عندما يبكي الرجال فاعلم ان شعور الحكرة فاق الجبال

عندما يبكي الرجال فاعلم ان شعور الحكرة فاق الجبال

عبد السلام أقصو

 

لقد سبق لمحمود درويش أن ذكر مقولة جميلة يقول فيها متسائلا، ترانا هل نحتاج إلى وطن جديد (..) ام تراه وطننا من يحتاج إلى شعب جديد ، هو إذن السؤال الذي يجب ان نطرحه دائما وابدا ، و نستقي من واقعنا المرير إجابات ، تتباين مضامينها و تجلياتها يبقى الاساس منها اننا حقا كتبت لنا الغربة و الضياع ، في وطن لا يعترف سوى بالأقوى اصحاب النفوذ و النقود .

 

لقد تابعت و باهتمام كبير ، مقطع الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم ، لشاب من مدينة إفران تعرض لحجز عربته التي يشتغل بواسطتها في تقديم الوجبات السريعة على جبل ميشليفن ، مقطع مؤثر يعزز فرضية ما جاءت به السطور الاولى من التوطئة. إن هذه الاخيرة ليست لشد الانتباه او تبرير فشل او للتذمر ، بقدر ما هي واقع علينا ان نتعامل معه اجتماعيا و ثقافيا و اخلاقيا ، اكثر من مقاربته مقاربة قانونية سلطوية محضة، ومنه يمكن استخلاص العديد من العبر دعما للمجهودات المبذول وليس هدما للمكتسبات .

 

اشرت في العديد من المحطات إلى القيمة والخصوصية البيئية التي تحضا بها إفران كمدينة مغربية جميلة ، يميزها التنوع الإيكولوجي ، وطبيعة خلابة تغري والزائرين ، و تمني انفسا بزيارتها و الاستمتاع بأجوائها . خصوصا تعاقب الفصول الذي يضفي عليها

 

تنوعا و حركية اقتصادية موسمية (...) تساهم في استمرار نبض الحياة بها و تخفف من ضنك العيش على اسرها .

 

من الخصوصيات التي تميز إفران كونها المدينة الاولى مغاربيا من حيث انخفاض درجات الحرارة بمعدل -24 درجة تليها باتنة بالجزائر بمعدل -20 درجة . كما ان من خصائص المنطقة تعاقب الاربعة فصول و يميز إفران في الفترة الشتوية التساقطات الثلجية التي تغطي جبالها و التي تساهم في تدفق العديد من الزوار مما يساهم إلى حد كبير في ظهور انشطة اقتصادية موسمية تظهر و تختفي . ومن ضمن هذه الانشطة إزاحة الثلوج و فتح الطريق امام السيارات ومساعدتها على الإقلاع بمقابل مادي . من الأنشطة كذلك كراء الاحدية البلاستيكية للزوار الراغبين في التجوال بالمدينة دون تبلل اقدامهم و بالتالي برودتها . هذا بالإضافة إلى كراء ادوات التزحلق خصوصا بمحطة التزحلق ميشليفن . ونظرا لبعد محطة ميشليفن عن المدينة تنشط تجارة الوجبات الخفيفة يديرها أفراد من جماعة تيمحضيت وجماعة إفران .

 

منطقة ميشليفن التي تعد منطلق شرارة الاستنكار المغربي لدموع الرجل ، هي منطقة تدخل في المجال الغابوي للمندوبية السامية للمياه و الغابات ، احتلها مؤقتا باتفاقية بين المندوبية السامية و المجلس الإقليمي ، دخل فيها فيما بعد المجلس الجماعي بإفران باتفاقية . يقول احد المصادر انها اتفاقية لم يتم تجديدها ، منطقة تعرف صراعا قبليا في حق الاستغلال تصل في بعض الحالات إلى التراشق بالحجارة . هذه المنطقة التي تعرف بزحمة ورواج تجاري في فترة الثلج ، يحتلها مؤقتا و موسميا الباعة المتجولون من اصحاب الاكلات الجاهزة و مكتري ادوات التزحلق و الاحدية البلاستكية و باعة المواد الغذائية ، يعيل بها البعض مصاريفه اليومية خصوصا ان فترة البرد تمر على اخر سنتيم في جيب المواطن المحلي

 

إن الغبن (الحكرة) التي تعرض لها الشاب ، كانت "استثناء" كما سبق و اشرت نقطة افاضت الكأس ، اما "الأصل" فموضوع حكرة الشباب دائم وقديم، سبق وان دونت في ذلك الباب مقالا بعنوان (شباب إفران في حيرة و حكرة)، لقد كان الراحل الحسن الثاني عاشق إفران المدينة ، أبا حنونا لساكنتها حيث روي عنه مقولته لن يعيش في إفران سوى ساكنتها لكونه يعلم الطقس المحلي ، فاختار لها مشروعين كان اولها فندق ميشليفن و الثاني جامعة الأخوين من اجل ضمان الاستقرار الاقتصادي للساكنة ، وبعد تضاعف حجم السكان جاء الملك محمد السادس بمشروع ثالث للتخفيف من حدة البطالة في مشروع بلادي الذي دشنه بنفسه لخلق فرص للشباب . إلا ان الشباب لم يستفذ من اي مبادرة من هاته المبادرات و كان مصيره الوحيد البطالة .

 

ان الورش الكبير الذي فتحه الملك محمد السادس من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي يهدف إلى تقوية قدرات الشباب ، صار يستثمر في الحجر لا في البشر ولم يحض الشباب المحلي بأي فرصة تحتضنه و تواكبه منبوذين في هذه الارض . وخلال سنوات تتبعنا للشأن المحلي و الوطني اتحدى أي كان فتح ملف التشغيل و دعم قدرات الشباب بإفران المدينة و بالإقليم عموما.

 

إن الحل الامثل خلق البديل الاقتصادي للشباب ، وهو محور التحول الذي من شأنه ان يعيد الثقة ، في الإدارة المحلية التي لا تغادر كلمة مرحبا سجاد باب الاستقبال ، بفتح باب التواصل مع الشباب ، لمعرفة حاجياته و انشغالاته و متطلباته ، وبالتالي محاولة إيجاد حلول عملية لمشكل البطالة المتفشي بكثر في صفوف الشباب و الشابات. وارى ان باب التواصل مغلق في وجه الجميع حيث لا يعقل ان إفران تشكل الاستثناء في المغرب من حيث إعطاء إشعار بالتوصل على الوثائق المودعة بعمالة إفران ، حيث لا إثبات بالتماطل لأي شخص يطالب بحقه فيما بعد. كما أنه لا شفافية فيما يتعلق بتدبير الصفقات العمومية ، ولا غرابة في ان تجد بإفران مهندس مقاول عاطل عن العمل لم تتح له الفرصة محليا .

 

ان ارض افران مليئة بالشباب حاملي الإجازة ، والتقنيين و التقنيين المتخصصين ، حاملي الشواهد المعطلين ، لما لا يتم إدماج بعض من هؤلاء الشباب في اسلاك الوظيفة العمومية ، لماذا لم تحاول السلطات العمومية خلق اسواق نموذجية يستفيد منها الشباب ، حتى بائعات الخبز لماذا لم تلتزم السلطات العمومية بأدنى حدس مسؤولية في وضع طاولات واقية من البرد مؤقتة باسم المبادرة لهن . لماذا تم وقف توزيع الأكشاك محليا ؟؟.

 

ان السياسة العمومية في مجال التشغيل محليا سياسة قريبة إلى الفشل احتراما لمشاعر الشرفاء ، يغيب فيها تصور واضح يجعل من الاستقرار بالمدينة امر صعبا ، يحتم على الشباب القبول بأمر الواقع او المغادرة و هذا هو الاساس الذي يرضي العاملين على التدبير محليا .

 

لقد كانت ملتمساتنا فتح نقاشات جدية تسهم فيها كل الاطراف ، و بالتالي الإبانة عن حسن النية في إيجاد حلول عملية للشباب ، تقيهم جحيم البطالة و القهر ، فإفران المدينة محدودة الإمكانات و الوسائل و محدودة الفرص . تعتمد بالأساس على السياحة . فالاستثمار من هذا النوع ورقة رابحة للسلطات العمومية و لجميع الشباب . فلا تقل يا صاحب السعادة : انا لا املك شيئا لأعطيه لكم غير الدعاء لكم عند توديعكم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات