تعدد الزوجات بين الشرائع و المدنية

تعدد الزوجات بين الشرائع و المدنية

سعيد لكراين

كلما ذكر تعدد الزوجات  الا و طرحت عدت تساؤلات.

تساؤلات عن مصدر  الاشكال, و كيفية التعاطي مع المسألة, خصوصا و انها ذات ابعاد مختلفة.

اذن ما رأي الشرائع الدينية في ذلك? و كيف تعاطت مع المسألة في الماضي و الحاضر?

ما مصير التعدد في ظل المدنية الحديثة? 

أولا موقف الشريعة اليهودية.

لم تمنع الشريعة اليهوديةتعدد الزوجات و لم تعاند فيه, و هو مقرر في  التلمود الاقتران بالزوجة الثانية أو أكثر مادامت الزيجات تسمح بذلك, وعلى شرط أن يكون بمقدور الزوج الانفاق عليهن, وعدم انتقاص حقوقهن في عقد الزواج.

و تعدد الزوجات جائز شرعًا في اليهودية ولم يرد بتحريمه نص, لا في التوراة ولا في التلمود, بل على العكس كانت العادة جارية علي اتخاذ أكثر من زوجة، كما أنه لا يوجد حد أقصي لعدد الزوجات، فقد كان مباحاً لليهودي أن يتخذ من النساء ما طاب له بلا قيد أو شرط ولو وصل العدد إلي أربعين زوجة، إذا كان الرجل موسرًاً وقادرًاً علي ذلك.

فقد شاع في العصر القديم تعدد الزوجات خاصة بين الملوك وعلية القوم والموسرين, فكان الملك يتزوج بأكثر من واحدة, والمثال البارز في هذه المسألة, في كتاب "العهد القديم" هو (الملك سليمان) الذي ورد أنه كان له 300 زوجة و700 سرية.

  وقد حدده الربانيون  -اتباع الثوراة-  عددهن في  أربع . حتى لو كانت أحوال الزوج المادية تسمح بأكثر من ذلك.

ورغم إن المادة ( 54 ) من إبن شمعون تنص على إنه : (  لا ينبغي للرجل ان يكون له أكثر من زوجة , وعليه ان يحلف يميناً على هذا حين العقد , وإن كان لا حجر ولا حصر في متن التوراة ) . وهذا يعني أن الزوج إذا حلف اليمين ثم تزوج بامرأة ثانية فيكون قد حنث بيمينه  فقط , وتعتبر معصيه لا أكثر . فإذا أعرض الزوج عن الأولى وألزم نفسه بالثانية, جاز للأولى أن تعتبر ذلك إضراراً فتطلب الطلاق.

ويرى الحاخام دوف شتاين ان تعدد الزوجات امر مقبول من الناحية الدينية,

و خلال القرن العاشر اصدر الحاخام  (جرشوم) فتوى بتحريم التعدد, رغبة في رفع الشعور بالاحتقار والاضطهاد الذي يتعرض له اليهود من قبل المسيحيين في أوروبا. لكن فتوي "جرشوم" لم تصادق عليها محاكم الأحوال الشخصية اليهودية إلا في القرن الثالث عشر , كما لم تسر فتوى "جرشوم" بتحريم تعدد الزوجات بين اليهود المقيمين في بلاد المسلمين لأن الشريعة الإسلامية لا تحقِّر تحقر ذلك.

ثانيا موقف المسيحية من التعدد.

 في العهد القديم فهذه السنة كانت معروفة و متبوعة و لا انكار فيها و قد كانت هذه  سنة الانبياء و المرسلين و نخص بالذكر  منهم ابراهيم و داود سليمان و يعقوب ممن لهم شأن عند النصارى.

و الحقيقة انه لا يوجد نص ثابت عن عيسى ابن مريم يحرم فيه التعدد. بل هناك نصوص تنظم مسألة العدل بين الزوجات, و نصوص أخرى تحرم الجمع بين الأم و ابنتها و المرأة و اختها.... وهو اعتراف ضمني بالتعدد.

و كذا وردت نصوص تخص الراعي  بزوجة واحدة, كما جاء في بولس (فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ).

 لذلك فما لم يدع له المسيح دعت اليه الكنيسة تفسيرا للنصوص أو استدراكا عليه ظلما و عدوانا.

ثالثا كيف تتحدد نظرة الشريعة الاسلامية لتعدد الزوجات?

لم تمنع الشريعة الاسلامية تعدد الزوجات بل ابقت عليه كما كانت الشرائع السابقة, لكن الشريعة الاسلامية لم تترك الامر للرأي و التأويل بل انزلت فيه قرآنا يتلى, و جعلت حده الأقصى  أربع نساء, و اشترط له العدل بينهن في ما له سلطان عليه من نفقة و كسوة و مبيت و نحوه.

قال تعالى: 

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء 32.

و على هذا كانت سنة النبي صلى الله عليه و سلم ,مع بعض الخصوصية لمقامه مقام النبوة, و به امر.  و سار على ذلك صحابته رضي الله عنهم قضاء و فتية و لم يعرف لهم مخالف أو منكر.

دور المدنية الحديثة في مسألة التعدد.

 يعتبر الكيان الصيهيوني  تعدد الزوجات، وفق تعريفه  القانوني منذ عام 1951، مخالفة جنائية, وعقوبته القصوى هي خمس سنوات من السجن. لذلك، لا تُسجل هذه العائلات بصفتها عائلة متعددة الزوجات في وزارة الداخلية.

كما صادقت الحكومة الإسرائيلية، في سنة 2017، على مشروع قانون وزيرة العدل، أييلت شاكيد، لمكافحة ظاهرة تعدد الزوجات  في دولة الاحتلال. 

الظاهرة منتشرة بشكل أساس في المجتمع البدوي و صحراء النقب ذات الأغلبية العربية, و تبعا لذلك شرعت الحكومة الاسرائيلية العمل على  برنامج لاجتثاث الظاهرة. تترأسه  وزيرة العدل، أييلت شاكيد، التي اتخذت على عاتقها فرض عقوبات على الرجال الذين يتزوجون أكثر من امرأة خلافا للقانون الذي يمنع التعدد.

و في الغرب فقد حدت الدول العلمانية حدو الكنيسة في تحريم   التعدد و جعلته المدنية الغربية الحديثة جريمة يعاقب عليها القانون و قد تصل هذه العقوبة الى حد السجن.

أما في الشرق فهناك تأرجح و تباين بين دوله, فمنها التي تجرم هذا الفعل كما في تونس التي تمنعه بموجب الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية، المنقح بالقانون عدد 70 لسنة 1958 والذي ينص صراحة على منع التعدد.

و منها من شدد القيود عليه و جعله تحت نظر القاضي كما في المغرب.

في حين أن دول الخليج تسمح بالتعدد وفق الشريعة الاسلامية.

هذا و تجدر الاشارة الى أن تعدد الزوجات ليس بالأمر الجديد و المستحدث بل هو قديم قدم التاريخ. غير أن المدنية الحديثة جعلت منه موضوع الساعة.

 و سعت بعض الأوساط في الدول الاسلامية الى تجرمه اجتماعيا, و نفرت منه الانفس, هذا وقد تعالت أصوات بضرورة العودة الى التعدد اما لاعتبارات شرعية كما دعى الى ذلك الحاخام شتاين بقوله: "حسب التوراة، فيعقوب النبي، ابو الشعب اليهودي، تزوج أربع نساء، وجده ابراهيم تزوج اثنتين وحفيده داود تزوج ثمانِ عشرة امراة." 

و غيره من العلماء و الدعاة المسلمين. كضرورة شرعية و عقدية لتكثير نسل الأمة.

 

أو لضرورة اجتماعية او اقتصادية للحد من العنوسة و الزيادة في النمو الديمغرافي.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة