إشكاليات التقويم في مادة التربية الإسلامية: السنة الأولى بكالوريا، أكاديمية البيضاء نموذجا
محمد ارتمي
" قل لي كيف تقوم، أقول لك كيف تدرس.. لأن التقويم هو البرنامج الحقيقي"
يثير نظام التقويم في مادة التربية الإسلامية عند نهاية كل موسم دراسي، وبمختلف الجهات، مجموعة من التساؤلات والإشكالات النظرية والعملية، لعل من أبرز مظاهرها التوتر الذي يحصل بين الأساتذة والتلاميذ وأوليائهم من جهة، وبين لجن الاختبارات الجهوية من جهة أخرى. فما هي أسباب ذلك؟ وما نتائجه الوخيمة؟ وكيف الخروج من هذا المأزق؟
من نافلة القول، وتوطئة لهذه المساهمة المتواضعة، يمكن الإشارة إلى أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، أصدرت الوثائق الرسمية لتوجيه وإرشاد وتأطير الاختبارات الجهوية والوطنية، وفي خضمها حددت الكفايات العامة المتوقع تحقيقها: وهي كفايات تروم تمكين المتعلم والمتعلمة من معرفة الذات، والتزود بأدوات التواصل المختلفة، وتمهيرهما من خلال توظيفها ليرقيا في مراتب التكوين بنفسيهما. ولتحقيق هذه المرامي، تم تحديد كفاية نهاية السنة الأولى بكالوريا فيما يلي: " أن يكون المتعلم والمتعلمة قادرين على حل وضعية مشكلة مركبة ودالة، بتوظيف معارفهما..." لكن التصريف العملي لهذه التوجيهات، يكاد ينعدم نهائيا في أغلب الاختبارات الجهوية.
وبنظرة استقرائية في مبناها ومعناها، نتوصل إلى أن أغلبها ظل عاجزا عن تحقيق ضوابط التقويم، ومن تجليات ذلك أنها بقيت وفية للبيداغوجية التقليدية، التي تركز على الكم بدل الكيف، وعلى تذكر المعارف عوض توظيفها. وبهذا تكون قد أخطأت الهدف وظلت غير قادرة على صياغة وضعيات تقويمية، تتوفر فيها الشروط البيداغوجية المطلوبة، بحيث تتضمن مشكلة مركبة ودالة أي ذات معنى، ولها علاقة بواقع المتعلمين، تسمح لهم بتوظيف معارفهم ومكتسباتهم، وتمكنهم من إعادة إنتاج وتوظيف القيم الإسلامية، التي ينص عليها منهاج المادة وتساعدهم على التصالح مع الذات والغير، وتمكنهم من اتخاذ المواقف واختيار الاتجاهات التي تجعلهم يعيشون في قلب عصرهم، وبالتالي تسمح بتقويم عادل ومتكافئ، خال من الاضطراب والتوجس.
إن الفصل بين الجانب النظري والعملي في التقويم، جعل عمل اللجن المكلفة بالتقويم يشبه إلى حد بعيد عمل المشتغل ببناء المنازل دون التوفر على تصاميم، فجاء بناؤه متسما بالعشوائية، مماجعل المتعلمين يعبرون عنه بصعوبة الامتحان، والحال أنه وضع خارج سياق التقويم البيداغوجي المسترشد علميا وعمليا بمفاهيم البيداغوجيا الحديثة.
وكنموذج لهذا النوع من التقويم غير المسترشد: الاختبار الجهوي بأكاديمية الدار البيضاء- سطات، دورة يونيو 2018، الذي يمكن أن نبدي حوله الملاحظات التالية:
1- غياب وضعية مشكلة مركبة ودالة، وتم الاكتفاء بنص عنون بالسياق، والذي يحتمل أنه أخذ من أحد كتب التفسير بالرأي لسورة يوسف عليه السلام، وينعدم فيه حضور المداخل الخمسة ما عدا ما أقحم تصنعا وتعسفا في المهام (الأسئلة).
2- عدم وجود أسئلة الفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والاستنتاج وتقويم وتعديل السلوك. إذ تم الاقتصار على أسئلة متناثرة، تعوزها الوحدة الموضوعية، ويغلب عليها طابع التذكر والمعرفة والتكرار، كتعريف الحياء والاستحقاق، كما طلب تعريف التشاور والتفاوض بطريقة غير مباشرة. وهذا يتنافى مع الإطار المرجعي المحدد للمفاهيم الواجب تعريفها.
3- سؤال التمييز 6 –ب- غير دقيق، لأن التمييز يكون بين الأشياء المتشابهة، لجعل المتعلم يميز بينها وليس بين المفاهيم المختلفة المعنى.
4- الارتباك في وضع الأسئلة وعدم ترتيبها، وكان من الواجب الانتقال بالمتعلم من البسيط إلى المعقد، كما تنص على ذلك مبادئ التقويم في علم النفس الفارقي.
5- عديد الأسئلة اكتنفها اللبس والغموض، ومثال ذلك: أحدد موقفي مما يأتي مع التعليل. فهل المطلوب تحديد الموقف من التدخل أم من مضمون التدخل؟ وكان يفترض طرح أسئلة في اتخاذ المواقف من التحديات، التي يعيشها المتعلم في واقعه، كالغش في الامتحانات والاعتداء على حقوق الغير وحقوق النفس وعدم التحلي بالاستقامة، عوض الدخول بالمتعلم في متاهات مفاهيم العقائد والاستدلال بالمنطق والبرهان العلمي.
6- الخلط وعدم وضوح الرؤية بين مدخل التزكية (سورة يوسف)، وبين المداخل الخمسة. فالهدف من تدريس السورة هو الاقتداء بالنبي يوسف عليه السلام في التربية على قيم العفة والأمانة والاستقامة والعفو والتسامح... وليس منهجه في الدعوة بالبرهان والمنطق. فهذه المفاهيم أقحمت تعسفا لملء الفراغ البيداغوجي، نظرا لعدم القدرة على إنتاج وضعية حقيقية (انظر السؤال الخامس).
7- غياب تحقيق مقاصد التربية الإسلامية المتمثلة في: المقصد الوجودي- المقصد الكوني- المقصد الحقوقي- المقصد الجودي، كما ينص على ذلك المنهاج.
8- غياب الأهداف العامة المنصوص عليها في الإطار المرجعي
9- كثرة النصوص بين ما سمته اللجنة بالسياق والأسناد، الشيء الذي يرهق التلميذ في قراءتها، فما بالك بفهمها والربط بينها؟ والملاحظ أن الفصل بين السياق والأسناد لا أصل بيداغوجي له. في حين أن مصطلح الوضعية هو الأصح. إذ تتكون من السند أو الحامل الذي يتضمن السياق والوظيفة والمهام المطلوب إنجازها. ولتصحيح هذه المسألة يتعين الرجوع إلى الأصول والمصادر والمراجع، التي نظرت لبيداغوجيا التدريس بالكفايات.
فماهي أسباب هذا الفراغ البيداغوجي والمنهجي؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في طرح الفرضيات التالية: قيام لجن التقويم بقراءة الوثائق المؤطرة للتقويم دون فهمها، أو قراءتها واستيعابها دون تطبيقها، أو عدم قراءتها وفهمها وإخضاع التقويم للانطباعات والأهواء الذاتية، وإفراغه من مراميه ومعناه وإحداث الخلل في مبناه، لتكون النتيجة على الشكل الآتي: فقدان المدرس الثقة في التقويم، وهذا يفتح المجال أمامه للتدريس تبعا لمنهجية التقويم. فقدان المتعلم الثقة في التدريس والتقويم والمدرس، وهذا يفتح المجال أمامه للبحث عن روافد أخرى غير مؤطرة، لإشباع حاجاته في التدين والتشبع بالقيم، وبالتالي تصبح المادة أداة للهدم وليس للبناء والتأطير الممنهج.
وعلى هامش الملاحظات الموجزة أعلاه، ولإنقاذ المادة من الارتجال وعدم التخطيط والضبط، خاصة في مجال التقويم الذي يعكس الصورة الحقيقية للتدريس، فإننا ندعو الوزارة الوصية ومعها كل الغيورين على الشأن التعليمي، إلى ضرورة التدخل لإنهاء حالة الاحتقان وضمان الأمن التربوي، من خلال الحرص على تحقيق ما يلي: - تطبيق التوجيهات الرسمية المؤطرة للمادة تدريسا
وتقويما. - إعادة تكوين لجن وضع الاختبار على الصعيد الوطني، لتعميق التكوين والتحسيس بأهمية التكوين البيداغوجي. - عدم الفصل بين العلوم الشرعية في التخصص والعلوم البيداغوجية، وخلق توازن بينهما حتى لا يطغى جانب التخصص على الجانب المنهجي البيداغوجي، مما قد يؤدي إلى انزلاقات غير محسوبة العواقب، وتغذية الاحتقان بين أطراف العملية التعليمية- التعلمية، من خلال التعاقدات البيداغوجية.
وبهذا يمكن تحصين المادة وحمايتها من الارتجالية تدريسا وتقويما، عبر توحيد الخطاب التربوي والديني المعتدل. وإعادة الحيوية للتقويم والثقة للمدرس في عمله، وللمقوم النزاهة والضبط في تقويمه. وإتاحة المتعلم فرص إبراز إبداعه وتوظيف تعلماته في الحياة المدرسية، ومن ثم تأهيله للحياة الاجتماعية، وبالتالي نضمن له الأمن النفسي قبل وأثناء الاختبارات وبعدها، وتحريره من الحيرة والاضطراب النفسي كلما حان موعد الامتحانات، فيكون بمقدوره الانطلاق نحو تحقيق الأهداف التربوية والوطنية، التي من شأنها تحقيق البعد التنموي الشامل، انسجاما مع روح الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015/2030)، التي تنص على وجوب مراعاة مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، لتكون ذات جدوى وجاذبية والارتقاء بالفرد والمجتمع، مدرسة للحي تؤمن التعلم مدى الحياة، وليست مدرسة في الحي بدون روح ولا حياة.
nordin
hfkgkjdhjk
Imtihant dyal lfrancais