هل نجا المغرب من الربيع العربي حقا؟
عدنان وادي
يدخل المغرب في الشهور القليلة القادمة على صفيح ساخن يُهدد بتفجير الأوضاع كليا والعودة مجددا إلى نقطة الصفر أي نقطة 20 فبراير 2011, فلا الاوضاع السياسية الهشة تُبشر خيرا ولا الأحوال الاقتصادية البائسة ترسم تفاؤلا ,ولا المبادرات الاجتماعية المفتعلة تُقدم حلولا, ويبقى النفق في اخر المطاف يبدو للناظر بعين مُجردة مُظلما مسدودا ومخيفا في الوقت ذاته.
وإذا كانت ثورات الربيع العربي قد ضربت العام الماضي الجزء المقابل لنا من العالم العربي ,فهذا لا يعني مطلقا أننا في منأى عنها بأي حال ,فأوضاعهم كانت هي نفس أوضاعنا والأسباب التي أدت إلى قيام ثورة في بلادهم هي نفس الأسباب التي تعشش في بلادنا مذ أمد بعيد والتي أخرجت مئات الالاف من أبناء المغرب إلى الشوارع رافعين شعاراتهم وحناجرهم كذلك .
وقد يبدو للناظر البسيط الفهم على أن الوضع في المغرب على أفضل حال ,وأن الدولة قد خطت خطوات مُباركة في تثبيت ركائز الحرية والديموقراطية ,ولكن الذي يرى بعين الأرقام غير ذاك الذي يرى بعين الأوهام .
والحقيقة مُغايرة لذلك كليا, بل لن نبالغ إن قلنا أنها مُخيفة جدا وتُنذر بتفجر الأوضاع مُجددا ,خاصة مع بوادر تطفو على السطح تؤكد قرب فشل تجربة العدالة والتنمية في قيادة سفينة الحكومة,ولو تم هذا الأمر فإنه لا يعني فشل الحزب المغربي وفقط,وإنما معناه أن الدولة أصبحت في مأزق شديد ولن تملك الوقت الكافي للبحث عن بديل اخر أو بالأحرى عن ابن غير شرعي اخر
وقد يبدو لناظر اخر على أن المغرب قد اختصر الطريق عليه وارتأى أن يغزو مرة واحدة فقط,وقد كان ذلك في "غزوة الصناديق " تماما كما فعل .إخواننا المصريون قبل أشهر معدودة حينما غزوا "غزوتهم" الثانية بعد الأولى التي كانت بميدان التحرير "وغنموا" بعدها الرئاسة والحكومة.
وقد يبدو الأمر كذلك منذ الوهلة الأولى إذا ما نظرنا إلى أن حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" قد وصل إلى رئاسة الحكومة بأغلبية الأصوات ويُمثل أغلبية داخل البرلمان ولكنه في الحقيقة مُجانب للصواب ,لأن الحكومة المغربية ليست في بادئ الأمر بحكومة "إسلامية ",إنما هي خليط عجيب مكون من 3 تيارات مختلفة فكريا هي الإسلامية والليبرالية والاشتراكية,ولا أذكر أن التاريخ السياسي الحديث أو القديم قد شهد هذه السابقة التحالفية!!!.
ولو سلمنا جدلا على أن العدالة والتنمية هي المسيطرة على الحكومة بأغلبيتها فلن نُسلم أبدا من أن لها حكما فعليا على أرض الواقع وأن لها في دواليب الدولة قرارا ,وقد صرح رئيس الحكومة المغربية بملء فمه في حوار مع قناة الجزيرة الفضائية قال فيه على أن حكومته لا تملك القرار في يديها في أثنين من كبريات مؤسسات الدولة وهما الجهاز العسكري ووزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية!وتصريح كهذا يُعتبر في عرف الدول المتقدمة تصريحا خطيرا يهدد الحرية والديمقراطية بأكملها.فماذا لو بنى رجل عمارة عالية وضخ فيها أمولا ضخمة وفي النهاية وجد أن حراسها "رجال العسكر" يعملون تحت امرة سيد العمارة المقابلة ,وأنه لا ينفك يضرب زوار العمارة التي يحرسها ويهدم بين الحينة والأخرى بعضا من أجزائها هذا إن لم يكن يُفكر في الاستيلاء عليها وتقديمها كعربون محبة لسيده في العمارة المجاورة أو يتخذها مبنى له ليُصبح سيدا عليها بنفسه.
وقد يتكلم ناظر ثالث ربما يظهر على أنه أكثر معرفة وأكثر حرصا على الوطن ويقول أن بلادنا تختلف عن البلاد التي وقع فيها ربيع عربي لأنها ـأي تلك البلاد ـ قد أعدت بديلا ناجحا قويا سيُمسك بزمام البلاد ويحكم العباد مُباشرة بعد سقوط الجلاد,والمغرب لا يملك ذلك البديل,فهو لا يحتوي إلا على تيارات سياسية هشة ونُخب فارغة وعسكر ينتظر ان ينقض على الضحية عند أول فرصة.
وهو فيما قد طرحه هذا الطرف قريب من الصواب, ولكنه ليس الصواب كله, فالبناء السياسي قد يكون بناءا هرميا منظما وفق هياكل
مرسومة معلومة فيًصبح حزبا من الأحزاب وقد يكون كذلك مشتتا بلا هيكلة ولا تنظيم ولكنه يتميز بنوع من التأطير فيصبح دعوة أو فكرة أكثر منه حزبا .
فالتنظيم قد يكون هرميا وقد يكون فكريا وقد يجمعهما معا وذلك هو الأفضل, ولكن المتوفر في المغرب هو التنظيم الفكري أكثر منه الهرمي الذي رأينا هشاشته وضعفه في القوة والحجة.
وعلى أي حال فالمغاربة لم تصل مطالبهم بعد إلى إيجاد بديل, بقدر ما كانت مطالبهم تدعو إلى إصلاح سريع والمطالبة بملكية برلمانية تسود ولا تحكم وتترك الحرية وإتخاذ القرارات والمحاسبة عليها لحكومتها التي يرأسها رئيس الوزراء المغربي المنتخب من الشعب .
وعلى أي فأمام الدولة المغربية خمسة ملفات ضخمة عليها أن تجد لبعضها تحليلا وللبعض الاخر حلولا واقعية تقيها من ربيع عربي قد ضرب الجمهوريات العام الماضي وهو بلا شك قد يفتك بالملكيات هذا العام ,وقد تعمدت توجيه خطابي إلى الدولة المغربية بدل الحكومة المغربية لأني أعرف أن هذه الاخيرة لا حول ولا قوة لها.
أ ـ المكاسب السياسية الصلبة والهشة
يقسم علماء السياسة وخبراؤها المكاسب السياسية التي يحصل عليها السياسي إلى قسمين ,مكاسب سياسية صلبة وأخرى هشة.
فالمكاسب الصلبة فهي التي يستطيع الفاعل السياسي الدفاع والحفاظ عليها والأهم من ذلك العمل من خلالها ,فأما المكاسب الهشة فهي التي يقدمها الخصم للسياسي أو رجل السياسة لكنه يكون قادرا على استردادها وقت ما شاء وبالطريقة التي يراها مناسبة .
والناظر الجيد والمتتبع للأحداث السياسية الداخلية يعلم علم اليقين أن وصول العدالة والتنمية إلى الحكم والمكتسبات التي حققها الشعب تعتبر مكتسبات هشة لا صلبة تقدر الدولة وبكل سهولة على سحبها ومنعها وقت ما شاءت وكيفما شاءت .
وعليه فإن على الدولة أن تُقدم حلولا ناجعة عملية ومن جذورها ,وأن تقدم مكاسب صلبة يصعب عليها من بعد أن تستعيدها,ولذلك كانت تطالب تلك الجماهير بملكية برلمانية تسود ولا تحكم وتقدم كل امتيازاتها لحكومة تملك زمام الأمور وكل دواليب الدولة من التعليم إلى العسكر وتُحاسب على عملها بعد فترة ولايتها ويتقدمها رئيس الوزراء ويُنتخب من الشعب المغربي عبر صناديق إنتخابية حرة ونزيهة.
وإن الحلول الوهمية أو المرقعة لن تُبعد شبح الثورة عن المغرب ولن تطفئه أبدا,وإنما قد تسكنه للحضات فقط. وإن إختيار العدالة والتنمية ما هو إلا مكسب جد هش قد فعلت الدولة مثله مرة مع الاشتراكيين وكنت قد ذكرت يوما قصة حقيقة وقعت لا بأس أن أعيد التذكير بها فعندما وصل الاشتراكيون إلى الحُكم بقيادة الرئيس الاشتراكي متران ,خافت الدولة من تقارب وشيك جدا بين الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي المغربي اللذان يتشاركان في نفس الإيديولوجية ,مما قد يُشكل خطرا كبيرا على الدولة المغربية أنذاك ,مما حذى بالملك الراحل الحسن الثاني إلى إدخال الاشتراكيين إلى الحُكم وتكليف عبد الرحمان اليوسفي لقيادة الحكومة ,بعدها بأيام أخذ أحد قيادي الحزب الاشتراكي الفرنسي أنذاك وإسمه جوسبان ألان شانيل أخذ السيد ولعلو من بذلته وقال له نصيحة عجيبة مفادها "إذا كنتم ستنتظرون أن تكون الأمور في منتهاها فلن تصلوا يوما إلى الحكم,إن القصر لما عرض عليكم المُشاركة فلأنه في حاجة إليكم" "كتاب الحسن الثاني دال".
ب ـ داء البطالة
إنه أخطر الأمور وأصعبها ,فحتى الدول المتقدمة لم تجد لمشكل البطالة حلا جذريا فما بالنا بالدول المتخلفة "في الطور النمو دلعا" ,وقد زادت خطورة الربيع العربي أنه جاء في وقت أزمة اقتصادية,نقصت معه كثير من الاستثمارات وتقلصت فرص الشغل بشكل ملحوظ ,ومن المتعارف عليه أن زيادة البطالة يعني ضمنيا زيادة عدد العاطلين الذي بدوره يعني زيادة الاحتجاجات والمظاهرات في شوارع المملكة.
وزادت أزمة الدولة حين لم تعد البطالة مُقتصرة على خريجي الجامعات المغربية وإنما انتقلت العدوى بشكل كبير وواسع إلى المدارس العليا للمهندسين ,وهو ما زاد الطين بلة .والدولة لا تستطيع توظيف إلا عشرة في المائة من خريجي جامعاتها ومدارسها ويبقى القطاع الخاص غير المنظم يأكل أموال الضعيف ويملأ جيوب القوي وينخره الفساد من كل جانب وتُديره لوبيات أقوى من رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران.
إن أكثر ما يُرعب الدولة المغربية أن تتحول مطالب العاطلين من مطالب للبحث عن الشغل إلا مطالب سياسية أشمل وأوسع بعدما يتأكد لمجموع العاطلين أن الحل في مواجهة الفساد الوظيفي يجب أن يبدأ بحل الفساد السياسي أولا ,لأن الأخير هو لب وأب جميع أنواع الفساد الأخرى داخل الدولة.
وعلى أي فالدولة المغربية في مأزق ما بعده مأزق ,وعدد العاطلين المغاربة في ازدياد عاما بعد عام وتقلص فرص الشغل ومغادرة رؤوس الأموال والإسثثمارات الأوربية داخل الوطن يزداد يوما بعد يوم .
ج ـ معاناة الإسلاميين
إن الدولة وقعت في ورطة كبيرة لما أدخلت آلافا من الناس السجون بعد أحداث الدار البيضاء الأليمة عام 2003 وقد حددت الدولة عددهم في ثمانية ألاف معتقل ـ قيل 11 ألفا ـ ,ووقعت في ورطة أكبر لما أخرجتهم من السجن,فغالية المعتقلين لا يملكون شواهد علمية تؤهلهم للدخول إلى سوق الشغل والبحث عن فرص العمل و الذين يملكون تلك الشواهد قد خرجوا من السجن وهم يرون متطلبات سوق الشغل قد تغيرت كليا عن ما كانوا عليه قبل سنوات مضت.
وقد خسرت الدولة رهانها في ان تُدخل هؤلاء المعتقلين السابقين في حركات سياسية أو جمعيات معينة لأن فكرهم يختلف كليا عن هذا الفكر فبعضهم لا يؤمن به أصلا والبعض الاخر جاهل بأدبياته وقوانينه البسيطة فضلا على أن يُبدع من خلاله.
إن هؤلاء المعتقلين الإسلاميين هم بالمقارنة مع العاطلين أكثر وحقدهم على الدولة أكبر,لأن الأخيرة لم تمنع عنهم الارزاق وفقط ,وإنما سلبت منهم أغلى شيء قد يملكه المرء وهو الحرية.!
وقد أحس هؤلاء المساكين بظلم شديد من الدولة,فقد خطفتهم أمام منازلهم وعذبتهم في سجونها وضيعت لهم زهرة شبابهم لا لظلم ارتكبوه ولا لجرم وضعوه وإنما لفكر قالوه أو للحية أطالوها أو لثوب قصروه !!!!.
و الدولة هنا ليست في مواجهة هؤلاء الثمانية آلاف معتقل فقط,وإنما هي في مواجهتهم وعائلاتهم التي قاست نفس ظروف أبنائها داخل السجون من ظلم وإظطهاد وفقر واحتياج,ولا شك أنها قد حملت في قلبها ما حمله أبنائها على الدولة وقد أصابها شيء م
هشام الوجدي
ليس يبعد
اولا احيي صاحب المقال على موضوعه واسلوبه الجواب هو ان المغرب لم يفلت بعد من عجلة الربيع العربي لانها لازالت سائرة والطريق عندنا لم يصلح حالها بعد