جرادة: المجتمع المغربي يدخل في أزمة المراهقة
جواد مبروكي
عندما أحاول أن أحلل نفسانيا ما يقع في الذات المغربية من تطور خلال هذه الشهور الأخيرة تتوالى فيها الأزمات الواحدة بعد الأخرى، أرى وكأن المجتمع يمر عبر أزمة المراهقة يرفع صوته ويريد الاعتراف بوجوده وباستقلاليته وبقدرته على تسيير حياته واتخاذ القرارات التي تهم "شخصيته" ويفرض هويته وكيانه. وبطبيعة الحال أزمة المراهقة لا تخلو من الاصطدام بين السلطة الأبوية وبين استقلالية المراهق .
المراهقة ليست انفلاتا سلوكيا ولا بثورة ضد السلطة الأبوية ولكنها مرحلة انتقالية بسبب نضج الطفل واستعداده للمرور إلى عالم الراشدين المسئولين على أنفسهم وعلى مجتمعهم. وبما أن السلطة الأبوية في مجتمعنا "ديكتاتورية" وتريد دائما السيطرة على الطفل وقمعه وإهانته وشتمه وتعنيفه معنويا وجسديا وحرمانه من المشاركة في أمور العائلة والبيت وعدم المشاورة معه واعتباره إنسانا ناقصا غير مسئول ولا يعرف شيئا، فلا يرى المراهق حلا آخر من غير الانتفاض ورفع الصوت وتحدي السلطة الأبوية.
فلو أعدّ الآباء أنفسهم لمرافقة المراهق وأعدوا أرضية الحوار واعتبروا الطفل شخصا وإنسانا كاملا وعلموا أن له قدرات تفوق تخيلاتهم ولعبوا دورهم في مرافقة ومساعدة الطفل وتشجيعه على استخراج قدراته المكنونة بداخله واعتباره عضوا أساسيا في الوسط العائلي وتَمَّ معه التشاور معه في جميع أموره وأمور البيت (حسب سنه)، فلن يواجهوا صعوبات ضخمة في مرحلة المراهقة. بل لو كان هذا التحضير لتجاوزوا جميعا هذه الأزمة في جو المشاورة والوحدة والاحترام التام مع تفادي الاصطدام والنزاعات والثورات والأزمات السلبية. ولا ننسى عامل الحب المشترك لصالح العائلة والذي يجب صيانته والتعبير عنه لأنه ينعكس ايجابيا في العلاقات المعنوية والروحانية والنفسية والمادية والعملية.
في غياب هذا التحضير والاستمرار على التمسك بالتربية التقليدية المنطبقة على معادلة "الحاكم/المحكوم" في الوسط العائلي والمدرسي، وعند بلوغ الطفل سن المراهقة يضجر ولا يطيق هذا الظلم والاستبداد السلطوي الأبوي ويشعر بالحكرة ويعبر عن معاناته وآلامه بطرق مختلفة وعنيفة.
اَنْظُرُ إلى المجتمع المغربي كشخص واحد وجسد واحد وذات واحدة، وعندما أشاهد التغيير الذي طرأ على سلوكه منذ سنوات قليلة مضت وبالخصوص في هذه الشهور الأخيرة، أشاهد فيه نفس سلوك المراهق بحيث يعبر عن نفسه بأساليب غير مألوفة وبطرق جديدة وهذا يذكرني بما يردده كل الآباء وهم في هلع من التغيير المفاجئ لسلوك المراهق "بْحالْ لَهْزِّتِي بْنْتْ وْ حْطِّتِي بْنْتْ وْحْدَة اخْرى، مَبْقاتْشْ كَتْخافْ مْنّا وْلا كَتْحْتَرْمْنا" !
لما شاهدت على هسبريس يوم الأربعاء الماضي شريط فيديو تشتكي فيه طفلة من أوضاعها الصعبة على الميكرو وهي تصرخ أمام حشود الجماهير المتظاهرة بجرادة، قلت في نفسي "هذا أمر غير مألوف وجديد في سلوك الذات المغربية". وذكرني هذا بمشاهدة مراهق في أزمته يدافع عن نفسه بصوت عال وبدموع الألم وهو مضطرب وكل أعضاء جسمه مضطربة وكل عضو فيه يثور ويعبر عن قلقه وخوفه. صوت هذه الطفلة هو كذلك عضو من أعضاء الذات للمجتمع المغربي.
لا يجب إن ننظر إلى أزمة المراهقة بالخوف والقلق وبأنها ثورة ضد السلطة الأبوية، لسنا في حرب مع المراهق ومن يجب أن ينتصر على الآخر، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه الآباء. يجب أن ننظر إلى هذه الأزمة بشكل ايجابي لأن الأزمة في حد ذاتها ايجابية وتسمح لنا بالانتقال من مرحلة إلى أخرى أفضل من الأولى، وهي مرحلة انتقالية. أزمة المراهق تسمح لنا أن نعيد النظر في ديناميات علاقاتنا وتغييرها إلى عملية تشاركية لأن كل فرد منا يسعى إلى راحة وسعادة ورفاهية وسلامة العائلة وكل أفرادها. الهدف واحد ومشترك ويجب تحويل العلاقات من معادلة "حاكم/محكوم" إلى معادلة "مسئول/مسئول".
نرى جميعا كيف تنتهي بعض أزمات المراهقة (الإدمان، الدعارة، السجن، الانتحار....) عندما يرفض بعض الآباء المشاورة واستعمال معادلة "مسئول/مسئول" ويكون ردهم دائما "إوا هِيَ لِغَدِي تْغْلبْ إِلَ دْرْنَلْهَا خاطْرْها" وكأنهم في حرب مع أبنائهم المراهقين!
المشاورة بين جميع الأفراد كبارا وصغارا، تبقى هي السبيل الوحيد للبحث جميعا عن سبل التعايش والاحترام والتبادل والمسؤولية الفردية والحس للانتماء إلى المجتمع (العائلة) والمساواة في الحقوق والفرص في جميع الميادين وبالخصوص التعليم والصحة، والقضاء على الفقر القاتل والثراء الفاحش.