"الملكية البرلمانية: الراسينغ البيضاوي نموذجا!"

"الملكية البرلمانية: الراسينغ البيضاوي نموذجا!"

مولاي الشريف طاهيري

 

تفاجأ متتبعو الكرة الوطنية مطلع الموسم الكروي الحالي بقيادة المدرب يوسف روسي لفريق الراسينغ البيضاوي "الراك", بعد ما ارتبط الفريق، و على مدى أربعة عقود، ارتباطا عضويا، بشخص عبد الحق رزق الله الملقب ب "ماندوزا". الرجل الذي شغل في آن منصبي رئيس و مدرب الفريق بالإضافة لكونه ممولا له.

 

عُرف السيد ماندوزا بإشرافه التنفيذي الكلي في كل كبيرة و صغيرة بالنادي، حتى بات ينعت في الوسط الكروي ب "مول الراك"!

 

الاشارة هنا لمعضلة الاستفراد بالقرار و الإشراف التنفيذي الكلي في حالة الراك هي فقط على سبيل المثال لا الحصر، بحكم ان الظاهرة هي بالأساس إجتماعية عابرة للمجالات و المواقع. وهذا بالضبط ما يجعل نعت "مول الراك" المصاحَب ببعض التفكُّه جائز التوظيف في مجالات كثيرة قد تفرز نعوتا على نفس المنوال، من قبيل "مول النقابة" و "مول الحزب" و حتى "مول الدولة".

 

سنوات بعد ارسائه لأركان الملكية التنفيذية، اصطدم الملك الراحل الحسن الثاني برفض نواب اتحاديين تمديده للولاية التشريعية ،عبر إستفتاء شعبي، مطلع ثمانينيات القرن الماضي. قرر النواب الاتحاديون في ما يشبه لعبة مصارعة الذراعين، رفض مقترح الحسن الثاني عبر مراسلتهم لرئيس مجلس النواب لتأكيد مغادرة البرلمان اعتبارا منهم أن مدة انتدابهم إنتهت.

 

لم يسعف النص الدستوري الحسن الثاني لمعاقبة النواب المعنيين لكنه قرر ذلك بناء على صفته أميرا للمؤمنين. حيث جاء في خطابه لإفتتاح دورة أكتوبر 1981 ما يلي: "إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر فأمير المؤمنين و ذلك بموجب الكتاب و السنة عليه أن ينظر في ذلك". بمعنى أن مالم تطله رئاسة الدولة أدركته إمارة المؤمنين في تجسيد حرفي واضح للمقولة المنسوبة للويس الرابع عشر "أنا الدولة و الدولة أنا!".

 

منطق الحسن الثاني في الواقعة السالف ذكرها كان شبيها بمنطق ماندوزا الهادف للبقاء في دكة طاقم فريقه بعد تعرضه للطرد في إحدى مباريات الراك. تقول الرواية أنه بعد تلقي ماندوزا ورقة حمراء في اللقاء، عاد دقائق بعد طرده الى دكة الاحتياط، ليتوجه الحكم نحوه لمطالبته بمغادرة الملعب، و ما كان لماندوزا إلا أن ينطق عبارته الشهيرة "هاداك لي طردتيه رآه ماندوزا المدرب، و هذا لي معاك دابا رآه ماندوزا رئيس الفريق!".

 

نادرا ما نصادف في كرة القدم حالة الجمع بين مهمتي رئاسة و تدريب فريق في ذات واحدة كما كان الشأن في فريق الراسينغ البيضاوي، لكن في عالم السياسة كثيرة هي حالات مراكمة المهام و الصفات حتى في ظل التنافي القانوني أو الأخلاقي على الأقل.

 

كمثال على ذلك ما ألفه بنكيران و هو رئيس للحكومة من ارتداء لجُبّة النقابي كل فاتح ماي و خروجه في مسيرات الاتحاد الوطني للشغل رغم كون المنطق البسيط يفيد أن خروج النقابة هو بالضرورة للتنديد بتجاوز أو تقصير ما من الحكومة في حق الشغيلة. مفعول مشاركة رئيس الحكومة جعل المسيرات تتحول بقدرة قادر إلى تأييد بدل تنديد، حتى أن حناجر النقابيين صدحت ذات مسيرة على مسمع بنكيران: "كلنا فدا فدا للحكومة الصامدة!".

 

ظاهرة أخرى شكلت و لا تزال موضوع انتقاد واسع من طرف النخب المدنية و السياسية وهي السماح للعديد من للمسؤولين بترأس جماعات و مجالس و غرف مهنية و في ذات الوقت الظفر بتمثيلية نيابية في البرلمان، ما يفتح الباب أمام شراء ذمم المستشارين الجماعيين و إستغلال للنفوذ و المال مع كل استحقاق انتخابي، إضافة لتمييع مفهوم ربط القرار بالمحاسبة.

 

ربط القرار بالمحاسبة و فصل السلط هو بالضبط ما لم يتحقق بعد بمؤسسات نقابية و حزبية و هو ما أنتج حفنة من المعمرين النقابيين و الحزبيين الجاثمين على مواقع و مراكز إتخاذ القرار و ما يعقب ذلك من إقصاء ممنهج للشباب و النساء و تقويض لفرص تجديد الدماء لمسايرة العصر. في مقابل ذلك يعرف الراسينغ البيضاوي زخما و تحولا جذريا تاريخيا من شأنه إعادة الفريق لسابق توهجه رغم تعثرات النصف الأول من البطولة.

 

التشابه الكبير بين ملاعب كرة القدم و اللعبة السياسية يجعل أملنا اليوم كبيرا بما تحقق ببيت الراسينغ البيضاوي حتى يكون أرضية تبنى عليها أسس الملكية البرلمانية.

 

فهنيئا للراك ،المحتفى به قبل أشهر بالذكرى المئوية لتأسيسه، و هنيئا للسيد ماندوزا الذي أعلن توبته من إثم شمولية تدبير الفريق بتأسيسه لفصل حقيقي للسلط داخل الراسينغ البيضاوي عندما قرر أخيرا أن يسير و لا يدرب، على أمل انتقال عدوى الراك نحو الملاعب السياسية لإنتاج نخب قادرة على الدفع نحو مغرب يسود فيه الملك و لا يحكم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة