الذي يراد لهذه الأحزاب الاطلاع به والمتمثل في المشاركة في تدبير الشؤون العمومية من خلال المجالس الجماعية على وجه الخصوص وما يتعلق بالوثائق الإدارية وشؤون المعيش اليومي بعيدا عن المساهمة في تحديد وتغيير السياسات العمومية ووضع الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تساهم بشكل مباشر وضروري في إحداث التغيير والاصلاح الذي من شأنه تغيير بوصلة التوجه العام للبلاد.

 

وقد ساهم تحديد الدور الأساسي الذي أريد للأحزاب السياسية المغربية القيام به في تشويه واقع التعددية الحزبية التي يفترض أن تميز الساحة السياسية التي تعج بعشرات الأحزاب السياسية وحوّله إلى ما يشبه الأحادية الحزبية ولكن بدون حقيبة، إذ إن كل الأحزاب التي تعاقبت على "تسيير" الحكومات المتعددة سارت على النهج نفسه رغم اختلاف المرجعيات السياسية والايديولوجيات، والدليل على ذلك أن المواطن المغربي لم يحس يوما بالاختلاف والتغيير على مستوى تدبير الشأن العام فضلا عن السياسات العامة بالانتقال من حزب إلى آخر إلا في حالة الانتكاسات الكبرى والتراجعات الخطيرة على المكتسبات كما حدث مع حكومة التناوب الأولى بقيادة الاتحاد الاشتراكي وبشكل أفظع مع حكومة التناوب الثانية برئاسة حزب العدالة والتنمية، والسبب في ذلك بسيط ويتمثل في أن كل الأحزاب السياسية بتوجهاتها ومرجعياتها المختلفة لا قدرة لها على تطبيق برامج وتصورات ورؤى خاصة عند وصولها إلى الحكومة لغياب آليات التنفيذ الحقيقية وعقبة الدستور والقوانين، وبالتالي فهي تقتصر مكرهة أو طائعة على تطبيق سياسات الدولة كما يسطرها أصحاب القرار الحقيقيون اعترفت بذلك أم أنكرت..  

من خلال كل ما تقدم يتضح أن الحزب الحقيقي الذي يبحث عنه السواد الأعظم من المغاربة وينتظرون ظهوره وولادته لمنحه أصواتهم هو الحزب الذي يقنعهم - من خلال أفعاله وأحواله التي تطابق أقواله - بضرورة وجدوى المشاركة السياسية والانتماء الحزبي، ذلك الحزب الذي بمقدوره تكوين رأي عام واع وحريص على المساهمة الإيجابية والفعالة في الحياة السياسية، والذي يعمل بصدق واجتهاد على تحقيق الصالح العام للبلد، مع  التعفف عن المال العام، والابتعاد عن تبرير أفعال وممارسات وتجاوزات ممثلي الحزب في الحكومة ومؤسسات الدولة، والقطع مع تحقيق المصالح الشخصية المادية واحراز الامتيازات والاستفادة من التعويضات والتقاعدات وإغداق المناصب على الأهل والأصدقاء والأقرباء.

بالإضافة إلى الحرص على المشاركة الفعلية في الحكم لا الاكتفاء بالظهور في الواجهة الاعلامية، وذلك بهدف التنفيذ الفعلي للبرنامج السياسي الخاص بالحزب والتأثير الحقيقي على السياسات العامة وتعديلها في اتجاه الاستجابة لانتظارات المواطنين، وذلك من خلال العمل على تعديل المنظومة الانتخابية الحالية (اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والجهة المشرفة على الانتخابات) من أجل العودة إلى السكة الحقيقية للديمقراطية، وإعمال المبادرة والإيجابية والتخلص من السلبية وانتظار التعليمات. 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة