المغرب يخرب التعليم كلما استطاع إليه سبيلا
عثمان بوطسان
يبدو أن التعليم أصبح بضاعة رخيصة يتلاعب بها من استطاع إليها سبيلا. حيث هناك مراسيم تخرب وأخرى تجرد القطاع من قيمته ومكانته. وبهذا لم نعد ندري هل المغرب فقد صوابه أم أنها سياسات مدبرة ومقصودة من أطراف معينة للقضاء نهائيا على هذا القطاع الحيوي الذي أصبح في خبر كان؟ كذلك لم نعد ندري حقا؛ هل المغرب يسعى إلى التقدم أم إلى التخلف؟ وهل أصبح التعليم عالة على أصحاب النفوذ من خدام الرأسمالية المتوحشة واللوبيات الخارجية؟ إن هذا القطاع اليوم يعاني من كل الجوانب، بل أصبح كالجثة الهامدة لا يعيرها أحد أي إهتماما، بالمقابل فقد جعلت منه الدول العظمى سلم النجاح والتقدم، لكن هذا الأمر طبيعي في بلد إتخذ من الأمية دينا، خصوصا وأنه لا أحد يحرك ساكنا لإيقاف السياسات العبثية التي أثقلت كاهل هذه المنظومة الحساسة والرئيسية.
وفي هذا الصدد، هناك أساتذة في العراء يفترشون الكرطون ويقتسمون قطعة خبز يابس، وآخرون في جبال بعيدة يعانون في صمتهم العميق، وآخرون في مكان ما على الخريطة لا يعرف صناع القرار ببلادنا مكانهم. أساتذة يضربون جوعا وعطشا والبعض منهم يلعن الحياة والممات في بلاد حولتهم إلى متسولين ومتشردين. إن الكل يعاني حتى البنايات تعاني والطاولات تعاني والكراسي تعاني، لكن كأن قانون الصمت يحكم مجتمعنا وجمعيات مجتمعنا، التي تنهب المال دون تقديم أي خدمة تذكر. إنه التعليم يا معشر الحالمين بالتقدم والتطور ومنافسة الدول الصاعدة. إنه التعليم ولا أحد يدافع عن حرمته إلا ابناء الشعب من المعلمين والغيورين والعاطلين عن العمل. وهكذا فالمنظومة التي لطالما سمعنا بتكاليف خيالية لإصلاحها لم يصلح شيء منها، خصوصا مع توالي خطابات ومشاريع وميزانيات الإصلاح, التي لم نر منها إلا الفراغ.
ومما تقدم، يلاحظ اليوم أن المئات يحتجون بمراكش، وآخرون بالرباط من أجل حق بسيط في العيش والعمل. لكنهم –أي المسؤولين- يريدون الدفع بالشباب إلى الانتحار أو الهجرة بعيدا عن هذا البلد المتناقض إلى أقصى دراجات التناقض. حيث نجد الملايير تصرف على برلمان لا يصلح لشيء، وسيارات تشترى بأموال شعب لا يملك حتى ثمن كيلوغرام واحد من العدس. أما التعليم فلا أحد يعيره أدنى إهتمام، والسبب راجع إلى ارتفاع نسبة الجهل والأمية. ولعل هذه سياسة ممنهجة للتحكم والسيطرة على ثروات البلاد وتخريب ركائزه من التعليم والصحة، دون أن يحرك أحد ساكنا أو يصرخ أحد ضد هذه السياسات التي لا تخدم لا الشعب ولا الوطن. ولهذا إلى متى سيستمر هذا التخريب في حق قطاع يتطلب منا قرونا للنهوض به والرقي بجودته وخدماته؟
والغريب أن مثقفو هذا البلد لم يحركوا ساكنا، وكأنهم غير معنيون بما يجري لهذا القطاع. لكن ماذا ننتظر من فئة جاهلة جعلت من الثقافة فضاء للاسترزاق والتملق والبيع والشراء؟ إن أزمة التعليم ليست سوى نتيجة لأزمة الثقافة وأزمة الوعي، الذي يتخبط فيها هذا البلد الجريح والمظلم. فإذا كانت الدول المتقدمة تهتم بالتعليم وترفع مكانة المعلم ألف درجة ودرجة، فالمغرب يحط منه ويدفع به إلى التسول إن لم نقل أنه يحكم عليه بعيشة جحيمية تجعله يكره الأرض والوطن. نحن لا نريد تقدما اقتصاديا كاذبا والفئات الاجتماعية لا تستفيد أبدا من هذا التقدم. ولا نريد إحصائيات زائفة كتلك التي قدمها وزير الوظيفة العمومية، بقوله: "إن نسبة الفقر لا تتعدى 4 في المئة، وأن نسبة البطالة لا تتجاوز 9 في المئة". هل نحن جاهلون إلى هذه الدرجة لنصدق كلاما فارغا لشخص لا يجيد إلا قراءة ما كتبوا له على الورق؟
إن المنظمات العالمية تفضح ما يحاول المسؤولون في هذا البلاد إخفاءه. والتعليم في المغرب يعرفه العالم، ويعرف أنه يتذيل المراتب الأخيرة. كما أن السياسات اللاشعبية واللامسؤولة واللاإنسانية، هي التي دفعت بـ 10 آلاف إطار إلى الإضراب عن الطعام والتشرد في شوارع مراكش الباردة. وإن التعليم ينزف نزيف القتيل في ساحة المعركة، والقاتل ليست سوى حكومة لا تجيد إلى التهجم على الفقراء من أبناء هذا الوطن. وإن لغة الطحن أصبحت هي اللغة الغالبة والمسيطرة في كل القطاعات. لاسيما أن أبناء أصحاب الثروة والنفوذ يدرسون في المدارس الكبرى العالمية، في حين أن أبناء الفقراء يعانون في مدارس جميع جدرانها مشقوقة.
وما يزيد الطين بلة، هو أن الكل يتهرب من مسؤولية التعليم والأزمة التي يتخبط فيها، وأن هذا الكل الذي يتهرب يتبادل التهم. بيد أن أزمة التعليم تستدعي التحرك العاجل والتحلي بروح الوطنية لإصلاح هذا القطاع الرئيسي. فلا داعي لرسم صورة مفبركة عن المغرب والمئات من الأساتذة، يعانون من البطالة ومضربون عن الطعام، ولا أحد يحس بقهرهم وفقرهم إلا الغرباء والأجانب. حتى إن الإحتجاج الذي يعتبر حقا دستوريا أصبح يعتبر اليوم فتنة وشغبا. إلى أين نسير بالله عليكم...؟ حتما إلى ظلام الجاهلية، وإننا للجاهلين لسنا ببعيدين !
إننا اليوم أمام تحد تاريخي، يستوجب الحكمة والثريت والتفكير العميق. فالرقي بالتعليم وإصلاحه كما ينبغي ليس فقط ضرورة، وإنما أمرا ذو أهمية قصوى لا يجب التخلي عنه. إن هذه المنظومة تعاني بسبب ضعف حس الوطنية للمنتمين إليها، وكذلك غياب دور المجتمع في الدفاع عن حق أبنائه في التمدرس والتعليم المجاني الجيد والمتطور، بخاصة أن الخصاص والإكتظاظ لا يمكن معالجته بالتعاقد. فالوزارة الوصية تخرب وتصلح مشكلا بمشكل أعمق، وتنسى أن الوظيفة العمومية حق الجميع وليس من القانون حرمان أبناء الشعب من حقوقهم.
وكما قلنا في مقالات سابقة، إذا كان المغرب يفكر حقا في التقدم فعليه، أولا؛ المصالحة مع شعبه عن طريق الإهتمام بالتعليم والصحة والتقرب من المواطن الفقير ومعاناته اليومية. وليس عن طريق نهب الثروات، فالأثرياء يزدادون غنا والفقراء في فقهرهم خالدون. ثانيا؛ يجب على المغرب تصحيح سياساته والتحرك الفعلي لإنقاذ التعليم عبر مقاربات مسؤولة وواضحة تخدم المنظومة وترفع من مكانتها. وإذا كان المغرب يفكر في تخريب التعليم، فلا يجب عليه أن يحلم أبدا بشيء اسمه التقدم. وأخيرا؛ إن التعليم عماد التقدم ونبراسه ولا تقدم بدون تعليم راق ونموذجي، لذا على الدولة أن تكون صارمة في إصلاحه.