مرحى بفرحكم أيها الوزراء بانضباط التعليم الخصوصي لكن من يدفع الفاتورة؟
عبدالفتاح المنطري
فرح وسرور وزراء مقابل ثقل فاتورة التعليم الخصوصي على الآباء وغياب الدعم الحكومي لهم
سعد مسؤولون حكوميون بانضباط تلاميذ التعليم الخصوصي وأشادوا بهم لعدم خروجهم للاحتجاج على بقاء الساعة المضافة في وقت هب فيه من مختلف المدن المغربية الآلاف من تلاميذ المدارس العمومية إلى الشارع للمطالبة بإعادة السيرالعادي على توقيت خط غرينتش العالمي
وقد عقد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، ووزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، اجتماعاً على خلفية الانفلات الذي شهدته بعض المسيرات التلاميذية،وقيل أن "المعطيات التي قدمتها وزارة الداخلية أظهرت أن خروج التلاميذ للاحتجاج لم يكن دائماً تلقائياً، بل تم رصد وجود أشخاص أجانب عن المدرسة قاموا بإغلاق أبواب المؤسسات التعليمية قصد منع المتعلمين من ولوجها"،وعليه،فإن الحكومة قررت "عدم التسامح مع الجهات التي تتلاعب بالأطفال،وعدم متابعة التلاميذ الذين تم تحريضهم للقيام ببعض أعمال الشغب، لكنها ستشهر سلاح المحاسبة في وجه الغرباء عن المؤسسات التعليمية الذين يقومون بإرباك مسار العملية التعليمية"،كما قامت وزارة الداخلية بإحصاء حوالي خمسة آلاف تلميذ انتقلوا من مدينة سلا إلى الرباط للاحتجاج أمام مقر البرلمان
وكان من بين الفرحين بعدم خروج تلاميذ المدارس الخصوصية للاحتجاج السيد مصطفى الرميد،وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان،إذ أوضح خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان أن المدارس الخصوصية "لم تعرف أي احتجاجات رغم أنها لم تغير توقيت الدخول المدرسي في
"وقت يخرج أبناء المدارس العمومية للاحتجاج
وأريد هنا بالمناسبة أن أذكرالسادة أعضاء الحكومة المحترمين والمنتشين بعدم انخراط تلاميذ المدارس الخصوصية في مثل هذه الأشكال من الاحتجاجات والتزامهم ومؤسساتهم التعليمية بالحفاظ على السيرالعادي للعملية التعليمية مع تعديل الجدول الزمني لأوقات الدخول والخروج ووقت الغذاء وفق توقيت الساعة الذي صادقت عليه الحكومة من جديد،أن فاتورة هذا الانضباط تخرج من بين أضلع وأحشاء آباء وأولياء أمورهؤلاء التلاميذ ومن مدى التزام مؤسساتهم التعليمية الخاصة أيضا والتي استثمرت أموالها لضمان تعليم أفضل يرضي الطرفين مقابل تنكرالدولة لشريحة هامة من الطبقة المتوسطة التي اختارت كرها لا طوعا إرسال أبنائها للقطاع الخاص دون أن تحصل على أي دعم مادي أو عيني من أي جهة كانت لقاء تخفيف العبء المادي والمعنوي عن مؤسسات التعليم العمومي..إسألوا أنفسكم أولا قبل أن تخبرونا أن تلاميذ التعليم الخصوصي لم يخرجوا للاحتجاج،كم يؤدي آباؤهم وأولياء أمورهم من جيوبهم في كل شهر وفي كل سنة من أجل تعليمهم بالمدارس الخصوصية بعدما تواضعت المنظومة بالمؤسسات التعليمية في مجملها تربويا واجتماعيا مع وجود الاستثناءات طبعا، ولا مجال للمقارنة بين جيل الأمس وجيل اليوم..إذ صرح السيد رئيس الحكومة قبل أيام بأنه هونفسه وأبناؤه أيضا كلهم درسوا بالتعليم العمومي.."دا كان زمان" على حد تعبير إخواننا المصريين.سيدي الرئيس.نحن أيضا درسنا بالتعليم العمومي زمن كانت المدارس الخصوصية يلجها الراسبون فقط أوممن هم دون المستوى المطلوب أومن تلاميذ الدلع الزائد أبناء بعض الطبقات الثرية.لست هنا أقلل من شأن المدارس العمومية في الوقت الراهن، فهناك مدارس عمومية متألقة وبها أساتذة متألقون كما أن هناك مدارس خصوصية ضعيفة العطاء،غيرمنتجة بالشكل الذي ينتظر منها، وربما يغلب عليها هاجس الربح أكثر من شيء آخر،خاصة تلك التي أنشأها مقاولون من خارج المنظومة التعليمية .أما المدارس الخصوصية المشهود لها وأساتذتها بالتفوق والتميز والعطاء، فهي لا تخفى على أحد من الآباء وأبنائهم، لذلك،فهم يتوجهون إليها مكرهين رغم غلاء الفاتورة ويقدمون التضحيات تلوالتضحيات في غياب أي دعم حكومي لهم ولأبنائهم،فافرحوا فقط أنتم إذن بعدم خروج هؤلاء التلاميذ للاحتجاج
زاد الله في فرحتكم وسعادتكم بتلاميذ القطاع الخاص وأمن لنا ولكم الأجواء دوما وأبدا
وأعود هنا إلى قصة ثلاثة آلاف تلميذ بسلا الذين انتقلوا من القطاع الخاص إلى القطاع العمومي والتي أكدها السيد العثماني أمام النظارة الكرام على قناة ميدي آن تيفي والقناة الأولى في "لقاء خاص" بث بداية هذا الشهر،لأربطها- في مفارقة غريبة - بالخمسة آلاف تلميذ الذين رصدوا وهم ينتقلون من سلا إلى الرباط العاصمة من أجل الاحتجاج على بقاء الساعة المضافة،معتبرا -في نظره- أن التقليص من عدد التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد يسير في اتجاه محاربة آفة الاكتظاظ.لكن،لم يذكرلنا السيد العثماني الدوافع الرئيسية التي قد تكون وراء هذا الانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع العام ،ألا يكون مرد ذلك إلى عدم قدرة العديد من الأسر المتوسطة الدخل على إعادة تسجيل أبنائهم بمؤسسات التعليم الخصوصي نظرا لارتفاع رسوم التمدرس بها وكذا لمعاناتهم من الارتفاعات المهولة في أسعار المعيش اليومي أمام التجميد الممنهج في الأجور والمعاشات منذ قدوم حزبكم إلى سدة الحكومة.بل هي قصة غبن -يا سيدي- تتحملها الطبقة المتوسطة التي اختارت مكرهة لا بطلة، الرهان على تدريس أبنائها بالتعليم الخصوصي في مواجهة تخلي الدولة عن التزاماتها تجاه دعم هذه الطبقة التي خففت عنها كثيرا من التحملات المادية والمعنوية بمؤسسات التعليم العمومي..ليس ترفا أو تفاخرا منها -فيما يبدو- عند معظم هذه الأسرالمتوسطة الدخل، ولو كان التعليم العمومي بنفس الأساليب وبذات الأنشطة الموازية وبنفس الشروط العلمية والتعليمية وبمحيط مدرسي واجتماعي منضبط والتي يحظى بها التعليم الخصوصي في معظمه ،لما توجهت هذه الأسر المتوسطة الدخل إلى المقصلة لتستسلم أمام ما جرت به الأقدار في بلدنا هذا من أجل أن تضمن لأبنائها مستقبلا مشرقا في التربية والتعليم
مرغم أخاك لا بطل،هذا ما ينبغي أن تسوقوه لنا في تواصلكم واجتماعاتكم
الغبن حاصل إذن من قبل الدولة في حق من اختاروا تدريس أبنائهم بمؤسسات التعليم الخصوصي كرها لا طوعا عملا بمقولة ابن العاص (مكره أخاك لا بطل) خاصة تلكم الشريحة الاجتماعية التي يزيد أو ينقص دخلها الشهري الصافي عن جوج فرنك التي بلغت شهرتها الآفاق أي 8000 درهم ، وهي المؤلفة من متقاعدي الدخل المحدود والمتوسط وموظفي ومستخدمي الطبقة المتوسطة الدنيا وصغارالتجارومن يماثلهم ، هؤلاء يبارزون وهم عزل من هو أعتى منهم وأصلب عودا ليس كحالة ابن العاص في مواجهة الإمام علي، يواجهون كل المصاعب الممكنة في غياب دعم ومراقبة الدولة وتخليها عنهم
كلما حمي وطيس المعركة من أجل ضمان مستوى تعليمي راق ذي مغزى
متطلبات وتكاليف سنوية وشهرية مرهقة وملزمة تضعها مؤسسات التعليم الخصوصي أمام أنظارهم وتزداد قيمتها كل سنة تقريبا دونما حسيب ولا رقيب حتى أضحى حال هؤلاء "الأيتام" وكأنهم في مأدبة لا يفوز فيها بعشائه إلا من كانت خالته في العرس حاضرة ...هكذا يضطرالمرتبون في فئة جوج فرنك أسفل أوأعلى من ذلك قليلا إلى الخضوع لشروط النمسا
التي تلتهم نصف الراتب أوأكثر من ذلك طوال المسار الدراسي لأبنائهم
هذه هي الحقيقة الصادمة التي يكتمها إعلام الدولة كقناة ميدي آن تيفي كلما تطرق إلى موضوع التعليم الخصوصي ، وبالمقابل أيضا يشكو أرباب هذه المؤسسات من غياب تدابير استراتيجية تخفف من العبء الضريبي عليها وتخلق قنوات دعم مالي أو عيني لهذه المؤسسات من قبل الدولة ومجالس المدن حتى تتمكن من خفض قيمة مساهمة الآباء في أداء رسوم التمدرس والأنشطة الموازية والنقل والتأمينات ونحو ذلك مما يقع على كاهل الأسر المتجهة بأبنائها إلى التعليم الخصوصي
وما ينكره إلا جاحد أو مكابرأن مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية قائمة هنا في ضمان تعليم ذي جودة وفق منطوق الفصل 31 من دستور:تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في
العلاج والعناية الصحية.
الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.
الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
أليس من حق هذا المواطن المتوسط الدخل وهذه المؤسسة التعليمية الخاصة إذن أن يسترجعا قسطا وافرا كله أو بعضه مما تحملاه عن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من تكاليف مالية هي المسؤولة عن دفعها والاضطلاع بمهمتها دستوريا مثلما هومعمول به في الدول الراقية التي لا تدفع مواطنيها كرها صوب التعليم الخصوصي بل توفر له تعليما عموميا ذي جودة قد يفوق مستواه ما يتوفر لدى من اختاروا هناك عندهم بوابة التعليم الخصوصي
يقودنا الحديث إذن إلى المآلات التي عليها طفولتنا المتمدرسة المنتمية إلى الطبقات الدنيا والمتوسطة في مجتمعنا ...هل تتوفر على الحقوق والمكاسب المتعارف عليها وفق المعايير الدولية في مجالات التمدرس والصحة الوقائية والعلاجية والتأمين والسكن والتعويضات العائلية الكافية لها والرعاية السوسيو-نفسية والحق في التمتع بكافة ضروريات العيش وكمالياته مثل ما هو معمول به في مختلف الدول التي تشبهنا أو تضاهينا اقتصاديا على الأقل
فمن الأمور البديهية والأساسية التي لابد أن تعمل "الحكومة العثمانية" بفضل جزء من عائدات الفوسفاط والثروتين البحرية والمعدنية وجزء آخر من المداخيل الضريبية على اختلاف أشكالها التي يؤديها المواطن ويتهرب أو يتملص من أداء بعضها أشخاص وشركات وإقرار العدالة والتوازن في الأجور بين كافة طبقات المجتمع بشكل عقلاني يتوافق مع حسن تدبير مدخرات البلاد واسترجاع ما نهب من مال عام والقطع مع مقولة "عفا الله عما سلف البنكيرانية" ، بهذا وبغيره من وسائل الدعم والتمويل يمكن أن نوفر لمثل هذه الشرائح الاجتماعية الدنيا والمتوسطة سبل العيش الكريم حتى يتمكن أرباب مثل هذه الأسر من مواجهة مصاعب الحياة، ومن هذه السبل التي نكاد نفتقد العديد منها ما يدعو إلى مساءلة الذات أمام العالم والتاريخ في وطننا الغالي
وفي الختام،أقول وفي القلب غصة،ما قالته عن التعليم في حياتنا،منظمة تيتش رايتس بموقعها على الشبكة العنكبوتية: الجهلاء يعتبرون أن العلم عبء ثقيل لا يستطيع العقل احتماله، إلّا أنّ ذلك خاطئ جداً، فقد اعتبر أينشتاين أن العلم هو سعادة الفرد، فالشخص المتعلم يشعر بقيمة المعرفة التي يمتلكها، وتجعله مشغولاً ومتعلقاً بها، لا بغيره من الناس، فكما قال أينشتاين: “إذا أردت حياة سعيدة فعلّق حياتك على أهداف لا على أشخاص”. يجعل العلم الإنسان فرداً ذو هدف بارز في هذه الحياة. يرفع العلم من مكانة الشخص الاجتماعية بين الناس، كما يغيّر من حالته الاجتماعية فالشخص المتعلّم يكون متميزاً بين الآخرين الأمر الذي يجعلهم يتقربون منه دائماً للاستفادة من علمه وحكمته. يصبح الفرد أكثر معرفة وخبرة في أمور الحياة، وهذا ما يجعله شخصاً متكلماً وذو لسان طليق، وكلما زادت كمية المعرفة الموجودة في عقل الإنسان فإنّه يكون أكثر قدرة على الحدث في المجالس ومناقشة الآخرين. بالنسبة للمجتمع، فإنّ العلم هو ما يصنع الأجيال الصاعدة التي تبني المجتمعات والأوطان، فالمجتمعات التي تملك المعرفة هي من أقوى المجتمعات وأكثرها هيمنةً في هذا العالم، كما أن هذه المعرفة تغير من ثقافة المجتمعات وحالتهم المعيشية من الفقر إلى الغنى سواءً أكان هذا الغنى بالموارد البشرية أو المادية