مستقبل احوالنا الشخصية??
سعيد لكراين
في مخاض سياسي و حقوقي و قانوني مثير, خضع المجتمع المغربي فيه للتهييج و اثارة الوجدان و الحس الجماعي من اجل حراك بين فئتين, الاولى تنتمي الى اليسار شعارها التحرر و الانعتاق من التقاليد و الموروث الحضاري للامة الذي تعتبره سبب تخلفها بين الامم و تطرح الحداثة بديلا و الارتماء في احضان الغرب خيره و شره انموذج التقدم و الازدهار,
التيار الذي تزعمه وزيرُ التنمية الاجتماعية والتضامن السابق، سعيد السعدي المنتمي لحزب التقدم و الاشتراكية تحت خطة ادماج المرأة في التنمية.
و طائفة تتمسك بالاصول و لا تزيغ عنها و تجعل الدفاع عنها الثابت الذي لا يتغير و التشبث بالهوية و العودة الى الأصول اصل و فضيلة و ان الابتعاد عنه شر و رذيلة.
تزعم هذه الطائفة حزب العدالة و التنمية برئاسة الدكتور عبد الكريم الخطيب,..
لكن سرعان ما تدخل الملك للتحكيم بين الطائفتين و خول الامر للجنة من الفقهاء و الحقوقيين و قانونيين رفعت تقريرها الى الملك و حصلت -المدونة- على الاغلبية في المجلس التشريعي.
لتطوى بذلك صفحة من الصراع بين تيار العلمانية و تيار الاسلام السياسي. حلقة من الصراع استعملت فيه كل الاسلحة المشروعة و غير المشروعة حتى اننا كنا نظن انهما لم يتركا شيء يصلح للتقارب في المستقبل?????
و ها هما اليوم في شهر عسل لمدة ولايتين الاولى مع بنكيران, و نصف الثانية مع العثماني, لم يكدر صفوه الا اعفاء الامين العام للكتاب من سياسة المدينة, و اعفاء شرفات مؤخرا من الماء...
لنعد الى موضوعنا الاساس و هو مصير تطبيق مدونة الاسرة بعد اربع عشرة سنة من اخراجها الى حيز الوجود.
بعد تطبيق العمل بمدونة الأسرة منذ 2004 بديلا عن قانون الأحوال الشخصية، و ما صاحبها من ارتفاع لنسب الطلاق، و العنوسة، وسط جدل حول موادها التي تخالف في مضامينها احكام الفقه المالكي، ليتضح بالملموس ان المدونة نص قانونية موجه للقضاء و ليست نصوصا للفتوى، و قد جاءت مخالفة لما عليه العمل عند اهل الفتيا في المذهب.
لذلك نجدها تركن الى تحكيم المواثيق الدولية، و اتفاقيات حقوق الإنسان و الحريات العامة التي وقع عليها المغرب.
من هنا فرض علينا طرح السؤال التالي،
هل جاءت مدونة الأسرة لضمان الحقوق و تقرير الواجبات، أم لحماية الأسرة و تمتين روابطها؟
لقد كان الرهان كبيرا من وراء سن مدونة الأسرة و اخراجها للوجود، من اجل إعطاء مساحة واسعة من الحرية للمرأة في بناء الأسرة و اختيار شريك الحياة و مباشرتها للعقد بنفسها، و كذا امتلاكها المبادرة لطلب الطلاق للشقاق...
كل هذا كان بهدف حماية الزوجات باعتبارهن الطرف الأضعف في عقد النكاح، و ايضا لردع بعض الأزواج من العبث بحقوقهن في حسن المعاشرة و النفقة...
و قد شددت المدونة ايضا في مسألة التعدد و اعتبرت علم الزوجة و اذنها ضرورة لاستيفاء مسطرته الى جانب الاستطاعة (النفقة) و سبب موجب له يوضع تحت نظر القاضي.
رغم ما وصفت به المدونة تبقى في دائرة التشريعات و الاجتهادات المقبولة و المرغوبة لذوي الاختصاص و الخبرة.
لكن المهم و بلغة الأرقام هو ارتفاع نسبة الطلاق بشكل صاروخي و مهول، حيث تتحدث المصادر عن 100الف حالة سنويا، مما جعل المهتمين من الفقهاء، و رجال القانون، و الحقوقيين، يلتمسون الأسباب الكامنة وراء ذلك و تقديم مبررات و قراءات للمسالة كل من زاوية نظره، قد يختلفون احيانا لكنهم متفقون على ان الأمر جدير بوقفة تأمل و انه محل نظر يجب ان تتظافر لجهود لتلافي هذه الأزمة التي تصيب بنية المجتمع من الداخل و تتسبب في تشتت الأسرة.
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العاللم و تشهدها بنية المجتمع المغربي منها:
- ارتفاع نسب العزوف عن الزواج و العنوسة حيث بلغت 60% و حوالي 8 ملايين عانس.
- غياب سياسة اجتماعية لدعم و تحفيز الشباب على الزواج.
- غياب دور و مراكز لتأهيل و تكوين الشباب المقبل على الزواج و خصوصا في مرحلة الخطبة
في اطار مصاحبة نفسية، و تأطير فقهي، و قانوني، و مساعدة اجتماعية، و اقتصادية و مالية لما لا.
و هو الامر الذي جعل دعاة المساواة بين الذكر و الأنثى و إلغاء احكام الإرث الشرعي في حرج، و موقف الرفض الجماعي، مما اثار زوبعة في فنجان.
و جدير بالذكر هنا الحديث عن الدور الاساس لتشريعات الأحوال الشخصية في تشجيع معشر الشباب على الزواج طلبا للاحصان و العفاف، و ارساء روابط السكن بالمودة و الرحمة، و ارساء بناء مؤسس على الإنسان بتكثير سواد الأمة.
هذا و في الوقت الذي شاب المجتمع المغربي مجموعة من الانزلاقات و الإنحرافات الاجتماعية و الأخلاقية التي تهدد منظومة القيم من عنف ضد الأصول، و زنى المحارم، و الاغتصاب، و الشذوذ الجنسي...
مما يضع تحديا امام الدولة المغربية في مراجعة اختياراتها و تقويم مساراتها و سياساتها و استراتيجياتها، و ذلك من خلال اعادة النظر في مناهج التربية والتعليم، و برامج الإعلام، و الموارد الثقافية، و الانشطة الفنية، للحفاظ على الهوية و الانفتاح على المحيط و الاستثمار في الطاقة و العنصر البشري بما يضمن التماسك و الاندماج و استمرار التنمية.