أوقفوا تمرد الدولة على القضاء وأحكامه
النقيب عبد الرحيم الجامعي
أكاتبكم جلالة الملك، وأنتم الرئيس الدستوري للسلطة القضائية، أردتم تَحمل وَزن مسؤوليتها الثقيل وقبلتم أن تصدر قرارات قضاتها باسمكم الشخصي، وأكاتبكم كرجل قانون لأنكم على علم أن الصادقين من رجال القانون هم كُثـْـر بالمغرب، ينتفضون حبا في العدالة لما تصاب في هيبتها أو تنتهك حرماتها أو يحقتر نساؤها ورجالها من قضاتها.
وبصفتي مواطن يتوجه لملك البلاد بما له من مكانة دستورية وصلاحيات سياسية وتنفيذية، رأيت في وسيلة إعلامية وصحفية، أداة لمخاطبتكم جهرا و بملئ قناعاتي وبصدق راسخ في قلبي ووجداني، ولا أجد ما يمنعني من ذلك اتجاه من يمتلك القرار السياسي ويمثل الدولة في أعلى قمتها.
أكتب اليكم وأنقل لعلمكم تحت رقابة الجميع، إن كنتم ربما غير عالمين، وأنقل لعلمكم إن لم يبلعكم أحد قبلي، أن خطرا على الوطن جاثم ومُهدِد يجب أن يتوقف، وجريمة ترتكب لابد من وضع حد نهائي لها، وإهانات متتالية لا ينبغى استمرار ممارستها، والخطر والجريمة والإهانات ترتكب يوميا على مرآى من العام والخاص، ترتكبها الدولة و عدد من المسؤولين معها، وضحيتها الوطن قبل المواطنين.
تعرفون أن المرحوم والدكم أسس القضاء ألإداري قبل قرابة العقدين من اليوم، وكان ذلك لما بلغ السيل الزبي ووصل انتهاك المشروعية رقما قياسيا، وكان التاسيس ردا على استفحال شطط الدولة وتجاوزات السلطة واعتداءات الإدارة العمومية على الملكية الخاصة والوضعية الإدارية للموظفين، و انتم واعدتم لما تقلدتم الحكم و في أول خطاب لكم بمناسبة الإعلام العالمي لحقوق الإنسان، بتأسيس مجلس الدولى تعزيزا لمكانة القضاء الإداري ولدوره في غل يد الإدارة والتصدي لحماقاتها.
وأنا أعتقد أنه من باب الواجب أن أرفع صوتي وأقول لكم اليوم، أن المغاربة ربما لا حاجة لهم بمجلس الدولة، ولا حاجة لهم بالقضاء الإداري، ولا حاجة لهم بالقضاء نهائيا، لأن الدولة والحكومات المتعاقبة والإدارات والمؤسسات وكبار الأطر، يوجهون الضربات تحت الحزام بقوة ويوميا، ليقولوا لكم بأن إصراركم لتأسيس دولة القانون حلم وخيال، ولا يخجلون من التأكيد بكل وسيلة أن لا أحد يمكنه أن يفرض على الدولة التقيد واحترام القانون، وليقولوا لكم بأن القانون لا يطبق إلا على الأغبياء الذين يحترمونه و يثقون في سيادته، ويقولوا لكم من أراد من المواطنين أن ينتحر أو يحترق أو يلتجئ أو يهاجر، فليرجل دون أسق، لأنه سيريحنا إلى الأبد.
أقول لكم أنني لن أشارك في هذه الجرائم بالصمت ولن أترك الوطن للعبث وللتسيب وللمغامرين بالعدالة.
لذلك ولكل هذه الأسباب:
أخبركم جلالة الملك، أن الدولة تخرق المشروعية وقواعد الدستور يوميا برفض تنفيذ الأحكام القضائية.
والدولة ترتكب جريمة تحقير القرارات القضائية يوميا لأنها تمتنع تنفيذها حتى بعد أن تصبح نهائية.
والدولة تعبث بتعليماتكم المحددة في الصيغة التنفيذية للإحكام والتي بها تطالبون من السلطات ومن أعوان الدولة السهر على تنفيذ الاحكام.
والدولة تعطي يوميا اسوء مثل في عدم احترام القانون وسيادة الأحكام برفض تنفيذها والامتثال لها.
والدولة تشجع يوميا على مقاومة الأحكام القضائية برفض تنفيذها وتقاومها ولو أنها تصدر باسمكم.
والدولة تزج بالمواطن بالسجن لما لا يمتثل للأحكام وتنتــشيي إداراتها عندما ترفض تنفيذها.
والوكالة القضائية للمملكة، رغم كفاءة ومهنبة أطرها، عاجزة عن فرض احترام الأحكام، فهي تطعن فيها وتسير بالقضايا سنوات وسنوات امام المحاكم رغم علمها بالشطط وبالتعسف، وتساهم بذلك في الطعن في قيمة القرارات والأحكام وتغطية شطط الدولة بالإلتفاف على حقوق الناس.
والدولة و عدد من المؤسسات، تنتهكان الدستور بالاعتداء على حق الملكية يوميا بنزع الممتلكات من أصحابها بدعوى المنفعة العامة، وتستعمل الصورية فقط لأنها تقوم بتحويلها غالبا للخواص أشخاصا أو شركات، وتستهزئ بالمالكين لما تقدم لهم ثمنا هزيلا كالعشرين أو الخمسين درهما للمتر، مما يجعلها كمن يسرق منهم حقوقهم ويعتدي على حق الملكية المصان بالدستور.
والدولة والإدارات العمومية، ترميان الموظفين في البؤس وسط صفوف المشردين لما ترفض الإمتتال للأحكام المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية بعد قرارت المحاكم الإدارية.
ووزارات كبيرة تتقلد صدارة مرافق الدولة الممتنعة والمتماطلة في تنفيذ و احترام أحكام المحاكم الإدارية ومنها مثلا وزارة التعليم، وزارة الأشغال العمومية، الوظيفة العمومية.....الخ.
ومصالح إدارة الضرائب لا تخشى تجاوز القانون وخرق المساطر، فهي التي تفرض أحيانا على الملزمين أداء ضرائب سقطت بالتقادم، وتقاعست هي في القيام بواجبها باستخلاصها في الوقت المناسب دون، وترفض أحيانا إرجاع مبالغ استخلصتها خطأ أو تبت عدم أحقيتها في استخلاصا، وهي التي تفرض من خلال القوانين المالية ما يحلو لها من تعديلات من أجل تسهيل تطبيق المساطر غير الضامنة لحقوق المحاكمة بالنسبة للملزمين وتفرض على البرلمانيين منطقها البيروقراطي من حيث لا يشعرون.
أناشدكم جلالة الملك، أن تضعوا حدا سريعا لهذه المهازل التي لا تليق بمغرب اليوم.
أعتقد أنكم جلالة الملك، ستنتفضون بمشاعركم ضد هذه الوضعية التي تسيء للأحكام وهي تحمل اسمكم ، وهي وضعية لا شك غير مشرفة للمغرب ولقضاء المغرب وللأمن القضائي للمغاربة، لأنه في النهاية يبقى احتقار الأحكام صورة من صور الفساد السياسي في الدولة بل أنه أكبر فساد.
أعتبر أنكم بمواقفكم مصرون على خلق الثقة وتعزيزها في نفوس المتقاضين والمواطنين والمغرب يطلق مسار الحوار الوطني لإصلاح القضاء و العدالة، وليس هناك هدية للحوار وللمشاركين فيه وللمعلقين آمالهم عليه، أحسن من أن تنطلق هنا والآن العملية الكبرى لحماية القرارات القضائية وذلك بتنفيذها على التو، وإعلان نهاية عهد صراع الدولة مع القضاء ووقف الحرب على أحكامه والمصالحة معها باحترامها وتنفيذها، فقرارات من هذا الحجم لنتحتاج إلى نصوص ولا إلى مراسيم أو ظهائر، بل تحتاج إلى تفعيل المسطرة وتطبيقها ومعاقبة من ينتهك، وها وتحتج منكم صرامة لفائدة المواطن مغربيا و أجنبيا و مستثمرا ومراقبا وحليفا.
بالتأكيد، إنكم بكل هذا سترجعون الهيبة للقانون وللأحكام بعد أن عجزت المحاكم عن بلوغ ذلك، عندما تعلنوا من اليوم وتذكروا الدولة والإدارات أن القرارات والأحكام لها قدسيتها، وأن على كل السلطات وعلى رأسها الحكومة أن تنفذ داخل أجل الشهر كل الأحكام العالقة في رفوف المحاكم عبر التراب الوطني دون استثناء وبالشفافية ودون ابتزاز ولا محسوبية، وأن تطلبوا من وزارة العدل والحريات أن تتقدم لكم بقائمة المئات والآلاف من الملفات التي ترقد منذ سنوات دون تنفيذ وأن تطلعكم على الشطط الأعمى الذي بفضح تلاعب الإدارات العمومية بمصالح المتقاضين .
سئمنا كمواطنين هذا الوضع العنيد والعنيف، وسئمنا الوعود بالحلول التي لم تأت رغم طول التعسف بكرامة المتقاضين، وسئمنا جمع الأحكام لتبقى دون قيمة وكـأنها أوراق اليانصيب تمزق بعد صدورها لأنها أوراق غير رابحـ
ة، وبكينا تعاسة كل القضاة من القضاء الإداري وهم يحاربون الآلاف من القضايا بأدوات عمل مخجلة مهينة لهم ولكرامتهم، ولا شفقة عليهم إن هم تظلموا أو صرخوا من ثقل المهام وبؤس الوسائل، ولو أنهم خرجوا للشارع العام أو أعلنوا إضرابا يوما ما، فلن يكون لهم سبب في ذلك إلا واحدا وحيدا، وهو إهدار مجهوداتهم وإهانة أحكامهم وقراراتهم من قبل الدولة وإداراتها ومؤسساتاها.
إن احتقار الأحكام يعني احتقار القضاء، واحتقار القضاة، واحتقار مساعدي القضاء، واحتقار المتقاضي، واحتقار قيم حقوق الإنسان، و إن احتقار الأحكام يعني العصيان، فهل تدفع الدولة نحو إعلان العصيان المدني من المتقاضين ومن القضاة ؟؟
أو أنها تطبق كلام بول فليري le pouvoir sans abus perd le charme.
ابادرين
قراءة المقالة أثارت لدي إشكاليتين الأولى حول مفهوم الدولة ما هي الدولة وما هي مكوناتها، والإشكالية الثانية حول دور المؤسسات التي ينص الدستور على إمكانية محاسبتها. وهل يصح توجيه نداء لمؤسسة الملك ليتخذ قرارات سياسية من حجم موضوع المقالة بالرغم من أن الدستور لا ينص على مسطرة لمحاسبته. ربما تسرعت في إثارة هذا الجانب لكن أعتقد أنه آن الأوان لنواجه معضلاتنا في ممارسة السلطة والحكم بكل وضوح وشفافية وبكل مسئولية.