عقلية قارون وجدلية السلطة والمال
عبد العلي جراف
(إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) سورة القصص أية 76 إن صريح الآية يبين أن قارون لم يكن طاغية بل كان في الأصل من قوم مضطهدين. لكن بعد اجتماع الأموال لديه وارتقائه إلى الإستوزار لدى فرعون جعل منه فرعونا جديدا على قومه
إن ممارسة البغي والظلم واكل مال الناس بالباطل لا يمكن بمجرد القوة المالية لان تأثيره -من ناحية-لا يتعدى الجانب الاجتماعي ومن ناحية أخرى يمكن إثبات هذا الحيف وأخذ الحق أما إذا أضفنا غطاء السلطة فإن تأثيره لن يقتصر على الجانب الاجتماعي وإنما يصل إلى الأفكار والمعتقدات مما يدخل جميع الفاعلين في صراعات أيديولوجية يصبح فيها المال حاسما أساسيا في خدمة الأفكار والاختيارات السياسية وكذا خدمة الاختيارات السياسية لذوي النفوذ من أصحاب الأموال.
وعلى مر العصور فهذا الترابط الوثيق بين المال و السلطة ظل المتحكم الأساسي في كل الاحداث التي صنعت التاريخ ففي الولايات المتحدة الامريكية مثلا لا نستغرب سيطرة حزبين فقط على المشهد السياسي حيث ان أصحاب الأموال ( الاوليغارشية ) لهم ارتباط وثيق بالبيت الأبيض و الكونغرس و البنتاغون و موزعين في انتمائهم السياسي على الحزب الجمهوري و الديموقراطي اللذان هما في اخر المطاف نفس الشيء ,و إذا ما بحثنا عن سبب انتصار الولايات المتحدة الامريكية على الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة نجد تفسير ذلك في حجم الانفاق على المخابرات والتسلح وحجم الدعم المقدم في إطار مشروع مارشال لإعمار اوروبا الغربية.
اما بالنسبة للأنظمة العربية فالصورة تبدو أكثر بشاعة حيث يعتبر الحاكم هو المالك لسلطة المال بصورة مباشرة او غير مباشرة -في إطار ما يسمى حكومة الظل-وهو المشرع للقوانين التي تضمن له حماية مصالحه مدى الحياة، وإذا جزمنا انه من الصعب الفصل بين السياسة والاقتصاد وان بينهما تكامل حيث ترنو السياسة إلى حسن التدبير لتطوير المجتمع والاقتصاد لتلبية الحاجيات المادية للمجتمع فإن السؤال الذي يطرح نفسه يكمن في هل من الضروري أن يكون الامرين معا بيد جهات معينة؟ الا يمكن ان يبتعد أصحاب النفوذ السياسي عن العمل في الحقل الاقتصادي؟ والعكس الا يمكن لأصحاب الأموال ان يركزوا اهتمامهم على تطوير مشاريعهم بطرق قانونية بعيدا عن الاشتغال بالسياسة التي تحابيهم؟
أما إذا حصرنا الصورة على الواقع المغربي فإننا للأسف لا نجد أي ترجمة للواقع السياسي الانتخابي والفاعلين فيه على مستوى تسيير وتدبير شؤون الدولة وهذا ما يفسر الركود السائد بعد انتخابات 7 أكتوبر فحالة الترقب السائدة والتي يسميها البعض بالبلوكاج تضرب عرض الحائط كل الحسابات والمعطيات الانتخابية وتبين أن العامل الأساسي في الحسم النهائي لولادة الحكومة هم أصحاب النفوذ الاقتصادي وهذا عين البغي الذي مارسه قارون على قومه كمثال خاص أعطاه القران الكريم على تقرير عام يجزم انه كلما فاض الرزق و المال على شخص إلا بغى في الأرض مصداقا لقوله تعالى ( و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكنه ينزل بقدر ما يشاء . إنه بعباده خبير بصير) سورة الشورى الآية 27