الأزمة السياسية المغربية
الحسين أربيب
نحن نعيش في ازمة سياسية منذ امد بعيد غير انها كان دوما يتم التعايش معها بعدة وسائل وطرق لإخفائها وحتى استثمارها وتحويلها من قبل النظام السياسي بما فيها الأحزاب والنقابات والجمعيات خاصة جمعيات المعالق الذهبية ، الى مؤشر من مؤشرات التطور والحيوية بل وحتى الديموقراطية، تلك هي سياسة النعامة تخفي الراس في الرمال اعتقادا منها ان لا أحد يراها ، إلا أن الواقع السياسي متأزم ايما تأزم ، وعلى كثير من الأصعدة، فمنذ الاستقلال وهو في ازمة مركبة من وضع اقتصادي بنياته غير متينة وسياسة تتأرجح بين القطاع الخاص والعام في وضع غير متوازن ولا واضح المعالم المستقبلية مع سياسة غير ثابتة ولا تخضع لتخطيط وتقييم علمي بقدر ما هي ارهاصات مصلحية تتقاسمها قطبية جهوية ومركزية تارة تنحدر لمستوى القبلي والعائلي لتمركز رأسمالها واحتكارها المتعدد التوجهات بحيث يصبح الاقتصادي يخدم السياسي والاجتماعي يخدم الديني وهذا الأخير يهيمن على الكل لأنه معتقد الغالبية من الشعب مما يسهل المرور من جهة الى أخرى دون عناء يذكر . والأزمة ليست اقتصادية واجتماعية وسياسية وحدها بقدر ماهي أزمة هوية وعقلية ونمط عيش واختيار فئة محدودة تفرضه على البقية من الشعب ،لأن السياسة المتبعة لم تكن في موقع تفتح فيه الحوار مع أحد ، فالمؤسسات السياسية مقفلة لدرجة أن المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار والتشاور بشأنه كان ومازال في كثير من الجوانب يعد اعلانا بالعداء والحرب على الجهة الحاكمة .والحال أن جل المطالب ، ألا القليل منها كانت تصب في مصلحة تطوير النظام السياسي وفي مصلحته لاستمرار والاستقرار ، غير أن ذوي النيات غير الحسنة كانوا بالمرصاد لكل تيار يبحث عن مخرج للأزمة التي تواكب الزمن السياسي المغربي منذ أمد طويل .وهذا ما اسس لأزمة سياسية سرمدية علقت بالبنية السياسية للنظام السياسي المغربي ولم تفلت منه الى حد كونت ركنا أساسيا في معالمها ومركزا محوريا في تحركاته وتوجهاتها بل كانت عبارة عن مشتل ومطعم عليه تكونت النخب على التوالي على مر الزمن السياسي ، فالقاعدة في منطق السياسة بالمغرب هو المركزية والفردية في اتخاذ القرار كيف ما كان بسيطا او مركبا ، والأساس الذي يتم الانطلاق منه هو اعتبار الكل خاطئ إلا من هو في السلطة ومركزها، والباقي عليهم الخضوع والتأييد لا غير ، وبالتالي لا مكان للمعارضة بل لا يمكن ضمن هذا التصور للحكم أن تكون هناك معارضة بالأساس ، وهذا ما يفسر الى حد ما الصراع الذي كان قائما بين النظام الملكي والمعارضة على مر اكثر من أربعة عقود ، ومع مجيء التناوب لم يخبئ ذلك الصراع بالرغم من كل ما جرى من تفكيك وتحييد للعناصر المعارضة التي اختارت توجهات واختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية لا تسير على نفس الجهة للنظام السياسي المغربي وخاصة الشق المخزني منه ، ولقد كانت المعارضة محل تفكيك وتشتيت بشتى الوسائل والطرق ، من الاعتقالات الى الاغتيال الى المحاكمات الى التزوير في الانتخابات الى صنع احزاب إدارية لملء الساحة الحزبية بمكونات داعمة ومساندة للنظام في كل الأحوال والمناسبات ، وهذا التدخل السافر في تسييج الشأن السياسي وابعاد كل من يخالف في الراي واعتباره مناوئا وبالتالي يجب تحييده بكل الطرق ، جعل من السياسة المغربية تراوح مكانها ولا تتطور بل حتى البحث العلمي في علم السياسة ظل بين علم وصفي وتاريخي ونظامي بمعنى يفسر النظام السياسي انطلاقة من وثيقة الدستور ويحلل على منوال القراءات التي ورد من كتابات "فقهاء" القانون فرنسيين أمثال روسي و روني دوبوي والأمريكي واتر بوري . طبعا ساهمت الحرية المنعدمة في انحسار الفكر والنقد بل وحتى سبل ايجاد الحلول او حتى التعبير عنها ، مما شكل انغلاقا وسدا منيعا في وجه الشباب للتعبير عن متطلباته ، فكان حراك 20 فبراير نقطة تحول بالرغم من عدم بلوغها الهدف المنشود وهو سواد الحرية والديموقراطية في ظل نظام يحترم قواعد اللعبة الديموقراطية كما هي متعارف عليها في العالم المتقدم ، فصل السلط بحيث تحد كل سلطة من طغيان الأخرى حتى يقع ما يسمى بتوازن السلط الذي لا يجب أن يكون على حساب الشعب . . نحن في ازمة سياسية واضحة ومن يريد إخفاءها فهو يخفي الشمس بالغربال ، فهي ازمة امتدت داخل هيكلة مؤسسات الدولة بدءا من الحكومة التي وجدت عراقيل لتشكيلها الى البرلمان الذي لم يعقد جلساته الى حين تدخل الملك باستقبال عبد الواحد الراضي قيدوم البرلمانيين و"انتخاب" لحبيب المالكي رئيسا للبرلمان بالرغم من خروج ذلك عن المنهجية الديموقراطية البرلمانية التي تعطي رئاسة البرلمان للحزب الذي حصل على الأغلبية لكن في نظامنا السياسي يمكن ان يقع المستحيل ليصبح عاديا وجاري به العمل لأن نواة النظام السياسي والتي يطلق عليها من قبل بعض الفاعلين السياسيين "بالتحكم " تملك كل خيوط اللعبة السياسية ولا تتقاسمها مع الباقي (الأحزاب النقابات ) الذين يشكلون مجرد مرددين في سمفونيته . هذه الأزمة سيطول أمدها خاصة في ظل الوضع الدولي والجهوي الذي هو بدوره يعيش ازمات مختلفة لكنها تصب في نفس السياق، وهو التراجع في مجال تمتيع الشعوب بالحريات والعمل على توزيع الثروات بشكل عقلاني يجد المواطن البسيط مكانه في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتخذة من قبل الحكومات والبنوك الدولية كصندوق النقد الدولي الذي ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية لغالبية دول العالم التي تأتمر بأوامره" الإصلاحية". فبعد انتخاب دونالد ترومت بالولايات المتحدة الأمريكية ، القوة العظمى في العالم ، واعلانه عن نظام عالمي جديد يتسم بالحمائية والانغلاق وانبعاث مبادئ الرأسمالية الجشعة من جديد والوطنية الشوفينية ، انفتحت بشكل واسع فرص وصول حكومات يمينية وعنصرية في اروبا وتقوية الأنظمة الديكتاتورية في دول العالم الثالث . وهذا الوضع الدولي اثر وبشكل كبير في ازمتنا الداخلية بالرغم من المحاولات للخروج منها وذلك بالانفتاح على إفريقيا التي تعاني بدورها بتلك الأزمة الخانقة الا وهي الضيق الاقتصادي وانحسار المد الديموقراطي. . لذا كيف الخروج من هذه الأزمة؟ ليس هناك مفاتيح سحرية بل حلول واقعية تتمثل في مزيد من الفعل الديموقراطي والوضوح والتمسك بأسس الديموقراطية مهما كلف الثمن. وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية عوض احتكار منابع الثروة وتضييق قنوات توزيعها على فئة اجتماعية محدودة . و الابتعاد عن ربط الاقتصاد والدين بالسياسة ما أمكن ذلك سواء في صياغة المناهج الدراسية او القرارات السياسية وتوفير الطاقة الفكرية والثقافية وتكثيفها في مجال تمتين الهويات وتماسكها وبناء جسور التواصل بينها للحيلولة دون تصادمها لأن الأزمة الحالية التي تفاقمت قد تجد في حقل الهويات مجالا خصبا لاستثماره والركوب عليه(والإشارة هنا لأحداث الحسيمة التي صارت تتكرر) مما قد يحول الأزمة من ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية الى أزمة مركبة ونعود للمربع الأول . إذن لابد من تشكيل حكومة وطنية تجمع كل ذوي النيات الحسنة وما اكثرهم غير انه تم إبعادهم من قبل الوصوليين والانتهازيين الذين هيمنوا على الفعل السياسي والاقتصادي بالرغم أن لا مصداقية لهم والكل يعرف ذلك ولا أحد يستطيع وضع حد لهذا كأنه قدر لا يمكن تجاوزه ووضع برنامج اقتصادي يرتكز على الأولوية الاجتماعية ،الصحة والتعليم والشغل ، والعمل على تخفيض الضرائب غير المباشرة وفي السياسة الخارجة يجب الانفتاح على العالم في اطار المعاملة بالمثل والمساهمة في الفعل الدولي وخاصة القضية الفلسطينية. والرفع من معنويات مغاربة المهجر عبر دبلوماسية شعبية وفعلية لمساندتهم بقرارات تعيد لهم الاعتبار خاصة في وضع دولي تنمو فيه النزعة العنصرية. . فالأزمة السياسية المغربية ليست ثابتة بل تتحرك بسرعة لذا وجب التدخل بشكل سريع ولكن ببعد استراتيجي يتبعد عن المزاجية بل الموضوعية والقواعد العلمية في فك جوهر الأزمة . .