إلى أين يسير القضاء المغربي بعد إصلاح منظومة العدالة؟

إلى أين يسير القضاء المغربي بعد إصلاح منظومة العدالة؟

منى القرباص

يمكن القول أن القضاء الإداري يقدم خدمات جليلة للوطن والمواطنين، وإن كان العديد منا يجهل هذه الخدمات لكونها لا تهتم بالقضاء الجنحي والجنائي بل تنصب على قضايا ذات صبغة اجتماعية محضة، والحقيقة أن ما يتعرض له القضاء الإداري من الأهمية بمكان.

 

فبعد الحرب العالمية الثانية شهدت علاقة الدولة بالفرد ظاهرة تتمثل في كون الإدارة أصبحت أكثر ارتباطا بالأفراد وأكتر احتكاكا بهم، بعدما تخلفت عن الدور التقليدي أو ما يعرف بالوظائف السيادية المتمثلة في الحفاظ على النظام العام.

 

كما نجد أن سلطات واختصاصات الإدارة قد توسعت في جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية، مما نجم عنه في الكثير من الأوقات التعسف في استعمالها في اتخاذ بعض القرارات سواء كانت هذه الأخيرة خاطئة أو لأسباب أخرى.

 

وفي مقابل سلطات الإدارة هناك حقوق للأفراد تقرها القوانين والتنظيمات، وأحيانا تتعرض هذه الحقوق للإنتهاك والخرق، وأمام هذه العلاقة الجدلية نشأ ما يسميه علم القانون الإداري بالمنازعات الإدارية التي تعتبر الرقابة القضائية أهم وسائله.

 

وبالنسبة للتنظيم القضائي المغربي، فبعد صدور قانون 90 ـ 41 في 3/11/1993 والذي دخلت أحكامه حيز التطبيق في 1/03/1994 (المادة 51) أصبح المغرب يتوفر على جهتين قضائيتين، الأولى جهة القضاء العادي يتكون من محاكم الجماعات والمقاطعات التي يحدد تنظيمها واختصاصها

 

بمقتضى ظهير بمثابة قانون إضافة إلى المحاكم الإبتدائية التي تعين مقراتها ودوائر نفوذها وعدد موظفيها بمرسوم، إضافة إلى المجلس الأعلى ومقره بالعاصمة.

 

والثانية جهة القضاء الإداري وهي تتكون من المحاكم الإدارية التي يحدد تنظيمها وتأليفها واختصاصها بقانون، أما مقراتها ودوائر اختصاصها فتحدد بمقتضى مرسوم إضافة إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، وهي تعتبر محكمة استئناف بالنسبة لأحكام المحاكم الإدارية.

 

وعموما، ففي ظل نظام وحدة القضاء ببلادنا لم يكن للدفع بعدم الإختصاص النوعي سوى وظيفة ثانوية أو احتياطية، ومع إحداث المحاكم الإدارية أصبح الدفع بعدم الإختصاص النوعي متبوء لموقع مركزي باعتباره وسيلة لازمة لتفعيل ضوابط توزيع الإختصاص بين المحاكم العادية والإدارية، فيما يعتبر منضويا تحت لواء إصلاح منظومة العدالة.

 

وعلى هذا الأساس، أين يتموقع القضاء الإداري المغربي في مجموعة الإصلاحات التي عرفتها منظومة العدالة؟

 

بناءا على ما سبق، سنقسم هذا المقال إلى محورين أساسيين، الأول نتناول فيه مظاهر إصلاح منظومة العدالة في شق القضاء الإداري، أما المحور الثاني فسنخصصه لاختصاصات المحاكم الإدارية على ضوء إصلاحات منظومة العدالة.

 

المحور الأول: مظاهر إصلاح منظومة العدالة في شق القضاء الإداري

 

لن تتحقق العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة في كل جزئياتها، ما لم تكن مصحوبة بالتزام أخلاقي رصين وضمير مهني حي ممن يعملون في الجهاز القضائي على اختلاف درجاتهم وتخصصاتهم.

 

ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا الموضوع، فإننا سنحاول فيما يلي بشكل موجز مقاربة بعض الآليات العملية والأدبية الكفيلة بتحقيق ذلك.

 

العنصر البشري كعامل لإصلاح العدالة:

 

إن ورش الإصلاح واسع ولا يمكن الوقوف عنده بالمجمل، ولذلك ارتأينا من خلال هذا المقال المقتضب المركز مناقشة أحد المواضيع المهمة التي أثارت الباحثين والمهتمين بالمجال، وركز عليها الخطاب الملكي السامي بمناسبة تنصيب اللجنة المكلفة بإعداد تصور حول إصلاح منظومة العدالة، ألا وهي العنصر البشري المؤهل ومدى ارتباطه بتطور القضاء الإداري بالمغرب.

 

فالعنصر البشري عنصر أساسي، بل جوهر العملية القضائية عامة، إذ له ارتباط وثيق وتأثير بالغ على الحياة المهنية، على اعتبار أن تأهيل الموارد البشرية رهينة بمجال اختصاصهم المعرفي والعلمي، ملائما في ذلك تطورات الحياة الإقتصادية والإجتماعية ببلادنا، أهمها التعديل الدستوري الأخير لفاتح يوليوز لسنة 2011.

 

وكون فكرة الموارد البشرية كمدخل للإصلاح منظومة العدالة، وخاصة مستقبل القضاء الإداري، جاء التقرير النهائي لإصلاح منظومة العدالة بالمغرب من خلال الهدف الرئيس الخامس "إنماء القدرات لمنظومة العدالة"، بتوصية مهمة ضمن الهدف الفرعي الثاني منه والمعنون بـ "الإرتقاء بمعايير وشروط ولوج وممارسة مهن منظومة العدالة"، تحت رقم 145: مراجعة مستوى المؤهل العلمي للمشاركة في مباريات ولوج سلك القضاة، مع الإنفتاح على مختلف التخصصات العلمية.

 

وعلى هذا الأساس، يشكل موقع القاضي الإداري بالمغرب أحد المرتكزات الأساسية والمكرسة للقضاء المتخصص (الفقرة الأولى من الفصل 127 من دستور المملكة لفاتح يوليوز 2011).

 

فالقاضي الإداري هو حامي الحقوق والحريات، وتتحكم في قيامه بهذا الدور الحيوي عوامل متعددة من بينها التكوين القانوني الذي تلقاه ومدى تأصل روح الإقدام المتزن لديه والحرية والإستقلال في الجهر بالحق من خلال دفاعه عن سيادة القانون، فهو يبتكر القاعدة القانونية التي تكون في كثير من الأحيان غير مقننة، إنه قاضي إنشائي يحاول على الرغم من اختلال ميزان القوة بين طرفي المنازعة الإدارية (وهما الإدارة كخصم قوي والفرد كطرف ضعيف)، أن يقيم توازنا دقيقا بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في إطار سياسة قضائية تتطلب من القاضي الإداري تكوينا قانونيا متينا متشبعا بقيم ومبادىء القانون العام واطلاعا على دواليب الإدارة التي يحكم عليها، في استقلال تام دون تعرضه لأية ضغوط مادية أو معنوية (الفصل 109 من دستور المملكة لفاتح يوليو 2011).

 

فالإدارة تقبل بصعوبة رقابة شخص غريب عنها، في حين أنها كلما كان القاضي الإداري معايشا للإدارة وملما بخباياها كلما توفرت لديه الخبرة والجرأة في التعامل مع المنازعة الإدارية، ومن ثم تكون الإدارة أكثر تقبلا لهذه الرقابة ما دام هذا القاضي بحكم تكوينه مناسب لها، فالرقابة الفعالة للإدارة تستلزم أن يكون القاضي الإداري متشبعا بقيم ومبادئ المرفق العمومي والإدارة بصفة عامة وعلى القانون المطبق بخصوصها، ذلك أن تعقيدات عمل المرافق العمومية يتطلب ليس فقط مهارات ومعارف قانونية ولكن أيضا كفاءة خاصة، وبتعبير آخر فالقاضي الإداري لا ينبغي أن يكون قاضيا محضا، بل عليه أن يجمع بين حنكة المسير الإداري وتبصر رجل القانون، وهذا لن يتأتى إلا بتكوين في القضاء الإداري يجمع ما بين المؤهلات القانونية والمعارف المرتبطة بعمل الإدارة بشكل عام.

 

وقصد توضيح أكثر لهذه النقطة المرتبطة بتكوين القضاة وخاصة القاضي الإداري الذي يهمنا في هذا المقام، نجد أن النظام الأساسي للقضاة المتمثل في ظهير 11 نونبر 1974 المعدل بالقانون 90-43 المقتضيات القانونية التي تضبط مهام القاضي ومسار حياته المهنية، بحيث يسري على قضاة المحاكم الإدارية، ومحاكم الإستئناف الإدارية نفس النظام القانوني الساري على باقي القضاة مع مراعاة بعض الخصوصيات.

 

حيث تنظم وزارة العدل والحريات سنويا مباراة الملحقين القضائيين التي تفتح في وجه حملة الإجازة في القانون الخاص أو الشريعة الإسلامية من جامعة القرويين..، مع مراعاة الشروط العامة للتوظيف من حيث الجنسية، التمتع بالحقوق الوطنية، المروءة، القدرة البدنية والسن الذي لا يقل عن 21

سنة، وهو الشرط الذي يترتب عنه ممارسة بعض القضاة لمهامهم وهم في سن 23 سنة فقط، وكان الأجدر هو رفع السن إلى 30 سنة مع اشتراط التجربة في الميدان القانوني والحصول على شهادة تفوق في الإجازة الأساسية.

 

ومن النقط الأساسية ما يتعلق بمدة التكوين، إذ نجد التقرير من خلال التوصية رقم 151: يقترح الرفع من مدة التكوين الأساسي للملحقين القضائيين بمعهد تكوين القضاة إلى ثلاث سنوات، وهو مقترح وجيه في اعتقادنا كون هده المدة سوف تكون مؤهلة لكتساب المهارات العلمية والعملية في مجال المنازعات الإدارية عوض السنتين المعمول بهما حاليا.

 

حيث يقضي المرشحون الناجحون تكوينا لمدة سنتين ينقسم إلى جانب نظري مدته خمسة أشهر بالمعهد الوطني للدراسات القضائية، فيتلقى المرشحون دروسا نظرية تهم بالأساس مواد القانون الخاص، ثم تدريب عملي لمدة عشرين شهرا بمحاكم المملكة، يليه تدريب آخر لمدة أربعة أشهر ما بين المؤسسات العمومية وشبه العمومية.

 

ويعين المرشحون الذين يحملون اسم الملحقين القضائيين - وهي الصفة التي يقترح التقرير تغييرها من خلال التوصية رقم 153 منه بإضفاء صفة قاضي نائب على المتخرج من معهد تكوين القضاة، خلال ممارسته لمهامه بالمحاكم لمدة سنتين - الناجحون في اختبار نهاية التخرج بواسطة ظهائر ملكية باقتراح من وزارة العدل والحريات، قضاة من الدرجة الثالثة.

 

لكن هل راعت هذه التوصيات المسلك التطوري الذي يسلكه القضاء الإداري؟

 

ملاحظات حول تكوين قضاة القانون الإداري:

 

وعلى الرغم من أهمية توصيات التقرير في مجال التكوين، إلا أنه مع ذلك يظل ناقصا، كونه لم يستند على الرؤية الجديدة والمستقبلية لتطور القضاء الإداري المغربي، وذلك بعد مرحلة النضج التي وصلت إليها المحاكم الإدارية مند إنشائها بمقتضى قانون رقم 90-41 والدخول في مرحلة البناء القضائي بموجب إحداث محاكم الإستئناف الإدارية بمقتضى قانون رقم 03-80 على غرار ما معمول به في الأنظمة القضائية المقارنة خاصة فرنسا ومصر.

 

ومما له دلالته في هذا الصدد، كون الإختصاص الذي يمارسه القاضي الإداري ينحصر في البت في المنازعات، وهو في نظرنا تقييد لدور وسلطة القاضي الإداري بحكم دوره الإنشائي، وذلك على عكس القاضي الإداري الفرنسي الذي يمارس اختصاصا مهما يقربه من الإدارة هو قضاء التفسير، حيث توكل للقاضي الإداري مهمة تحديد مغزى قرار إداري أو مقرر قضائي يبدو غامضا، وبالتالي تمكنه هذه الإختصاصات الإستشارية من بسط رقابة فعلية على الإدارة، وهو تطور إيجابي سلكه المشرع الأساسي (دستور المملكة لفاتح يوليوز 2011)، في فقرته الثالثة من فصله 113 منه، وإن كانت العبارة المستعملة أو المصطلح الذي أتى به الفصل المذكور يتحدث عن رأي وليس استشارة بقوله: "يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط"، ومن ثم فإن الفرق بين الرأي والإستشارة واضح وعميق، إلا أن التقرير حاول تدقيق المصطلح، وذلك من خلال المقترح رقم 34 منه

 

بقوله استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن مشاريع القوانين المتعلقة بمنظومة العدالة.

 

أما التوصية رقم 98: التي تقترح ربط إحداث المحاكم الإدارية بالدوائر القضائية التي يبرر حجم المنازعات الإدارية بها إحداث هذه المحاكم، والإحتفاظ بمحكمتي الإستئناف الإداريتين بكل من الرباط ومراكش، مع السعي تدريجيا إلى إحداث أقسام إدارية متخصصة بالمحاكم الإبتدائية وغرف إدارية متخصصة بمحاكم الإستئناف، تختص بالبت في المنازعات الإدارية.

 

فإذا كانت هده التوصية مهمة من حيث إحداث محاكم إدارية جديدة يبرره حجم المنازعات الإدارية بها، وهو معطى نؤكد تطوره من حيث الكم والكيف في الدعاوى الإدارية المرفوعة إلى المحاكم السبعة المتواجدة بالمدن الرئيسة للمملكة، وما أصبحت تعرفه من اكتظاظ وبطء البت في الملفات المطعون فيها، مما يتطلب إحداث محاكم إدارية جديدة لتخفيف الضغط الحاصل وتحقيق الفعالية القضائية تكريسا لمفهوم الأمن القضائي، إلا أن هذه التوصية جاءت مخيبة للآمال من حيث الإحتفاظ بمحكمتي الإستئناف الإداريتين بكل من الرباط ومراكش، وهو مقترح لا نؤيده من منطلق تقريب القضاء إلى المواطنين وهذا المطلب لم يتضمنه المقترح، بل الصائب هو تخفيف الضغط على هاتين المحكمتين بإنشاء محكمة استئناف إدارية على الأقل.

 

كما أن الغريب كذلك هو عدم إعطاء مكانة متميزة لدور القضاء الإداري من خلال تنظيمه القضائي، وعدم التنصيص على إنشاء المجلس الأعلى كمحكمة آخر درجة بغية استكمال الهرم القضائي، على غرار ما هو معمول به في الأنظمة القضائية المقارنة خاصة فرنسا ومصر، وإبقاء فقط على الغرفة

الإدارية بمحكمة النقض، وهو توجه يجانب الصواب ولا يراعي الدور والمكانة التي أصبح يلعبها القضاء الإداري بالمملكة المغربية، الذي يفرض استكمال تنظيمه القضائي، وإحداث مجلس الدولة كمحكمة تنازع الإختصاصات بين القضاء العادي والقضاء الإداري.

 

المحور الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية على ضوء إصلاحات منظومة العدالة

 

يعد الإختصاص القضائي هو الصلاحية القانونية لهيئة قضائية ما للنظر في نزاعات معينة، وهذا ما سيدفعنا للحديث عن الإختصاص النوعي للمحاكم الإدارية، الشيء الذي يمكن أن يترتب عنه العديد من الصعوبات، وهنا لا بد من التذكير بأن تنازع الإختصاص، قد يكون حول الإختصاص المحلي أو النوعي، والذي يهمنا هنا وتماشيا مع منهجية العرض هو تنازع الإختصاص النوعي، والنصوص التي تطرقت له في إطار المحاكم الإدارية.

 

1- تنازع الإختصاص المحلي:

 

إن أهم تفرقة تتجلى بين تنازع الإختصاص النوعي والمحلي هو كون هذا الأخير لا يعتبر من النظام العام، ومن آثار الدفع بذلك أن يبين الجهة المختصة، كما أنه على المحكمة التي أثير أمامها أن تبت فيه بحكم مستقل، وهكذا فقد ورد في المواد 14 و15 ما يلي:

 

المادة 14: تطبق أحكام الفقرات الأربع الأولى من الفصل 16 وأحكام الفصل 17 من قانون المسطرة المدنية على الدفوع بعدم الإختصاص المحلي المثارة أمام المحاكم الإدارية.

 

المادة 15: تكون المحكمة الإدارية المرفوعة إليها دعوى تدخل في دائرة اختصاصها المحلي مختصة أيضا بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها أو المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل قانونا في الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية أخرى.

 

واعتبارا لنصوص المحكمة في هذا الباب، فإن مسألة تنازع الإختصاص المحلي نادرا ما يثار.

 

2- تنازع الاختصاص النوعي:

 

هو ذو وجهتين إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا، فهو يكون إيجابيا في الحالة التي تعلن فيها كل محكمة أنها هي المختصة بالبث في النزاعات المعروضة عليها، وهذا التنازع ـ غالبا ـ لا يطرح.

 

وأما في ما يتعلق بالحالة التي يكون فيها سلبيا، فهي الحالة التي تعلن فيها كل محكمة أنها غير مختصة في النازلة المعروضة، والمشرع هنا أعطى عناية خاصة لهذا التنازع وخصه بعدة اعتبارات ذلك رعاية لمصلحة المتقاضين التي قد تتضرر لا محالة من هذا الدفع. وهكذا نجد بأن الدفع بعدم الإختصاص النوعي يعتبر من النظام العام وعلى كل من له مصلحة فيه أن يثيره في جميع مراحل إجراءات الدعوى، كما أنه للجهة القضائية المعروضة عليها الدعوى أن تثيره تلقائيا. كما أوجب المشرع على تلك الجهة أن تثبت له بحكم مستقل ولا

 

يجوز لها أن تضمه للموضوع، وهذا ما جاء من المواد 11 و13 من قانون 90 ـ 41 المنشئ للمحاكم الإدارية.

 

وكملاحظة، يمكن القول أن توزيع الإختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم العادية يستوجب طريقتين: فإما أن القانون يحدد بدقة المواد التي يرجع النظر فيها إلى كل من الجهتين القضائيتين أو على الأقل إحداهما، وهنا يكون الإختصاص بحكم القانون.

 

ويمكن تعريف القاعدة العامة الإختصاص بأنها: "تعبير عن مبدأ يحدد بصفة مجردة وعامة مجال اختصاص قضائي معين دون الإشارة إلى أي موضوع ملموس بعينه". وتجد هذه القاعدة مرجعيتها في قوانين الثورة الفرنسية التي تضع مبدأ فصل السلطات الإدارية.

 

الإختصاصات العامة للمحاكم الإدارية:

 

عموما يمكن القول أن جميع القضايا التي تدرج في المجال الإداري هي قطعا من اختصاص المحاكم الإدارية، هذا إضافة على أن القانون اعتمد المعيار العضوي إذ اعتبر وجود شخص عام من وراء الأضرار الناتجة عن أفعاله ونشاطاته علة كافية للإقرار باختصاص المحاكم الإدارية، وقد يترتب عن هذا كله إدخال بعض القضايا التي تعتبر خارجة عن النطاق الإداري ضمن اختصاص المحاكم الإدارية.وحسب المادة 8 من القانون السابق تختص المحاكم الإدارية بالبث ابتدائيا في القضايا الآتية:

 

"تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز

السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.

 

وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالإنتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.

 

وتختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون".

 

الإختصاصات الإضافية لمحكمة الرباط الإدارية:

 

يمكن أن نرجع اختصاص محكمة الرباط الإدارية بالنزاعات المرتبطة بالوضعية الإدارية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم إلى دور السلطات المركزية في كل دعوى تقام في مواجهتهم، فضلا على أن بعض

 

المعينين بظهير شريف في وضعية مزدوجة، فالعامل على سبيل المثال يعد حسب ظهير 15 فبراير 1977 ممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة في العمالة أو الأقاليم الذي يزاول فيه مهامه.

 

إلى جانب أنه رجل السلطة الأساسي الذي بواسطته يمارس السيد وزير الدولة في الداخلية وصايته على مجالس العمالات والأقاليم، الأمر الذي دفع المشرع إلى قصر الاختصاص على محكمة الرباط الإدارية، باعتبارها العاصمة الإدارية والسياسية للمملكة المغربية، بالإضافة إلى شبهة التأثر في المطالبة أمام محكمة إدارية محلية. مما يشكل إخلال جسيما بمبدأ تكافئ الفرص ووحدة جهة التقاضي.

 

وفي موضوع اختصاص محكمة الرباط مكانيا، نذكر بأن هذا الحسم جاء نظرا لتدخل المشرع لا لسكوته خاصة وان هناك إشكالا قانونيا كان يسيطر بالنسبة للذين يعنيهم الأمر حالة تعدد مقار سكناهم بأكثر من جهة والذي ترك فيه الاجتهاد الفرنسي لرافع الدعوى اختيار المكان، على خلاف المشرع المغربي الذي اتجهت إرادته منذ عام 1958 إلى قصر درجات التقاضي في هذه الحالة أمام ابتدائية الرباط في مسائل القانون الدولي الخاص.

 

اختصاصات المجلس الأعلى في الجانب الإداري:

 

سطر الظهير الشريف رقم 223 ـ 57 ـ 1 الصادر بتاريخ 27 شتنبر 1957 المحدث للمجلس الأعلى للقضاء قواعد تنظيمه واختصاصاته، وأدخلت عليه تعديلات بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالتنظيم القضائي للملكة بتاريخ 15 يوليوز 1974، وبمقتضى 90 ـ 41 المحدث للمحاكم الإدارية.

 

وتقتصر سلطة المجلس الأعلى مبدئيا على البحث في موافقة الحكم المطعون فيه للمبادئ والنصوص القانونية أو عدم موافقته لذلك، فإن وجد المجلس الأعلى الحكم متفقا مع تلك المبادئ والنصوص القانونية قضى برد الطعن، وفي حالة العكس فإنه يقضي بنقض الحكم فقط و إعادة ملف القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض أو إلى محكمة أخرى مساوية لها من حيث الدرجة، وذلك حتى تعيد النظر في جوهر النزاع في ضوء المبادئ والأسس القانونية التي وردت في قرار النقض، ولا تمتد رقابته إلى تقدير الوقائع التي هي من اختصاص محكمة الموضوع.

 

ويبت المجلس الأعلى ما لم يصدر نص بخلاف ذلك في مجموعة من القضايا، محددة كالآتي:

 

الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدها جميع المحاكم المملكة.

 

الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن السلطة الإدارية للشطط في استعمال السلطة.

 

الطعون المقدمة ضد الأعمال والقرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم.

 

البت في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد محكمة الأعلى درجة مشتركة بينهما غير المجلس الأعلى.

 

مخاصمة القضاة والمحاكم غير المجلس الأعلى.

 

الإحالة من أجل التشكيك المشروع.

 

الإحالة من محكمة إلى أخرى من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة.

 

وسنشير هنا فقط لاختصاصات المجلس الأعلى المرتبطة بالنزاعات الإدارية، إذ يختص بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بـ:

 

المقررات التنظيمية الفردية الصادرة عن الوزير الأول.

 

قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية.

 

ويكون المجلس الأعلى المرفوعة إليه دعوى تدخل في اختصاصه ابتدائيا وانتهائيا مختصا أيضا بالنظر في جميع طلبات التابعة لها أو المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل ابتدائيا في اختصاص المحاكم الإدارية.

 

إن الدولة لا يمكنها أن تتقدم إلا بوجود القضاء وتنهار بانعدامه فبدعم القضاء المغربي بداية بالمحاكم الإدارية سنة 1994 تقدم نحو تحقيق حصانة للحقوق والحريات في مواجهة تجاوزات السلطة أما عند اكتماله بخلق محاكم استئنافية في هذا المجال شكل نموذجا يدعم قوة القانون فوق كل سلطة واعتبار.

 

 

ولهذا فالمغرب استطاع بدخوله الألفية الثالثة أن يجعل من الإصلاح الحقوقي أحد أبرز مميزاته شكل القضاء نواة له، إذ أحاط حقوق المواطنين بسياج من الهيبة والوقار يتولى تطبيق القوانين أي كانت الجهة المقصودة به.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات