متى يصحو ضمير من مات ضميرهم ..!!
عمر الياسيني
ببساطة، كلما أحسست بالاختناق بسبب قتامة المشهد، ووحشية الواقع الذي أضحى بشعا، وغدا الإنسان فيه محورا لكافة الشرور بمختلف أنحاء الأرض، إلا وراودتني الأسئلة عن سر تحول هذا الأخير إلى وحش مفترس، مستعد للانقضاض على كل فكر وثقافة بناءة، وكل عمل فيه تقدم ورقي، جانحا بالعالم نحو عوالم الغاب الذي لا قانون يسود فيها إلا قانون الغلبة للأقوى.
لقد انقسمت الناس فيما بينها إلى وحوش ضارية لا ترحم، أو عبيد الأهواء وسجناء الرغبات، سمتهم الطاعة العمياء والخنوع التام، منتهى آمالهم وتطلعاتهم تتجسد في إيجاد قطعة رغيف وشربة ماء وكفى، وهما الهدفان اللذان كرسوا لهما حياتهم، وضاقت بهم السبل للحصول علهما .
لقد بتنا أمام ظواهر تعود بنا إلى عهود قد خلت، عندما كان الإنسان فاقدا لزمام أمره، وعبدا لقوى التملك والنفوذ، حيث كانت تمارس عليه كل أشكال التمييز والعنف والعنصرية والإذلال، دونما أن يقوى على مجابهة ذلك الظلم والتمرد عليه، فكان مجرد أداة للسخرة، وجثة بلا روح، تمشي على الأرض من غير هدى ولا سبيل، في رحلة بحث مضنية عن شعاع منير يهدي إلى طريق السعادة، فكان لابد من السير فوق الأشواك للوصول إليها .
لقد كان الإنسان المستعبد في الماضي يرى طريق الخلاص من آهات العذاب وقيود الذل والهوان في التمرد على "الحكرة"، والثورة على الخنوع والمذلة، من اجل التحرر من رحمة كائنات فظة غليظة لا ترى إلا مصالحها وما ستجنيه على حساب الغير، وهو أمر يتشابه فيه كل الحالمين بالتحكم والسيطرة، وفي كل القرون والعصور، حيث يسعون دوما إلى محاولة الاستحواذ على خيرات البلاد والعباد ووضعها رهن إشارتهم، وتكسير كل ماهو جميل فينا، وتحويلنا إلى قطيع يتدافع داخل ضيعة كبيرة، والسعي إلى زرع اليأس والإحاط في نفوسنا، وتحقيرنا واستعبادنا بشتى الطرق.
إن مسلسل التحكم مازال مستمرا منذ العصور الغابرة، ولم يتغير منه إلى الشكل والأسلوب، فيما الطبع لا زال يسكن دواخل من لا ضمير لهم، ممن الذين لديهم استعداد فطري لبيع الأرض وحرق الإنسان لمجرد إشباع نرجسيتهم، وإظهار سلطتهم، غير عابئين في سبيل ذلك بالطرق والوسائل التي يمكنها أن تحقق عشقهم الجنوني المرضي للامتلاك والتحكم، في شره مقيت وميكيافيلية بغيضة، حتى لو كان الأمر يتطلب لتحقيق أوهامهم قطع الهواء عن بقية الناس، أو قطع السبيل عليهم نحو الحرية والعدالة الاجتماعية.
إن هذه الكائنات البغيضة لازال نسلها متواصل للأسف الشديد، وهي تتخذ مظهرا مختلفا في كل عصر وحقبة، ساعية لتشييء بقية الشخوص في هذا العالم الغريب، في ضرب صارخ لكل الحقوق الكونية، وبإصرار كبير على حرمان الأناس العاديون من إنسانيتهم عبر سن الفوارق الطبقية، لدرجة قد لا يتساوى فيها إنسان ما في بعض البلدان النامية مع حيوان ..!!!