القراءة والتعليم عهد جيلين متكاملين

القراءة والتعليم عهد جيلين متكاملين

محمد حسيكي

 

تعلم القراءة سابق عن تعلم الكتابة في المجال العلمي، وحفظ القراءة من العقل سابق عن الفهم من الذهن، والقراءة عن الآباء والأجداد تقوم على الحفظ، من قاعدة علمية الحفظ نصف الفهم، وهو العلم كله، إذ الفهم يختلف من ذهن الى آخر، بينما الحفظ ينتقل من شخص لآخر، تجري عليه مفاهيم من جيل نحو آخر، ومن عصر الى آخر .

 

القراءة قديما :

 

في اللغة العربية من العالم الاسلامي، جاء الدين بتعميم القراءة من الساحة الجماعية والاجتماعية، وقام بالدعوة على القراءة، وشكل من ذلك العمل في التاريخ خروج عن المألوف، الذي حصر القراءة الدينية، على رجال الدين .

 

ومن ذلك النشر الجماعي من الوسط الاجتماعي، تزايد الاقبال على القراءة وعلى الدين، الذي اعتمد على نشر القراءة والعلم من الدين، ولأول مرة في العالم العربي أصبح الانسان يدخل الى الدين عن طريق القراءة وتعلم الدين من مقام العلم والدين .

 

بداية القراءة :

 

كانت القراءة في العصر الديني، تعتمد على الألواح الخشبية، والأقلام القصبية، والصمغ المحضر من صوف الأغنام، وحجر صلصل لطلاء وجه اللوح للكتابة، يتعلم القارئ أول ما يتعلم جلسة القرفصاء من الارضية، ووضع اللوح على الفخذين من فوق الركبتين، وحين القراءة يبتدئ التعلم من النطق بحروف اللغة، ثم تركيبتها الهجائية من الطريقة المكية، ثم حفظ الآيات القصيرة، من سور الاخلاص، والفاتحة، والمعوذتين الى غير ذلك من آيات السور .

 

وحين يجمع القارئ حفظ القصر من السور يبتدئ، في تعلم الكتابة على اللوح، حيث يرسم له الفقيه الكتابة على وجه اللوح، بظهر القلم القصبي، ثم يقوم المتعلم باتباع النسخ وتغطية الرسم المحنش بالصمغ من الكتابة .

 

وبعد تعلم الكتابة من النسخ والتقدم في القراءة، يقوم الفقيه الذي يشرف على تحضير القارئ بكتابة اللوح، بعد تسطير من المتعلم .

 

وخلال كتابة الفقيه اللوح، يحضر المتعلم ويتابع عن قرب طريقة الكتابة، حيث يتعلم ضوابط الكتابة من الكلمة، من نهج القراءة، كما تعلم ضوابط القراءة بالحرف من تهجي الكلمة.

 

وهكذا يستمر تعلم القراءة من الحفظ والاستظهار، والقراءة المتكررة واستظهار الحفظ حتى لا يتسرب اليه النسيان أو الضياع والعامل المعرفي من وراء ذلك قدسية النص والحفظ له من العلم حفاظ عليه، في إطار محدودية الامكانيات التي تنتهج من القراءة نهج الاعتماد الذاتي على علم الصدارة من الدين في الحياة الأولية .

 

القراءة الشفاهية :

 

هي قراءة سمعية من جزئيتها، أخذ بها الأقدمون في تعميم النص القرآني على عامة المسلمين، خاصة فاقدي البصر، والأميين الذين غادروا في سن مبكرة جامع القراءة كالفتى من سن العمل، والفتاة حين دخولها البيت من سن البلوغ .

 

تعلم الضرير :

 

كان الاشخاص فاقدي البصر لاتقف إعاقتهم حائلا في تعلم القراءة، حيث كان الضرير يتواجد من الوسط القرآني، يقوم على القراءة بالحفظ عن طريق السماع والاستظهار والاستعانة في الحفظ والقراءة مع المبصرين .

 

ومن تم كان فئات فاقدي البصر على مر الزمن فقهاء من حفظة القرءان، بل وعلماء في علوم اللغة وعلم الأصول، تدرجوا في العلم الى مستوى التدريس، والحظوة بالمكانة من العلم .

 

تعلم الأميين :

 

كان فقهاء الدين الاسلامي في المغرب احرص الناس في المجتمع، على نشر العلم وتعليم الجميع بالطرق الممكنة، حتى يرفع الجهل عن الناس من القراءة ومن الدين .

 

خاصة المرأة التي تتحصن من بيتها مع أطفالها ورعاية شؤون ساكنته، حيث كانت تتعلم وتحفظ عن ظهر قلب الآيات والسور القرآنية التي يمكن أن تؤدي بها فريضة الصلاة، كما تتعلم من الدين الطهارة والوضوء، ودعوات الخير للنفس والعامة من جماعة المجتمع، وهي بذلك تعطي القدوة الى ابنائها من بيتها، باعتبارها الأقرب اليهم من يومهم عهد تربيتهم .

 

تطور القراءة :

 

اكتسبت القراءة من انتشارها العلمي، قواعد تجويد في القراءة، ومعارف خطية من الكتابة، واصوات جهورية من الفصاحة والبلاغة اللسانية، رفعت من شأن القراءة الخاصة بالعلوم المقدسة التي لم تزدها القراءة الا رفعة وقداسة، ومن تم حظيت بالتشجيعات والمسابقات والتنظيمات من مهرجانات للقراءة على المستويات الوطنية والدولية، يخصص لها في المغرب جوائز وطنية ودولية ارتبطت بجائزة محمد السادس السنوية، في الحفظ والتجويد، من الناشئة، والكبار، وكل ماله علاقة بالكتاب التربوي، والخط، والمعارف القرآنية .

 

تطور الكتابة :

 

كما الشأن في القراءة اهتم المجتمع المغربي بالكتابة عصر الخط اليدوي، الذي كانت منه مدارس وخطوط كثيرة، اشتهر منها الخط القرآني الخاص بالمخطوطات، والخط الديواني الخاص بالظهائر الشريفة، والرسائل السلطانية، والمؤلفات العلمية، والخط الندوي الخاص بالإعلاميات، والخط العدلي الخاص بالعقود الشرعية والرسوم العقارية، وما الى ذلك من الخطوط التي تتجاوز من العدد ما ذكر .

 

ومن الخطوط التي جرى تداولها من الوسط العام، خط الطالب الخارج عن خط اللوح، وهو خط قد لا يفهم قراءته الا من كتبه، يغلب عليه من الكتابة وقع اللسانية من اللغة، كمحل اسم الكلم من الكلمة .

 

وأيضا لغة الرسوم العدلية المحفوظة لغة، كلغة الاستمارة، تذيل من الورقة المخزنية، وتختتم بالخنفسة القائمة مقام البصمة، قبل المصادقة عليها من قاضي التوثيق العدلي لدى الجهات الشرعية .

 

التوقيعات العلمية :

 

من خصائص فكر الحضارة العربية الاسلامية، انها احتفظت في تدوين محفوظاتها من بقايا الحضارة العلمية العربية والاسلامية، بتوقيعات خاصة من تلك العهود الحضارية انتشرت قرائتها وتداولها من الأوساط الفقهية من الديار المغربية .

 

وتأتي في مقدمة هذه التوقيعات : سين العبد، التي تكتب صادا سينية كالصلاة الاسلامية من الفريضة، كناية عن توقيع سيدي ابو محمد صالح .

 

ومن الوجهة اللغوية واو عمرو، محله من الاسم في اللغة اجازة ورش، قراءة حفص من اسم عمرو، عند أهل الأوبيرات من البلاد الايبيرية، عهد دولة بني الاحمر .

 

التعليم المدرسي :

 

هو تعليم من مستوى دولي، وآفاق مستقبلية، يخرج حياة الفرد بالمجتمع من مستوى جماعة الساكنة المحلية، الى مستوى العلاقة الدولية، من انفتاحه على الفكر الانساني الذي يعطي للفرد الحق من المجتمع : في التعليم، والشغل، والرعاية الصحية، والحياة اللائقة من الوسط المجتمعي أو نحوه من المجتمع الدولي .

 

والتعليم المدرسي الرسمي يبتدئ في النظام المغربي من سن السابعة، الى سن الثامنة عشرة، يمر فيه المتعلم من اطوار ابتدائية، وثانوية، وجامعية، والتعليم المدرسي لا يخلو من حصص رياضية، وعطلة اسبوعية، وموسمية .

 

ويشكل التعليم المدرسي، الذي يؤهل الناشئة الى معارف علمية، وتقنية متعددة التخصصات، في عصر التكنولوجية والاعلام، محل شغل شاغل للدولة والأسر والجيل التربوي، من حرية التعبير وإبداء الرأي الذي اصبح يتمتع به الفرد من وسط المجتمع ، والذي تطورت فيه الرعاية بشؤون احواله من مستوى الأسرة الى مستوى الدولة .

 

 القراءة عهد نظام المدرسة :

 

تعلمت من التجربة التي مرت بها حياتي التعليمية من عهد القراءة، أن جيلنا تعلم من جيل الآباء الذين كانت قراءتهم تعتمد على الحفظ والاستظهار، وجيل المدرسة الذي يعتمد على الكتاب المدرسي، الواضح القراءة بالشرح والصورة أولا، والكتابة ثانيا، والمراقبة المستمرة ثالثا، ثم الامتحانات الدورية، أو الفروض الاختبارية .

 

وفي نهاية العام الدراسي تعطى النقطة المحصلة من المجهود الفردي السنوي، حيث يصل المتعلم من مجهوده ومستواه الى الانتقال الى مستوى متقدم، والى الحصول على جوائز تقديرية من نهاية السنة الدراسية .

 

وهكذا كان التعليم تربويا مبني على مناهج علمية، سلسا متدرجا وممنهجا، مشوقا لما فيه من جديد وجدة، في الحياة الاجتماعية الجديدة .

 

المدرس العتيق، والمتعلم الحديث

 

كان تعليمنا مخضرما، وأساتذتنا منهم الجيل العتيق والحديث المعاصر، غير أن ما شد الاهتمام من التطور الذي يمر بين الاجيال مرور الزمن، أن اساتذتنا من التعليم العتيق، كانت قراءتهم على اللوح من لغة أبت، يحفظون علمهم في أذهانهم، من وجودهم في زمان متغير، من الحياة والفكر عن زمانهم، بل أصبح يتعلم فيه الاستاذ الكبير الشيء الجديد من المتعلم الصغير، لا يحبذون الكتابة بخطهم في سبورة الفصل الدراسي، ولا في كتاب النصوص من القسم، من كونها كتابة من لغة أبت، والجيل يقرأ ويتعلم من لغة الطباعة التي تنسب الى لغة أبجد .

 

وذلك لأن الكتابة اليدوية تجد نفسها من الكتابة المطبعية، أمام شكليات تقنية لا تمس بجوهر الحرف من القراءة، بقدر ما يمس التغيير المنهجية من العلم، وكأن العصر انتقل من عصر الدين الى عصر الاجتماع، يفقهه الأولون، ولا يعلم مساره المتعلمون .  

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة