المحتجبة والبحر
حاميد أعرور
الشمس بكبد السماء حارقة، تلسع أبدانا شبه عارية ممتدة على رمال الشاطئ الغاص بالمصطافات والمصطافين الذين قادهم لهب المدينة إلى هذا المكان. الأطفال على جنبات البحر مرحون يعبثون بالزبد تارة ويفرون من اندحار الأمواج المترددة تارة أخرى، الرشيقات كالريم يمشين بزهو، يزيدهم بلل الملح ومعاكسة الشبان تبخترا، كهول ببطون منتفخة عبثا يحاولون إيقاظ طفولتهم بمشاركة الصغار مختلف الألعاب الجماعية ،والارتماء كالصواعق وسط المياه بين الفينة والأخرى، نساء بنظارات شمسية ،اخترن المكوث تحت المظلات الشمسية بتعفف وزهد يراقبن الجميع من بعيد ...بمكان بعيد اختلت ثلاثة يافعات بأنفسهن ،في منأى عن نظرات المحملقين ومحترفي تتبع الحركات، بينهن امرأة ترتدي لباسا اسودا يحجبها بالكامل أكسب الثلاثة مناعة ضد معاكسة المطاردين وغمر المكان قدسية.
ضقت ذرعا، واخترت السير على طول الشاطئ مسافة طويلة، أسلم قدماي إلى تلاطم الأمواج أحيانا وابلل بدني الملتهب أحيانا أخرى، أخذني المسير طويلا في غفلة من أمري إلى حيث تختلي الفتيات الثلاثة، انزويت غير بعيد أراقب المكان المقدس، مستغربا أمر تلك المرأة السجينة تحت اللهب، تساءلت عن الأسباب التي تحول دون استمتاعها بموج البحر كما تفعل رفيقتاها بين الفينة والأخرى، وتساءلت كيف تتحمل هذا القيظ الذي قادني إلى هذا الشاطئ الجميل؟ لم تنتبه الثلاثة ،فزادني عدم انتباههن فضولا لفك المزيد من شفرات هذه المرأة المحتجبة والممانعة رغم محاولات رفيقتيها إقناعها بمعانقة أمواج البحر المتكررة. أمام إصرارهن تقدمت المرأة بحجابها بتوجس نحو البحر، مسلمة قدميها بداية للزبد، تلتفت يمينا ويسارا كمن يستكشف ألغام المكان، تقدمت خطوات فاستقبلتها رفيقتاها بقهقهة استفزازا، رميناها بالماء البارد، حاولت عبثا الفرار، أمسكن بها وألقيناها بالماء، تبللت كاملة والتصق لباسها الأسود بمؤخرتها، فتابعت التقدم نحو الأمواج المتلاطمة.
استسلمت المرأة لقدرها الجميل فتابعت الاستمتاع بالسباحة ،تطارد الموج تباعا كالفراشة وتجفف جنباتها المبللة إلى أن حدث ما لم يكن لها في الحسبان ! لم تنتبه المسكينة إلى موج عاتي باغتها، فنزع عنها خمارها الأسود واختفى فجأة مع اندحار الموج. بدا شعرها الغجري الكثيف عاريا وانكشف أديمها البلوري الأحمر حياء وخجلا. انبهرت فوقفت أتأملها، شابة في مقتبل العمر وليست امرأة كما كانت تبدو من قبل ببرقعها الأسود ، وقفت تنظر باستغراب إلى أمواج البحر، التفتت كعادتها يمنة ويسارا وزادتها ضحكات صديقتيها حرجا، لم تتمالك نفسها ،فنزعت ما تبقى من حجابها مكتفية بلباسها الداخلي، لتنضم وتستسلم لقبلات الموج ، جففت تلابيب حجابها المترامي وقصدت مكان جلوسها، وضعته بين طيات أمتعتها وعادت إلى مياه الشاطئ من جديد، لتبدأ فصلا جديدا من فصول الاصطياف والاستمتاع بالسباحة.
fati
n'importe quoi...