كيف تصبح كاتباً؟

كيف تصبح كاتباً؟

عبد الفتاح عالمي

 

هذا هو السؤال الذي يطرح بكثرة في أوساط الشباب الذين يحبّون التعبير عن أنفسهم ولا يجدون أنهم قادرون على ذلك، الأسباب كثيرة، وكلّ منا لديه اهتماماته الخاصة، وللرد عليهم، حاولت أن أكتب مراراً مقالا بعنوان "كيف تصبح كاتباً؟" لكني أخشى تحمّل مسؤولية لست بقدرها، أوّلا لأنه لا توجد وصفات سحرية لتصبح كاتباً (كان عمري خمس عشرة سنة حين دخلت موقع "غوغل" أبحث عن "كيف تصبح عبقرياً بسرعة" وقضيت أياما أقرأ كتب العبقرية حتى وقع بين يديّ كتاب عنوانه "كلّنا أينشتاين" وفهمت بعده أنني أبحث عن إبرة في كومة قشّ... ولن أخبركم أيضاً أنني عملت بنصيحة وجدتها في موقع إلكتروني وبدأت أكتب مرات متتالية كل يوم في ورقة بيضاء "أنا عبقري. أنا عبقري. أنا عبقري.." كنوع من البرمجة اللغوية العصبية للدماغ، وهذا دليل على رغبتي القوية آنذاك بأن أتخلص من جهلي الفكري بأية طريقة)، رويت هذا حتى أقول إنني أفهم تماماً هؤلاء الذين يطرحون سؤالاً مشابها ويبحثون عن جواب سهل للغاية، كوصفة إعداد طبخة معينة توصلهم لما يريدونه، وهذه الثقافة نشرتها تلك الكتب التي تحمل عناوين مغرية -لكنها فارغة- نسوق هنا كمثال افتراضي "تعلم التواصل في ستة أيام"..

لا توجد وصفة سحرية كأن تكتب كلّ يوم في ورقة "أنا كاتب.. أنا كاتب.."، لأن الكتابة نمط حياة.. تتعود على الكتابة كلّ يوم حتى تجد أن الآخرين بدؤوا يطلقون عليك وصف "الكاتب" رغم أنك لا تشعر بأنك تفعل شيئاً يستلزم ذلك. أنت تعيش كما تريد وحسب، كما تأكل وتشرب وتلبس أنت تكتب. لذلك الكتابة تُكتسب تقنياتها مع الزّمن. تجد ذاتك عبر القراءة اليومية أيضاً.. إذ لا يمكن الكتابة انطلاقا من الفراغ. جرّبت ذلك قبل سنوات ولن أخبركم ماذا كانت النتيجة! كنت أكتب عصيدة حين كنت أظنني أكتب قصيدة! وكنت أكتب تفاهة حين كنت أظنني أكتب مقالة..

وجدت أنني أضيع الوقت في كتابة أشياء لا معنى لها ولا قيمة مضافة، وكنت أشعر بالعجز جراء ذلك.. لذلك توقفت.. وبدأت أقرأ.. أغلقت باب غرفتي وملأت حاسوبي كُتباً وروايات بوليسية وفكرية وأدبية وفلسفية وبدأت أقرأ رغم أني لا أفهم كل شيء.. أدوّن العبارات الجميلة وأجمع المقولات وأبحث عن معاني الكلمات.. حتى أدمنت ذلك..

 

أسهل جواب على "كيف تصبح كاتباً؟" هو:أكتب.. أكتب.. أكتب في كلّ مكان.. لا تتوقف عن الكتابة.. أكتب في الإنترنت في دفاترك في أوراقك فوق طاولتك، على الجدران (الافتراضيةطبعاً) في كلّ مكان. من يدمنون الكتابة الآن سيفهمونني جيداً..
لا توجد طريقة لتصبح كاتباً.. ولا جدوى من طرح سؤال مشابه. كلّ ما عليك فعله هو البدء في القراءة، والكتابة، دون توقف، كالشّلال المنهمر، دع حبرك يسبح في الورق وحسب، لا تفكر فيما ستكتبه، أكتب كل ما يخطر ببالك ولا تهتم لآراء الآخرين، مع مرور الوقت ستجد أنك أصبحت كاتباً دون أن تريد أنت ذلك.

 

لا توجد مدرسة تعلم الكتابة كما يعلمون الهندسة والطب والتدريس.. الكتابة موهبة يمكن أن يحظى بها المنهدس والمبرمج والمدرس ورجل الاقتصاد والموظف.. فقط لأن أدواتها بسيطة جدا: قلم، ورقة، أو حاسوب، ولا يجب إهمال الأهم : عقل وضمير..

تقول كوليت الخوري :لم أكن أحب الصراخ بحنجرتي، فصرخت على الورق وأصبحت كاتبة..

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة