وضعية المغرب السياسية والعناصر الثلاث لمواصلة الإصلاح
د.احمد درداري
منذ انتخابات 7 أكتوبر 2016 وإعلان نتائجها وتعيين الملك للسيد عبد الاله بن كيران رئيسا للحكومة حسب الفصل 47 وتكليفه بتشكيلها، وإجراء هذا الأخير مشاورات مطولة آخرها وصلت يومه 8 يناير 2017 إلى الباب المسدود وذلك من خلال بلاغ السيد رئيس الحكومة المعلل لأسباب إصداره اياه، مما يدل على أن مرحلة هدر الزمن السياسي تعيش آخر مراحلها… وعلى اثر ذلك كلف ملك البلاد مستشارين بالديوان الملكي السيدين عبد اللطيف المنوني وعمر القباج للدفع بعملية تشكيل الحكومة وتسهيل المشاورات بين الأحزاب والخروج من ما يسمى البلوكاج .. إلا أن المشاورات خرجت عن التراضي وقواعد ومنطق الحوار بما لم يراعي أدوار كل طرف من موقعه .. ودرجة تواجده في الخريطة السياسية وشرعية و أحقية الإيجاب والقبول في بناء الحكومة دون الخروج عن النص الدستوري… حسب بلاغ السيد رئيس الحكومة.
ويطرح الوضع السياسي والاجتماعي شكوك حول مصداقية النخبة السياسية وصانعي القرار بسبب تعنت و تضارب الخطط السياسية التي يمكنها أن تطبق في الخمس سنوات المقبلة وكان المغرب ليس بلدا موحدا، وهذا ما جعل بعض مضامين دستور 2011 تعاود طرح مآلها لتدارك النقص، بسبب الثغرات و المسكوت عنه والتعتيم وغياب التواصل الإعلامي، في مقابل تصريحات وخرجات معيبة سياسيا، بينما الوضعية العامة للبلاد لا تتطلب العرقلة و تحمل المسؤولية للجميع، سواء الأحزاب السياسية أو غيرها والتي عطلت عمل المؤسسات والبرامج والقوانين وأهمها قانون المالية ….
وبمرور أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية لحد الآن دون خروج الحكومة إلى الوجود ومعها غياب مجلس النواب الذي بغيابه أفرغ الانتخابات من جدواها واجهض موضوعها المتمثل في وجود مجلس للنواب والذي ينص الدستور على ضرورة انتخاب رئيسه واعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها …. في مستهل الولاية التشريعية حسب الفصل 62 منه، وهذا ما أبان عن تبعية مجلس النواب للحكومة سياسيا رغم الاختلاف في النصوص الدستورية الخاصة بتكوينهما واختصاصاتهما … لذا فإن المرحلة تقتضي معالجة الوضعية بالارتكاز على ثلاث جوانب وهي:
اولا: استكمال بناء عقل الدولة
من وجهة نظر محددة فإن العلاقة بين الفرد والمجتمع وبين الحكام والمحكومين بين السلطة والحرية والتعايش بينهما في إطار مؤسسة الدولة تتطلب التوفيق والتوازن بينهما من خلال تنظيم الظواهر القانونية والسياسية والاقتصادية رغم أن الأمر صعب بالنسبة الظواهر السياسية اللهم اذا تم اعتماد العنف كإحدى وسائل الدولة الملازم للنشاط الانساني، وهو الأمر الذي تخطاه المغرب من خلال النصوص التشريعية الدولية والوطنية. فالدستور والحكومة والإدارة والأحزاب والرأي العام والجمعيات والتنظيمات هي الخلايا الدماغية للدولة، وتساعد على فهم حركاتها وسياساتها وموقعها وشكل الحكم ضمن الخريطة الدولية بمعايير التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان …. وهذا يعكس طبيعة العقليات التي تشترك في تدبير الأوضاع في الدولة والمجتمع. وعليه فإن عقل الدولة الذي يعتبر الدستور خارطة طريقه وبرمجته الذهنية، ينبغي أن يواكبه تنزيل سلس من قبل هياكلها لمضامين مقتضياته المختلفة .
ثانيا: تعديل الدستور
طبعا وان كان دستور 2011 من الدساتير المهمة من حيث الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية التي عرفها المغرب … فإنه يبقى دستور قابل للتعديل، كما تتطور باقي دساتير العالم وقد لا يتعلق الأمر بقواعد الحكم بل بمنهجية العمل السياسي وتنظيم الظواهر السياسية تجنبا لتلك الظواهر التافهة أو العرضية بسبب اتساع علم السياسية على حساب القانون الدستوري … وقد لا يتعلق الأمر بالسلطة والمؤسسات السياسية بل بالبنى التنظيمية وأبعادها وحدود اختصاصاتها وذلك بسبب غياب المحاسبة الفورية والاوتوماتيكية عند وجود الخلل أو سوء الاستعمال أو تعطيل البناء التنظيمي لمؤسستي البرلمان والحكومة ….
ثالثا: تغيير العقليات
بالعودة إلى الأوضاع العامة بفرنسا في الفترة بين 1946 و 1958 وهي فترة الجمهورية الرابعة التي كان يقودها الجنرال دوغول وهي أصغر فترة سياسية ودستورية عاشتها فرنسا في تاريخها السياسي…. تبين أن 12 سنة كعمر لهذه الجمهورية مرده إلى كون عقليات المجتمع الفرنسي كانت أكثر تطورا و تفوق النصوص الدستورية والقانونية لهذه الجمهورية لذا سارعت فرنسا إلى تغييره بدستور الجمهورية الخامسة 1958 لمواكبة العقليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفرنسية. وفي المغرب اليوم العكس هو الذي حصل حيث النص الدستوري جد متطور بالمقارنة مع العقليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الإدارية القائمة وبدلا من المطالبة يتخلف النص الدستوري لمواكبة التخلف عند الشائع من العقليات يتطلب الأمر تطوير العقليات لمواكبة الدستور الجديد مع إمكانية تدارك بعض جوانب النقص المتعلق بإصلاح هذه العقليات المعرقلة للسير الطبيعي والمواكب للتحول الذي تسير عليه البلاد ودون مواكبة بعد النظر الذي يرسمه ملك البلاد .
وعليه فإن الأحزاب التي حدد مهامها الفصل 7 من الدستور والمتمثلة في التأطير والتكوين وتعزيز انخراط المواطنين في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام …. هي بدورها وفي مجملها غير ذات تكوين مما يفقدها القدرة على التكوين أو التأطير فبالاحرى تعزيز الانخراط الوطنية … والاستثناء هو التواصل المرحلي والانتخابي الذي يكون على رأس كل مدة ولائية…. ذلك أنها تفرز نخبا سياسية باعتبارها القنوات الوحيدة للوصول إلى السلطة والتعبير باسم الشعب في منابر الحكومة والبرلمان والمؤسسات ذات العلاقة.
كما أن حياد الملك بالمفهوم الذي ارادته الأحزاب السياسية ليس في صالح البلاد لاسيما عندما يفصح عن رأي أو موقف أو تصريح سيلسي لا يجد من يقف ويقول هذه تجاوزات تمس بمصالح الوطن أو الشعب … فكلما أبعد الشعب عن الملك بواسطة مؤسسات غير آمنة ساء الفهم والتفاهم بينهما وإرتاح الوسطاء … واليوم لم يبقى لمعالجة الأوضاع – بالرغم من أن البعض ينتظر اية مبادرة ليعيبها ديمقراطيا – إلا تدخل جلالة الملك بالكلمة من أجل وطن وشعب هو من اوكل دستوريا أكبر المهام من أجلهما.