دم رجال التعليم تتناثره التشريعات

دم رجال التعليم تتناثره التشريعات

رجاء الأزهري

 

تفاعلت مختلف القوى المدنية والسياسية مع التعنيف الشنيع الذي صدر عن تلميذ تجاه أستاذه بإحدى المؤسسات التعليمية بورزازات ، حيث تناقلت كل القنوات المتاحة هَول ما جرى، وتباينت المواقف مابين دعاة لأشكال نضالية تصعيدية لصون كرامة أسرة التعليم، ومستائين اكتفوا بتقاسم الخبر وما تناسل عنه...وآخرين عارضوا تجريم فعل المعتدي والتمسوا أعذارا لم ترْق في مجملها إلى حجم الزلة. وبقصور النصوص القانونية حول أشكال معالجة هذا الصنف من الاعتداءات، توالى الفعل بمدن أخرى... إلا أن جل التدخلات، متضامنة كانت أم متواطئة، جاءت في قوالب فضفاضة، كما هي القوانين المؤطرة للعنف بالوسط المدرسي، في انتظار مبادرات تشريعية من ذوي الاختصاص.

 

على اختلاف تلاوينها السياسية والإيديولوجية، لم تتوان المؤسسة التشريعية، هي الأخرى خلال إحدى جلساتها الأسبوعية، في التضامن والمؤازرة عبر حشد أقوى الكلمات وصياغة أبلغ العبارات للتنديد بتنامي ظاهرة العنف في الوسط المدرسي، ولم تتأخر في التعبير عن تقديرها وامتنانها للأطر التربوية، مع الحرص على تجديد دعوة الفاعلين التربويين لاتخاذ التدابير البيداغوجية اللازمة للحد من آفة صارت تنخر المجتمع المدرسي. وقد أسهب البعض في صياغات إنشائية معززا خطبته باستشهادات من أشعار الزمن الجميل من قبيل : "قم للمعلم ووفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا"، فتحركت لذلك مشاعر نواب الأمة لتخشع أياديهم في تصفيقات حارة، عرفانا بنبل الرسالة التربوية، وبه وجبت المشاركة والسلام. أما الرسالة الأقوى التي وصلت للمواطن من الموقف المبتذل الذي اكتفى به حجيج قبة البرلمان، هو أن للشعب تمثيلية لا تتجاوز مرافعاتها كلمات جوفاء، تصطف لتصنع لغة فاقعة تسر السامعين، وماهي في الأصل سوى ميكانيزمات دفاعية ساطعة لأولي الأبصار. لغة خشبية لا دور لها سوى تعويض العجز عن المبادرة التشريعية المفقودة، تماما كما هي دمية "بينوكيو" الخشبية التي عوضت العجوز الشهير عن عقمه، وعند افتراء المواقف، يطول أنف "بينوكيو" البطل الصنوبري في الحكاية الإيطالية، وتطول الألسنة الخشبية في برلمان نواب الأمة.

 

في غياب مبادرات تشريعية من الحكومة والبرلمان، من سيَزِر وِزر هؤلاء لتطوير التشريع الوطني حتى يتماشى مع نوازل العصر وما أكثرها؟ وماجدوى التهافت وراء هكذا مسؤوليات، ما دام العجز عن أداء الوظيفة التشريعية -كأهم وظائف البرلمان السياسية- باديا للعيان؟ لماذا يغيب التنافس والتدافع بين الفرق البرلمانية في تقديم مقترحات قوانين أو تعديلات لقوانين جارية لسد الثغرات التشريعية التي تقف وراء تزايد آلام المواطنين؟ آلام لم تبدأ فقط بإراقة دماء نساء ورجال التعليم بأيادي تلامذتهم، ولن تنتهي بنهاية بؤساء دهس بعضهم بعضا لاقتناص رغيف أيام معدودات...

 

بعد نشرها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، استطاعت رواية "البؤساء" لوحدها أن تغير مجرى قوانين بلد الأنوار، حيث تم على إثرها تعديل قانون العقوبات للاعتراف بجرائم الضرورة، فلا يُحكَم على مرتكبها بالأشغال الشاقة، وقوانين أخرى اعتمدتها الحكومات الفرنسية منذ ذلك الحين إلى اليوم. رواية واحدة هزت الرأي العام الفرنسي، فتداعت لها سلطة المشرع وخضع لها نظام دولة بأكمله. هذا عن أحداث من وحي خيال أديب ناضل بقلمه من أجل هموم المضطهدين في وطنه، فكسب قضاياهم بنجاح. فماذا لو تعلق الأمر بوقائع حقيقية تتوالى بالجملة والتقسيط، فاهتزت لها الجوارح والشوارع وخذلتها تصفيقات المشرع؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة