قراءة نقدية من داخل حزب الاصالة و المعاصرة 

قراءة نقدية من داخل حزب الاصالة و المعاصرة 

حسن السماتي

افرزت نتائج الاستحقاقات التشريعية الاخيرة مشهدا سياسيا جديدا كانت ابرز عناوينه ، احتدام المنافسة بين حزبي العدالة و التنمية و حزب الاصالة و المعاصرة ، حيث تمكن حزب المصباح من انتزاع الصدارة ب125 مقعدا ، فيما احتل حزب الجرار المرتبة الثانية ب 102 مقعدا ،في حين عرفت باقي الاحزاب السياسية تراجعا و تقهقرا خطيرا كان من المفترض معه ان تعمد معه هذه الاحزاب _ خاصة العتيدة منها _ الى نقد ذاتي و مراجعة عميقة و قراءة نقدية و مواقف شجاعة . 

ومن اهم الخلاصات التي يمكن استنتاجها من هذه النتائج ان المشهد السياسي المغربي اليوم يشهد قطبين بارزين يستحوذان على الفعل السياسي .قطبان متناقضان من حيث المرجعيات و الاهداف و البرامج . القطب الاول يمثله حزب المصباح الذي تصدر النتائج رغم التكهنات التي كانت تتوقع عكس ذلك ، و القطب الثاني يقوده حزب الجرار الذي كان الجميع يتوقع تصدره للنتائج ، لكنه فوجئ بخصم قوي مهيكل بشكل جيد و منظم و منضبط . و رغم ان حزب الجرار نفسه يمتلك هذه المقومات ، الا انه احتل المرتبة الثانية رغم توفره على امكانيات مادية و معنوية غير متاحة لحزب المصباح . 

فلماذا احتل الاصالة و المعاصرة المرتبة الثانية ، وهل كان من الممكن حصوله على المرتبة الاولى، وما هي الاخطاء و الهفوات التي ارتكبها ؟ 

ان قراءة متانية في نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة تؤكد بالملموس ان حزب الجرار حقق نتائج مبهرة بواته المرتبة الثانية و بارقام عددية محترمة ، 20 % من عدد اصوات الناخبين و 26% من عدد المقاعد البرلمانية . و هي نتائج تعبر عن قوة الحزب التنظيمية . و رغم ماقيل من روايات تشكك في مصداقية و نزاهة النتائج المحصل عليها ، الاان واقع الحال يؤكد ان الحزب اصبح رقما صعبا في المعادلة الحزبية و السياسية و خصما شرسا قادرا على ان يغير المعادلات و الحسابات لصالحه و يخلق المفاجات .

و ينبغي الا يفهم من هذا التوصيف انني اشيد بالحزب و بمحصلاته الانتخابية باعتباري واحدا من مناضليه ، بل انني _ و ان كنت عضوا بالمحلس الوطني _ الا انني اختلف معه في كثير من المواقف و التصورات بسبب ابتعاده عن المبادئ و الاهداف و المرجعيات التي اسس عليها من قبيل ترسيخ الاختيار الديمقراطي الحداثي و تخليق الحياة العامة و المساهمةفي بناء دولة الحق و القانون . 

و يتبغي كذلك الا يؤول هذا المقال على انني اسعى الى المس بشرعية الحزب او التقليل من اعتباريته و كينونته كواحد من الظواهر الحزبية الحديثة ، بقدر ما اسعى الى ان اثير مجموعة من الملاحظات و الفت انتباه ساسة الحزب الى جملة من الاخطاء التي ارجو ان يقراها قياديو الحزب جيدا و يفهموا رسائلها و يتفاعلوا معها .

و الحقيقة انني قررت كتابة هذه السطور بعد تفكير عميق و بعد نقد ذاتي لاذع و كذلك بعد تقييم موضوعي لتجربتي داخل الحزب و التي اقر بفشلها لكوني لم اجد ذاتي داخل تنظيم اقليمي هش و ضعيف و غير مهيكل ، يحكمه منطق السيطرة و الاستحواذ . تنظيم يقصي الكفاءات و الطاقات الكثيرة و التي اجبرت على الابتعاد و التنحي لانها لم تجد اجواء مناسبة للاشتغال و العطاء .
و من بين الملاحظات التي اسجلها على الحزب و اعتبرها مكلفة و تحتاج الى مراجعة و اعادة نظر :
1/ غياب قيم النزاهة و الديمقراطية و الشفافية و التناوب و التجديد في مختلف اجهزة الحزب و تنظيماته اقليميا و جهويا . هذه المبادئ التي اسس عليها الخزب مرجعياته و مشروعه ، تبين انها مجرد شعارات لم يتمكن الحزب من تصريفها ميدانيا بسبب تجدر عقليات الهيمنة و التحكم . و لا ادل عى ذلك من تلك الصراعات التي تحدث داخل المؤتمرات الاقليمية و الجهوية ابان التاسيس او التجديد ، و ما ينتح عنها من عداءات و تطاحنات بين المناضلين تفقد الحزب مصداقيته و سيرورته العادية داخل المشهد السياسي المغربي
2/اصرار القيادة على ابقاء الاوضاع التنظيمية للامانة الاقليمية بتطوان على حالها رغم الاختلالات العميقة داخلها و المتمثلة في الاقصاء و التحكم و الريع السياسي ، مما دفع بالمئات من المناضلين الذين بنوا المرحلة التاسيسية الى الابتعاد بسبب التضييق عليهم . و رغم انني وجهت رسالة في الموضوع الى السيد الامين العام بتلريخ 10 مارس2015 و تلقيت جوابا عليها بتاريخ 4 ابريل 2015 تحت عدد 342 بعنوان " شكر " الا ان القيادة لم تتدخل مما يؤكد قبولها بهكذا اوضاع و يطرح عدة علامات استفهام ( انظر رفقته نص الرسالة الموجهة الى السيد الامين العام + نص الجواب ) .
3/ الارتباك الحاصل في المواقف السياسيةللحزب خاصة بعد نتائج استحقاقات 7 اكتوبر ، اذ لم نعد نفهم مضامين الخطاب السياسي للزعيم ، فتارة تصريحات نارية ضد العدالة و التنمية التي اعتبر التحالف معها خطا احمر ، و تارة اخرى دعوة الى مصالحة شجاعة . فكيف يمكن تفسير هذا التذبذب في المواقف : هل نعتبره مناورة سياسية ام فشلا في الهيمنة على الخقل السياسي ام اعترافا بالفشل ام دعوة الى التطبيع مع حزب العدالة و التنمية و التي اعتبره شخصيا موقفا كان على الحزب ان يتبناه و يدافع عنه و يقنع خزب المصباح به ما دامت السياسة تعترف بالمصالح فقط بعيدا عن منطق الصداقة و العداوة .
4/ التشكيك في المشروع السياسي و الفكري للحزب ، اذ يبدو انه لم يكن يهدف الى اعادة الاعتبار للعمل السياسي بمعناه النبيل و نهج سياسة القرب و ترسبخ الاختيار الديمقراطي كما تشير الى ذلك وثيقته المذهبية ، بل يتضح جليا ان الخزب تاسس و تشكل على اساس الدخول الى الحكومة و ليس البقاء في المعارضة . و لا ادل على ذلك من محاولته تراس الحكومة رغم حصوله على المرتبة الثانية و ذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي قادها مباشرة مع كل من خزب الحمامة والوردة و الميزان و السنبلة ، وهو توجه مناف لروح الدستور و قواعد الديمقراطية .
5/ انعدام الحكمة و التبصر و خسن تدبير و تصريف المواقف لدى اصخاب القرار و القائمين على سياسات الخزب . و تفسير ذلك ، ان الحنكة السياسية كانت تقتضي من الخزب ان يبحث له عن موقع داخل التشكيلة الحكومية ليساهم في تدبير شؤون البلاد خاصة في ظل المتغيرات التي يشهدها الوطن المقبل على اوراش كبرى كالحهوية النتقدمة و الانخراط في الاتخاد الافريقي . و بذلك كان سيتمكن من تطبيق برنامجه الانتخابي الذي وعد به الناخبين ، خاصة و انه كان سيمثل مع حزب المصباح اغلبية مريحة ، الا انه للاسف فضل رفع شعار معاداة العدالة و التنمية و فوت على نفسه فرصة التجربة الحكومية و مباشرة الاصلاح من الداخل ، في حين فسح المجال لاحزاب اخرى كانت بالامس تتبنى نفس مواقفه المعارضة للعدالة و التنمية ، و لكنها تتسارع اليوم للمشاركة في الحكم رغم ضعف تمثيليتها البرلمانية . وهذا السلوك يدل على كثير من الانانية و الذاتية و الشخصنة من قبل قياديي الخزب .
6/ المنهحية المعتمدة لاختيار وكلاء اللوائح خلال الانتخابات المخلية او التشريعية و التي يحكمها منطق الاعيان و الولاءات و المال و القرابة بدل لغة الاستحقاق و النزاهة و الكفاءة و حسن السيرة للمرشخين . و لنفترض اننا سلمنا بفرضية حتمية لجوء الحزب كغيره من الاحزاب الى كائنات انتخابية لضمان الظفر باكبر عدد ممكن من المقاعد ، الا انه يتبغي بالمقابل احترام ادنى شروط النزاهة و الاخلاق و الكفاءة في هذه الكائنات .
7/ ضعف المستوى السياسي و الفكري لبعض النخب البرلمانية و التي يفترض ان تمثل المواطن و تدافع عن حقوقه داخل القبة التشريعية .و دليل ذلك ، ان الحزب اعتمد في لوائحه الانتخابية على فئة الاعيان و الادتي فاقت 66% و هؤلاء اغلبهم من المقاولين و التجار الكبار و الفلاحين و جلهم لا يمتلك تكوينا علميا اوثقافيا او سياسيا ، في حين تم اقصاء النخب المثقفة و النظيفة و المسؤولة من المناضلين و التي قدمت الكثير للحزب و تمتلك امكانيات و قدرات هائلة .
8/ تورط الحزب و انسياقه اللامحسوب وراء طموحات و تطلعات منخرطي نقابة المنظمة الديمقراطية للشغل الذين يسعون جاهدين للهيمنة على مختلف اجهزة الحزب و تنظيماته بحجة انهم الدراع النقابي له . و رغم انني وحهت سؤالا شفويا للسيد الامين العام في لقاء بمدينة طنجة حول ما يروج عن تخلي الحزب عن المناضلين الذين لا يحملون قبعة odt ، و اجابني بصراحة على ان الحزب سيظل منفتخا على جميع المناضلين بمختلف حساسياتهم النقابية ، الا ان واقع الحال يؤكد غير ذلك مما دفع بعدد كبير من المناضلين من غير odt الى الاحساس بالاحباط و التساؤل عن مصيرهم في ظل تغلغل جبهة من المنظمة الديمقراطية للشغل تعمد الى الاقصاء و السيطرة و تكرس مفهوم النقابة الواحدة .
في ظل هذه التناقصات التي يعيشها الحزب ، و في ظل عدم تقييم الحزب لسيرورته و ادائه و مستقبله ، فان الحزب سيظل يستنزف المناصلين الاوفياء و سيزداد عدد المنتقدين و الرافضين من داخل التنظيم و خارجه لهكذا سياسة لا تشجع الا على الياس و النفور و البحث عن البديل .

بقلم حسن السماتي عضو المجلس الوطني .

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة