قراءة في التقرير السنوي 2015 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
يونس مليح
أطل علينا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأخير لسنة 2015 حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالمملكة، والمرفوع إلى عاهل البلاد الملك محمد السادس، من طرف رئيس المجلس نزار بركة، برزمة من الأرقام المخيفة في ميادين مرتبطة بالصحة والتعليم والشغل على وجه الخصوص، حيث تعكس هذه الأرقام الوضع المزري الذي وصلت إليه بلادنا في فترة الخمس سنوات التي مرت على الحكومة السابقة لعبد الإله بن كيران. الشيء الذي انعكس بشكل سلبي على عجلة التنمية ببلادنا، وجرت على البلاد ويلات وأرقام مخيفة خصنا بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس تمت دسترته بمقتضى الباب الحادي عشر من دستور 2011 (الفصول من 151، 152، 153)، ويضطلع المجلس بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، ولهذا الغرض، يعهد إليه بالقيام بالإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق بالجهوية المتقدمة؛ وتحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها؛ وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وتيسير وتدعيم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛ وإنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته.
كما يمكن أن يستشار المجلس كذلك، باستثناء مشاريع قوانين المالية، من قبل الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين، حول:
أ)- إبداء الرأي في مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛
ب)- يستشار المجلس حول المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
لذلك، قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بإنجاز تحليل لوضعية الميادين المرتبطة بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنمية الجهوية، وقام بوضع توصيات تهم كيفية التطوير والرقي بالميادين المذكورة في إطار مقاربة تشاركية تساهم في تنمية مستدامة ترقى ببلادنا وتطورها وتساهم في تحديثها. فهل استطاع التقرير الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الإحاطة بجل النقط السلبية التي تعتري الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ببلادنا؟ وما هي الحلول من أجل تجاوز وحل هذه الإشكالات؟
ذكر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في بدايته، بالنقط التي ميزت سنة 2015 على الصعيد المؤسساتي، كالشروع في التطبيق الفعلي للجهوية المتقدمة التي نص عليها وعلى إحداثها الفقرة الرابعة من الباب الأول من دستور 2011، التي تنص على أن:" التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة". بالإضافة إلى التصويت على القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 111.14، وإجراء انتخابات مباشرة للمجالس الجهوية الاثني عشر خلال شهر شتنبر من سنة 2015.
كما أعطى عاهل البلاد الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2015، الانطلاقة الفعلية لتطبيق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية. بالإضافة إلى أن سنة 2015 تميزت على الصعيد الدولي بانعقاد المؤتمر الدولي للمناخ الكوب 21 (مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ) بالعاصمة الفرنسية باريس، الذي تمحور حول الحد من الآثار التي يخلفها تغير المناخ. كما سيتولى المغرب في الأيام القليلة القادمة تنظيم الكوب 22 بمدينة مراكش شهر نوفمبر المقبل.
كما أن سنة 2015 لم تعرف تحسنا على مستوى تطوير والنهوض بوضعية المرأة على المستويين المؤسساتي والاقتصادي، وإذا كانت بعض المنجزات قد تحققت في القطاعات الاجتماعية (التعليم، الصحة، السكن، والنقل الحضري)، فإن وتيرة الإصلاحات تظل بطيئة بالقياس إلى حجم الحاجيات وأوجه القصور.
أولا: على مستوى الاقتصاد الوطني
من خلال تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2015، فقد تميز الاقتصاد الوطني بالتطور النسبي الإيجابي، الذي مرده بشكل أساسي إلى التأثير المزدوج للموسم الفلاحي الجيد، والانخفاض الذي عرفته أسعار المواد الأولية، مع تحسن ملحوظ في المؤشرات الماكرو-اقتصادية، مع استمرار الاتجاه المنخفض لأداء الأنشطة غير الفلاحية التي تشير إلى الهشاشة المستمرة للاقتصاد الوطني، مع خلق 33.000 منصب شغل جديد سنة 2015 (مقابل 21.000 في 2014)، وهو مستوى يظل منخفضا ودون المستويات المسجلة ما بين سنتي 2010 و2013، واستمرار ارتفاع البطالة في الوسط الحضري، ولا سيما في صفوف الشباب الحاصلين على الشهادات العليا، وهو الأمر الذي يعكس الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني من حيث خلق فرص شغل قارة، مستدامة من حيث العدد والجودة. في حين عرف الناتج الداخلي الخام سنة 2015، انتقالا إلى 982.2 مليون درهم، أي بناتج خام للفرد يبلغ 29.184 درهم (مقابل 27.735 درهم سنة من قبل).
في الشق المتعلق بالمالية العمومية، فقد عرفت تحسنا ملحوظا حسب تقرير المجلس لسنة 2015، حيث واصل العجز الميزانياتي تحسنه بانتقاله من 4.9 في المائة سنة 2014 إلى 4.4 في المائة سنة 2015، حيث يعود الفضل في ذلك إلى انخفاض أسعار النفط ونفقات صندوق المقاصة (انتقلت من 32.6 مليار درهم إلى 14 مليار درهم ما بين 2014 و2015. كما عرفت المداخيل العادية ارتفاعا خص بصورة أساسية المداخيل الضريبية المتصلة بالضريبة الداخلية للاستهلاك على المنتجات الطاقية، وارتفاع الضريبة على القيمة المضافة بالداخل، وارتفاع الضريبة على الدخل، بالرغم من التراجع الطفيف للمداخيل الضريبية المرتبطة بالضريبة على الشركات التي بلغت 4 في المائة. كما بلغ الدين العمومي للضريبة 64 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2015.
فيما يتعلق بميدان التشغيل والبطالة، فقد تم خلق 33.000 منصب شغل خلال سنة 2015، ورغم التحسن الطفيف مقارنة مع سنة 2014 (خلق 21.000 منصب شغل)، فإن التطور يبقى دون المستوى المسجل خلال السنوات الخمس الماضية بكثير، ومن ثم فقد واصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب الذين
تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة ارتفاعها (1.7+ نقطة) لتصل إلى 20.8 في المائة على الصعيد الوطني، و39 في المائة في الوسط الحضري، كما أن بطالة حاملي الشهادات الجامعية استقرت في 24.4 في المائة سنة 2015، في حين تظل مشاركة النساء في الشغل جد ضعيفة كما أقرها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فقد عرفت سنة 2015 تراجعا في معدل نشاط النساء إلى 24.8 في المائة، في حين أن سنة 2014 عرفت زيادة طفيفة تقدر نسبتها ب 25.2، زيادة على هذا فإن 80 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة لا تستفيد من أي حماية اجتماعية.
هذا المحور المتعلق بالجانب الاقتصادي على الصعيد الوطني، يحمل في طياته العديد من التساؤلات حول مدى اتزان الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة التي تعاني منها المالية العامة بالمغرب، في ظل ضعف الإيرادات والموارد، واتكال خزينة الدولة على الموارد الضريبية التي عرفت تطورا متباينا سنة 2015، ما يشكل معه نقطة سلبية تؤكد على أن الحكومة اتجهت نحو المواطن المغربي من أجل توريد السيولة المالية لخزينتها، ما ينذر بالعديد من المخاطر الاجتماعية التي تتمحور حول تشنج العلاقة بين الإدارة الجبائية والملزم.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أكدت وعززت سنة 2015 في الجانب المتعلق بالتشغيل أزمة البطالة التي يعاني منها الشباب الحامل للشواهد الجامعية بصفة خاصة، ما يؤكد على فشل الاستراتيجيات الحكومية خصوصا للسنوات الخمس من عمر الحكومة السابقة، التي لم تستطع خلق مناصب شغل، بل زادت من عمق هذا المشكل من خلال خلق مناصب شغل بالتعاقد، الأمر الذي ينذر بأزمة في هذا القطاع، خصوصا وأن وزارة التربية والتكوين تتجه في الأيام المقبلة لتوظيف أساتذة لسد الخصاص المهول الذي يعرفه قطاع التربية والتكوين عن طريق العقدة، ما يعزز طرح أن الحكومة فشلت فشلا دريعا في حل مشكل البطالة ببلادنا، وهو ما أكدته الأرقام التي جاء بها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ثانيا: على المستوى الاجتماعي
من أجل معرفة مدى تطور القطاع الاجتماعي ببلادنا، لابد من معرفة المؤشرات المرتبطة بهذا الميدان، فعلى مستوى التنمية البشرية فقد المغرب سنة 2015 ثلاث نقاط في التصنيف المتعلق بمؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، بالقياس إلى سنة 2014، بحيث احتل المغرب المرتبة 129 من أصل 188 بلدا برصيد 0.628 نقطة، في حين أن الأمم المتحدة أطلقت 17 هدفا للتنمية المستدامة التي يتعين الشروع في تحقيقها بدءا
من سنة 2016 إلى غاية 2030، الشيء الذي يتطلب من خلال تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إرادة سياسية قوية والتزاما زمنيا وتنسيقا فعالا وناجعا للعمليات، وتعبئة شاملة لمختلف الفاعلين في المجتمع.
أما فيما يخص ميدان التربية والتكوين، فقد بلغت نسبة التمدرس على مستوى التعليم الابتدائي 99.1 في المائة، في 2015 - 2014، على الصعيد الوطني، منها 98.5 في المائة بالنسبة للفتيات على المستوى الوطني، و98.3 في المائة في الوسط القروي (لمجموع الفتيات والفتيان) و98.4 في المائة للفتيات في الوسط القروي. وبالنسبة للتعليم الثانوي الإعدادي، عرفت نسبة التمدرس تحسنا كبيرا، حيث بلغت 90.4 في المائة في 2014-2015، 86.7 في المائة منها للإناث. وفي الوَسَط القروي، بلغت هذه الأرقام 75.1 و 68.9في المائة على التوالي. وعلى الرّغْم منَ التحسن الملحوظ في هذه النسب، فإن التعميم لم يتحقق بكيفية كاملة، ولا سيما في الوسط القروي. كما يظل عدد الأطفال الذينَ يغادرون التعليم الثانوي الإعدادي قبل نهاية السلك وقبل الحصول على شهادته عددا مثيرا للقلق. ومنْ جهته، فقد عرف معدل التمدرس بالسلك الثانوي التأهيلي تحسنا لا يستهان به، منتقلا من 37.2 في المائة، في 2001- 2000، إلى 70.1 في المائة في 2015- 2014 . ويبقى المعدل ضعيفا بالنسبة للفتيات في الوسط القروي ( 29.4 في المائة).
أمّا بخصوص الهدر المدرسي، فإن تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، في يونيو 2014 يشير إلى أنه ما بين سَنَتَيْ 2000 و 2012 ، بلغ العَدَدُ الإجماليّ التراكميّ للتلاميذ المنقطعين عن الدراسة قبل السنة الأخيرة من الثانوي الإعدادي، 3 ملايين تلميذ، نصفهم لم يُكمل سنوات التعليم الابتدائي. في حين بَلَغَ العدد التراكمي للتلاميذِ الذين غادروا التعليم الثانوي التأهيلي 558 ألف؛ أما عدد التلاميذ الذين غادروا خلال السنة الأخيرة من الثانويّ الإعداديّ، أو خلال السنتيْن المُواليتين، فقدْ بلغ 1.3 مليون. وفي المرحلة الجامعية، يشكل الانقطاع 64 في المائة من نسبة المسَجَّلين. ومن بين أسبابِ هذا الانقطاع الدّراسيّ، توجد إشكالية الاكتظاظ التي تعرفها بعض الأقْسَام الذي يصلُ إلى 70 تلميذًا، وظاهرة التّكرار، وحذف بعض المواد، أو التقليص منَ الغلاف الزّمني في غيابِ التأطير البيداغوجي.
على المستوى الصحي، تظل الكثافة الطبية وشبْه الطبية متدنية في المغرب، حيث تسجّل نسبة 6.2 طبيب لكل 10.000 نسمة، مقابل 7.5 في منطقة الشرْق الأوسط وشمال أفريقيا. أمّا كثافة الطبّ الموازي فتبلغ في بلادنا 8.9 ممرّض لكلّ 10.000 نسمة. وهي نسبة غير كافيّة إلى حد كبير. وممّا يزيد في تفاقم الوضْع أنّ أكثر
من 45 في المائة من الأطبّاء المغاربة يتمرْكَزون في محْوَر الرّباط - الدار البيْضاء، وأن 24 في المائة يعملون في الَسط القروي.
كما تميزت سنة 2015 بحدثين هامين في مجال الصحة، ويتمثّلانِ من ناحية، في تخفيض أسعار ما يربو على 2000 دواءٍ. وهي مُبَادرة في غاية الأهمية ترْمي إلى تحْسِين شُرُوط الولوج إلى الأدوية، غير أنّها تتطلبُ معَ ذلكَ بذْل المزيد من الجهود قصْدَ ملاءمة أسعار الأدوية مع مستويات عيش السّاكنة، خاصّة في الوسَط القرويّ، ومن ناحية ثانية، إصدار القانون المتعلّق بمزاوَلَة مهنة الطّبّ، حيث سمح هذا القانون بفتْحِ سوق مزاولة الطبّ في وجْه الرأسْمال الأجنبيّ.
فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية، فقد تميّزت سنة 2015 بتعميم التّأمين الإجباري عن المرض ( AMO ) على الطلبة بعد صُدور المرسوم القاضي بتطبيق القانون رقم 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباريّ الأساسيّ عن المرض الخاص بالطلبة، مما يسمح لهذه الفئة من الشباب بالاستفادة من التغطية الصحية الأساسيّة. وعلى الرّغم من التأثير الإيجابيّ لهذا التعميم، وخاصّة على مستوى التخفيف من النفقات المباشرة للمستفيدين، فإنّه ما تزالُ الحاجة ماسَّةً إلى بذْلِ مزيدٍ من الجهود من حيث جودة توفّر الخدمات وجودة العلاجات المقدَّمَة إلى المستفيدين من النظام والولوج إلى البنيات التحتية للعلاجات.
أما المحور المتعلق بالسكن، فقد شهدَ قطاعِ العقار، خلالَ سنة 2015، ارتفاعًا في عدد الوحدات المنجزة بلغت نسبتها 21 في المائة، مقابل ارتفاعٍ في عدد الوحدات قيد الإنجاز بحوالي 2.8 في المائة، مَعَ ارتفاعٍ بلغ 36 في المائة في عدد الوحدات في إطارِ السّكن الاجتماعيّ (بسعْر 250 ألف درهم). وبالمقابل، فإنّ قروضَ العقار ودعم صندوق ضمان السّكن سجّلتْ انْخفاضًا بلغَ 11 في المائة، مسجّلةً بذلك مواصلة تراجُع الطّلب في هذا القطاع. وبالتالي، فإنّ اسْتهلاك الإسمنت لم يرتفع سوى بنسبة 1.4 في المائة سنة 2015 .
وينبغي التأكيد على أنّ السياسة المعتمدة منذ سنواتٍ لتمكين المواطنين من الولوج إلى السّكن، وخاصّة لفائدة ذوي الدخل المَحْدود جدّا عن طريق برامج السّكن الاقتصادي، قد كشفت عن محدوديتها، ولا سيما على مستوى حكامة القطاع، وبالأخص ما يتعلق بجودة المساكن من حيث طبيعة العيش ومعايير جوْدة البناء والسلامة، وبجودة وتوفر البنيات التحتية الاجتماعيّة المصاحبة لبرامج السّكن الاجتماعي، وبتأثير هذه البرامج على تهيئة وتخطيط المُدُن والفضاء الحضري والتنظيم الاجتماعي داخل المدن.
أما الجانب المتعلق بالفقر والفوارق الاجتماعية، فعلى الرغم من تراجع الفقر المدقع والفوارق على صعيد الإنفاق الاستهلاكي للأسر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حواليْ مليون شخْصٍ في الوَسَط الحَضَريّ، أي 5.3 في المائة من مجموع السّاكنة في المناطق الحضرية، لا زالوا يعيشون تحت عتبة الفقر، بأقلّ منْ 1.3 دولار من النفقات في اليوم الواحد، كما أن 13.6 في المائة من السّاكنة الحضرية تُعاني من الهشاشة الاقتصاديّة بنفقاتٍ تتراوحُ ما بيْن 1.3 و 1.9 دولار في اليوم الواحد للشّخص الواحد.
وعلى مستوى محاربة الجريمة، فقد حدد موقع NUMBEO، وهو موقع يشكل أكبر قاعدة بيانات للمستخدمين في العالم، بحيث يوفر معلومات آنية وحديثة عن حالة العيش في العالم بما في ذلك تكاليف المعيشة، ومؤشرات الإسكان، والرعاية الصحية، وحركة المرور، والجريمة، والتلوث، فقد حدد هذا الموقع بأن مؤشّر الجريمة في المغرب ارتفع من 33.59 سنة 2012 إلى 50.28 سنة 2016 . وبالتالي، فإنّ حجم الجريمة شهد ارتفاعًا لا يُستهان به. غير أنّه ينبغي التدقيق، مع ذلك، بأنّ الجريمة، حسب هذا المؤشّر، تظلّ منخفضة نسبيًّا في المغرب، ولا سيّما بالمقارنة مع بلدان أمْريكا الجنوبية ومُعظم بلدان أفريقيا جنوب الصّحراء، بلْ وحتى بالمقارنَة معَ بعض البلدان المجاورة. زيادة على أن موقع KNOEMA المعروف بالأطلس العالمي للمعطيات world Data Atlas، أكد بأن معدّل القتل العمد في المغرب سنة 2013 قدْ بَلَغَ 1.32 لكلّ 100 ألف نسمة، وهو مستوى منخفض نسبيّا بالمقارَنَة مع بلدان أخرى ( 9 في روسيا، 3.82 في الولايات المتحدة، 1.2 في فرنسا، 0.63 في إسبانيا). لذلك وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يُستحسَن إعادة النظر في نظام الاعتقال ككلّ في اتّجاه وضْع عقوبات بديلة للاعتقال الذي تجاوزت طاقته الحدود، بجعْلِ السُّجُون وظروفها غيْر الإنسانية تُرْبة مساعِدة على تفشّي الجريمة. وعلى سبيل المُقارنة، فإنّ عَدَدَ السجناء في فرنسا يصلُ إلى حواليْ 64.000 معتقلاً، في حينّ أنّ عدد ساكنة هذا البلد هو ضِعْف عدد المغرب. وهكذا، إذا كانَت علاقة السجناء، في فرنسا، بعدد السّاكنة هي أقلّ منْ سجينٍ واحدٍ لكلّ ألف نسمة، فإنّها تبلغ في المغرب 2.18 لكل ألف نسمة.
أما فيما يتعلق بالمناخ الاجتماعي، فقد بلغ عدد الإضرابات ما مجموعه 256 سنة 2015 مقابل 254 سنة 2014، و204 سنة 2013 (من بينها 8 إضرابات بقيتْ مفتوحة إلى نهاية 2015 ). وقد شهدتْ جهة الدار البيضاء الكبرى حوالي ثلث هذه الحركات بما مجموعه 77 إضرابا معلنا عنه (أي حصة تبلغ 29 في المائة)، تليها جهة الرباط - سلا ب 50 إضرابًا مُعلَنًا عنه (أيْ حصّة تبلغ 19 في المائة) ثمّ جهة سوس- ماسّة بِ 30
إضرابًا معلنا عنه (أيْ حصّة تبلغ 11 في المائة)، وهو ما دعا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى وضع توصياته الدّاعية إلى مأْسَسَة الحوار الاجتماعيّ والحوار المدنيّ، والاعتماد التلقائيّ على المقارَبَة التشَاركيّة والاسْتشارة الموسّعة، ولا سيّما حين يتعلّق الأمر بالإصْلاحات الاجتماعيّة الكُبرى.
ثالثا: الميدان البيئي
تميزت سنة 2015، بحسب التقرير السنوي 2015 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بمشاركة بلادنا في حدث دولي رفيع المستوى هو مؤتمر الأطراف حول المناخ بباريس، وكذا إعلان المغرب عن احتضان كوبْ 22 في نونبر 2016. كما تميزت هذه السنة بحدث وطني كبير يتعلّق بتحقيق إنجازات هامة في مجال الانتقال الطاقي، وخاصّة من خلال الالتزامات الطَّموحة لبلادنا في مجالِ المُحافظة على البيئة والتغيّرات المناخيّة. وعلى الصّعيدِ الوطني، سجّلتْ سنة 2015 عَدَدًا من التطوّرات الهامّة في مقدّمتها إتْمام وإطلاق مشروع محطة "نور 1"، في إطار الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي، وصدور القانون رقم 14 - 54 بتغيير وتتميم الفصْل الثاني من الظهير الشريف رقم 1.63.226 الصادر في 14 من ربيع الأول 1383 (5 أغسطس 1963) بإحداث المكتب الوطني للكهرباء، والمادة 5 من القانون رقم 09-40 المتعلق بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بتاريخ فاتح يوليوز 2015، والمُصَادقة على مشروع القانون رقم 15 - 48 المتعلق بإحداث الهيئة الوطنية لضبط قطاع الكهرباء، والمصادقة على القانون رقم 58.15 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة.
أيضا، فبعد حظر الأكياس البلاستيكية السوداء سنة 2009، يخطو المغرب خطوة كبيرة في هذا المجال من خلال تنفيذ القانون رقم 77.15، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 دجنبر 2015، والقاضي بمنْع صنع الأكياس من مادّة البلاستيك واستيرادها وتصْديرها وتسْويقها واستعمالها، والمصنوعة من الجُزيئات الكبيرة (البوليميرات) الطبيعيّة أو الاصطناعيّة أو المصنَّعَة. وصدور مرسوم رقم 2.14.782 بتاريخ 30 من رجب 1436 ( 19 ماي 2015 ) يتعلق بتنظيم وبكيفيات سيْر الشرطة البيئية. كما أن إنجاز محطّة "نور"، وهي أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشّمْسية في العالم. يتعلّق الأمْر بخطوة هامّة ضمن خطوات تتعلق بإنجاز أربعة مشاريع كبرى مرتبطة للطّاقات المتجددة، وذلك تماشِيًا مع الهدف المتمثل في رَفْعِ حصّة المصادر المتجددة من التغطية الكهربائية الوطنية إلى 42 في المائة بحلول 2020، وإلى 52 في المائة بحلول 2030، كما أعلن جلالة الملك في خطابه بمناسبة مؤتمر الأطراف 21 في باريس.
زيادة على الطاقة الريحيّة، فهناكَ محطات تم الشّروع في العمل بها، وتبلغ قدرتها أزيد من 800 ميغاواط، ومحطات بقدرة 550 ميغاواط وهي بصدد التطوير، وأخرى تبلغ قدرتها 850 ميغاواط موزَّعَة على 5 محطّات فاز بمناقصة بنائها واستغلالها كونسورسيوم يضم 3 شركات مغربية وإيطالية وألمانية سنة 2015 .
كما أن التقرير السنوي 2015 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خصص قسما ومحورا موضوعاتيا بكامله للعدالة المناخية وللحديث عن الأهمية التي تكتسيها هذه القضية، والتي تقتضي الإقرار بأنّ التغيرات المناخية واقع لا يمكن التنكر له، وأن المسؤولية في ذلك يتحملها الإنسان، وأنّ الضحية الأساسية هي الفئات الاجتماعية الأكثر عوزا، والفضاءات الأكثر هشاشة. وقد نشأت العدالة المناخية في خضم النقاش الهادف إلى المحافظة على كوكب الأرض والبيئة من آثار التغيرات المناخية الناتجة عن النماذج الصناعية التي تستعمل الطاقات الأحفورية المتسبِّبَة في انبعاثات الغازات الدفيئة والجزيئات الملوِّثة.
لذلك، أكد التقرير على ضرورة إدماج العدالة المناخية من خلال الأبعاد الثلاثة، الترابية والوطنية والدولية. فعلى المستوى الوطني، ينبغي أخذها بعين الاعتبار في المخططات الاستراتيجية الوطنية وفي المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية. وتقع مسؤولية ترسيخ العدالة المناخية وإعمالها على الجماعات الترابية والمجتمع المدني ومنظومة التربية والتعليم ووسائل الإعلام والفنون والثقافة. وعلى المستوى الدولي، يجب أن يحتل هذا المفهوم مكانة خاصة في المفاوضات حول تغير المناخ وفي مسلسل تطبيق اتفاق باريس؛ فعلى المستوى الوطني يجب دعوة جميع الأطراف المعنيّة إلى إدراج العدالة المناخيّة في مختلف "المساهمات المحددة وطنيا"، وإطلاق نقاشٍ حول الإطار المعياري الدّولي من أجل تتبع إدماج مفهوم العدالة المناخية وآثاره على أهداف مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ؛ والإسراع في فرْض ضريبة بيئية وطاقيّة مُنْصِفة وتحفيزيّة، مع الأخذ في الاعتبار، من جهة، المعايير والآليات المتصلة بصيغ التضامن بين الفئات الاجتماعيّة، وبين الأجيال وداخل الجيل الواحد، وبين الجهات وداخل الجهة الواحدة، وبين السهول والجبال؛ ومن جهة أخرى إعادة النظر في احتساب القيمة المضافة للمنتوجات والسلع والخدمات البيئية التي توفّرها النظم الإيكولوجية الطبيعية لكلّ جهة؛ وتفعيل الحقوق الدستورية للمجتمع المدني الوطني في مجال البيئة والعدالة المناخية من أجل الرفع من درجة تعبئته في أعمال محاربة التغيرات المناخية، من خلال منح الصدارة لمفهوم العدالة المناخية في أجندة مؤتمر "كوب 22" ولمشاركة النساء وللطابع العَرَضاني لمسألة النوع الاجتماعي.
وبذلك يدعو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره السلطات العمومية إلى أن تولي أهمية خاصة للمواضيع المتعلقة بدينامية النمو الاقتصادي للبلاد التي تظل محكومة بتبعيتها الكبيرة لمدى تطور الأنشطة الفلاحية، زيادة على ضرورة أخذ تفاقم البطالة بالمغرب على محمل الجد خصوصا البطالة التي تصيب الشباب حاملي الشواهد الجامعية والشهادات العليا، والاهتمام أكثر بالعنصر النسوي داخل النسق الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي، وضرورة وجود اندماج بين الطاقات المتجددة وباقي البرامج الأخرى كالاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، الذي سيؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني.
فتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي السنوي 2015، جاء لتبيان مختلف المشاكل التي تعاني منها قطاعات مرتبطة أساسا بالصحة والتعليم والشغل، وهو بذلك يقر بشكل أو بآخر بفشل الاستراتيجيات الوطنية والحكومية المرتبطة على وجه الخصوص بميادين التشغيل، الشيء الذي أثر بشكل مباشر في نسبة البطالة المرتفعة التي نشهدها اليوم، بالإضافة إلى التخبط الحاصل في ميادين الصحة والتعليم، والأزمة التي تحيط بالمالية العامة بالمغرب. لذلك، فقد خص هذا التقرير مختلف هاته الإشكاليات بتوصيات ونقط مهمة وجب العمل على إنجازها وبسطها على أرض الواقع من أجل التقليل بشكل تدريجي من الأزمة في مجال التشغيل التي يمكن أن تصيب البلاد، والعمل على خلق فرص شغل سواء في القطاع العام أو الخاص، من أجل التقليل من نسبة البطالة التي ترتفع بشكل كبير في المجال الحضري على الخصوص. كما أن التقرير عالج موضوع البيئة والتغيرات المناخية من خلال تضمينه لباب كامل خاص بهذا الموضوع، خصوصا وأننا مقبلون في الأيام القادمة على تنظيم حدث عالمي وهو قمة المناخ "كوب 22" بمراكش، وذلك عن طريق ركائز واقعية من أجل الحفاظ على المكتسبات التي راكمتها المملكة في باب الحفاظ على البيئة، ومن أجل رفع التحديات أمام المخاطر التي تحدق بالبيئة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.