دعوة.. سياسة..و"مرق" في طريق الجنة
لحسن عدنان
"سيزيفهم" الذي خدع المواطنين والأتباع كي يصوتوا له ولحزبه مرتين متتاليتين في الانتخابات التشريعية أطلق الحجر، فتدحرج بغير رحمة ليخلف كثيرا من الضحايا والمعطوبين والمهجرين والمسحوقين والمغبونين ..
قال للمريدين: نحن نريد جنة عرضها السموات والأرض ...ولا نطمع في كراسي السلطة التي لا تدوم ..فصفق له الأتباع سكارى ..وما هم بسكارى . ولكن كانوا يمنون أنفسهم أيضا بكراسي على قد المقاس.. فالكراسي الكبيرة لأصحاب الكروش الكبيرة.. والكراسي الأخرى لمن كان في الصفوف الخلفية ...وكلها كراسي ..وللشعب المآسي..
وقال لمن حضروا تجمعاته التخديرية : يكفيكم شاي تشربونه ..وخبز تهضمونه بسرعة ..يكفيانكم عن زخرف الدنيا الزائلة ومتاعها الرخيص...ولكم "بندير" يطربكم وينسيكم مآسيكم في الليالي الطويلة. أما ترونني لا أطمع في مال ولا ربطة عنق ولا جلد شاة ولا حتى مخدة في صالون أو كأس ملون في مطبخي الذي سأبنيه يوما ما ..؟؟
وصفق المصفقون ..وحرضوا من حضر في الحضرة كي يصفق حضوريا ..وطويلا ..
وقال للمهندسين يوما : إذا كنتم تحلمون بمناصب شغل هنا في المغرب فأنتم واهمون ..ليس عندي لكم مناصب ( هل كان يخال نفسه الدولة والكل في الكل في غمرة سكرات الكراسي والتلذذ بالمآسي ؟؟) ..هذه إفريقيا واسعة ..اذهبوا كي تعملوا في أحراشها وغاباتها وأوراشها..
وقال للموظفين المعذبين في الأرض بعدما مرر قوانين ظالمة ضدهم تصيبهم في مقتل : من كان منكم يطمع أن ترتفع أجرته في ولايتي اللاحقة فهو واهم ..لقد عرفتموني في الولاية السابقة ..حقدي عليكم أصيل ...وقراراتي دوما ماحقة ..ومع ذلك صفق المغيبون وأوهموه أنه البطل الذي لن يجود المغرب بمثله ..
تلك فقط ومضات من مسار ذاق فيه المواطن كل أصناف الأذى، ومورست عليه كل المضايقات في لقمة عيشه، ورأى المدرسة العمومية تنهار ، والصحة العمومية تدخل في غيبوبة ..والديون تتضاعف ..والمحروقات تحرق ..والمستقبل يظلم . ومع ذلك ، كان يسمع أصحاب الدعوة المزيفة يمارسون وعظهم، ويواصلون العزف على أوتار الدين لإقناع المواطنين كي يمدوهم بأصواتهم الانتخابية لكي يزداد الوضع سوءا .
لم يسمع المواطن خطابا سياسيا راشدا، ولم يسمع تحاليل مقنعة، ولم يسمع أرقاما تدله على حال الاقتصاد الوطني وعلى حال التنمية البشرية وعلى حال ومصير الأوراش الكبرى ..بل كانت المهاترات والمزايدات والمعارك الشعبوية الفارغة من كل مضمون . وحين توالت سلسلة الإخفاقات والكوارث ، كانت الشماعة الوهمية دائما هناك كي يُعلقوا عليها فشلهم وإخفاقهم في كل شيء تقريبا ...إلا نجاحا باهرا حققوه بجدارة ..وذلك نجاحهم في نشر أسباب اليأس والتشاؤم وفقدان الأمل .
الآن وقد تمخض الجبل وولد فأرا مطاردا ومهزوما ومهزوزا، هل يخرج الضحايا المصوتون من غيبوبتهم؟
فأما الجنة التي اشتاقت إليها الأنفس واشرأبت لها الأعناق وتغنى بها إكليروس الحضرة التغييبية فقد تحققت على الأرض . سيارات ألمانية ..و"فلل" على الشواطئ ..وشقق مفروشات وغير مؤجلة الديون ..وزيجات ..وتعويضات "ملهوطين" ( والعهدة على الدكتور عمر الشرقاوي الذي صك هذا الوصف المعبر ) لا يشبعون.. وفنادق خمس نجوم فما فوق ..ومرق لا يغيض ..وخارج الزمرة المحظوظة بقطرة واحدة لا يفيض . .لهم مرق ..وللمواطن أرق ...فبأي آلاء الزعماء تكذبون أيها الناقمون ؟
الصورة واضحة ، وهي أشهر من نار على علم كما يقول العرب . فأما الدعوة فكانت وسيلة لدخول مضمار السياسة. وحين آن أوان ممارسة السياسة وجد القوم أنفسهم غير قادرين وغير راغبين أصلا في تنزيل شعاراتهم. فالشعارات كانت لإغراء الناخبين وخاصة من كانوا أصلا ضحايا خطاب ديني مصطنع وخطاب شعبوي يراد به العبور إلى مواقع القرار.
والآن وقد انتهت الحكاية السمجة ، عرف الجميع أن الصراع كان بين الكبار من أجل "مرق" يخطف الأبصار . ففي وقت يجمع المحظوظون بين ثلاث تعويضات سمينة أو أكثر ، ناهيك عن الامتيازات والحظوة والريع المقنن ، وجد المنافسون أنفسهم محرومين من الكعكة التي كانوا ينتظرون نصيبهم منها في الولاية الثالثة والرابعة تحت سقف السماء السابعة .وطبعا كي تستمر اللعبة فلا بد من افتعال النضال ورفع الأصوات ومواصلة لعبة الخداع التي تنطلي على من رضوا أن يشكلوا حطبا يحترق ، وجدارا خلفيا يتلقى الصدمات والكدمات... واللعنات أيضا.
الحكاية منتهية ..وأطباق المرق تفضح من تسلقوا ليلا وسرقوا حلم شباب نادى بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية..
ألا إن جنتهم وهم ..وخطابهم وهم ...وقد تحطمت وتبخرت كل الأوهام.