التعاقد وجودة التعليم

التعاقد وجودة التعليم

خالد العمراني

استنادا لفلسفة الحكومة، فالتشغيل بالتعاقد وفق القانون  المؤطر لعمل المتعاقدين، جاء من حيث الشكل لرفع جودة التعليم من خلال رفع أداء المدرس. بمعنى أن فرض التعاقد= تخويف المدرس من إمكانية فقدانه لمنصب شغل= دفعه نحو العمل بجد وكفاءة. لكن هل ستأخذ المعادلة بالضرورة هذا الحل؟. خاصة أن القانون المؤطر الجديد لعمل المتعاقدين يمنح للمدراء مساحة واسعة كٱلية تقييم ومحاسبة إلى جانب المؤطرين التربويين، بالإضافة لدور القيادة والإدارة المسنودتين إلى هؤلاء. هنا تطرح أسئلة كثيرة: إلى أي حد سينجح هؤلاء المدراء  على اختلاف ثقافتهم وقناعاتهم وأمزجتهم وسلوكياتهم ونفسياتهم وجنسهم من أن يتعاملوا بإنصاف وبمسؤولية مع أفراد الطاقم التربوي؟ وكيف للمدراء من أن يلعبوا دور القائد والإداري تماشيا مع دور التقييم والمساءلة التربوية؟ وهل يمكن للقائد حسب اللمسات المعرفية الأخيرة للقيادة التي تجعل منه الوسيط والشريك والأخ والأب والمستشار وصلة الوصل، من أن يصبح بهذه الصفات هو كذلك حكما ومقيما يترتب عن تقاريره تنقيط وامتيازات مادية ومعنوية وربما طرد من العمل؟ واستنادا لعلم النفس فقط، فشخصية الإنسان قد تكون سوية أو قد تكون غير سوية تطغى عليها صفات العدوانية أو المشاكسة أو الخجل أو الاستهتار أو التعالي والتكبر والغرور أو التعالم أو النرجسية أو غير ذلك. فإلى أي مدى قد يطغى التعسف أو التوازن في علاقة المدير بالمدرسين؟ وكيف نمنع ارتقاء المدرس المتملق والمنبطح "البوحاطي" بدارجتنا على حساب المدرس العملي وصاحب الأنفة؟.

هناك سؤال ٱخر ملح: إذا كان التشغيل بالعقود استراتيجية وطنية، وربط الشغل بالأداء ضرورة ملحة. فلماذا تشمل فقط المدرسين؟ ولماذا لا يطبق نفس الشكل من العقود على القضاة والأطباء والمهندسين والجنود والشرطة وموظفي المالية وأساتذة الجامعات وغير ذلك؟. ألم يحول التوظيف بالعقود الأكاديميات إلى شركات خاصة في مجال التربية على غرار شركات الأمن الخاصة؟

قبل الإجابة عن بعض هذه التساؤلات، لابد أن نعرف أن قطاع التعليم لايزال في نظر الدولة بالوعة للمال ولا تنتج ثروة، وهذا بالفعل قد يكون صحيحا مادام أن خيرة الخريجين يهاجرون خارج البلاد ليهبوا معارفهم ومهاراتهم لمجتمعات لم تدفع فلسا واحدا في تكوينهم. ولكن السبب مختبئ بين أسطر التوجهات العامة للبلاد. فالبورجوازية المغربية لا تراهن على التصنيع أو إنتاج تقنيات رائدة، فتساهم بدورها في عملية البحث العلمي واستقطاب خيرة الأدمغة لشركاتها، بقدر ما تتزاحم هذه البورجوازية مع عموم الناس على إنشاء المتاجر والأسواق والمطاعم أو لبناء العمارات أو لاستغلال ريع المقالع. فرغم أننا نملك أطباء بارعين إلا أننا نستورد مقاقيص الجراحين وكل الآلات الطبية، وما ينطبق على الطب يمتد لكل المجالات. 

إن معادلة التشغيل بالعقود فيها إجهاز على مكتسبات الموظفين، والهدف هو تخفيض ميزانية التسيير، مما يعني توفير المال لخدمة الديون وتوفيره الإنجاز مشاريع في قطاعات أخرى ذات أهمية أكثر في نظر الدولة وذات مردودية أكبر. ربما تراهن الدولة أكثر على خوصصة التعليم مستقبلا أكثر مما تحقق لديها حاليا، وربما تكون نيتها معقولة لكن ٱليات الأجرأة هي المعرقلة. وهنا لابد من أن نتذكر فشل البرنامج الاستعجالي، وكيف فشل. 

 

أعتقد أن ضمان حقوق المدرس ضرورة ملحة مع رفح الإجحاف عنه  ومساواته بباقي الموظفين في الحق والواجب، وفي نفس الوقت لابد من مساءلته كميا ونوعيا. ولابد من رفع اليد عن التلميذ وعدم استثماره كوسيلة تخفي خلفها نوايا ومصالح كبرى. بخصوص التلميذ والمقررات أتساءل: لماذا مثلا لا يتم توظيف القيم الواردة في مادة التربية كالبر بالوالدين وحب الٱخر والإيثار في النصوص الوظيفية لمادة القراءة! فيتم ربح زمن مدرسي. ولماذا لا يتم تدريب مهارات المهننة كالطبخ والطرز والحياكة ومهارات أخرى كثيرة منذ السنوات الأولى عوض تدريس التلاميذ الفينيقيين والعصر الحجري! لماذا الإصرار على تلقين التلاميذ سور العذاب في الٱخرة عوض انتقاء سور أخرى ذات بعد إرشادي وسلوكي، وهنا لابد أن أتذكر كيف اعتذرت لتلميذة صغيرة سألتني عن معنى "اسلكوه" التي وردت في الٱية: "خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. صدق الله العظيم. لماذا مثلا، لا يتم طبع كتاب لكل فصل دراسي(أربع فصول في السنة)، بحيث يشمل ذلك الكتاب كل المقررات وحتى تمارين الدعم، وذلك تخفيفا عنه، وحفاظا على صحته وهو يحمل كل صباح حقيبة تكاد تعوج عاموده الفقري.

عدد التعليقات (1 تعليق)

1

محمد احنوت

التعاقد و جودة التعليم

لست في مقام يسمح لي بان انتقد استاذا كخالد العمراني، انما ليقيني بانه في مستوى النقاش و الكلام الموزون المبني على افكار معقولة مقبولة ومنظقية، ساقتصر في اظافتي المتواضعة على نقطتين اولا، مسالة مهمة جدا، و هي امكانية مساهمة الطبقة البورجوازية في الاستثمار المتعلق بمردودية التعليم، وهنا اطرح تساؤلا بعد سؤال جوهري اشار اليه صاحب المقال، ما هو المانع الذي يجعل هاته الطبقة الميسورة في بلدنا من استثمار حض من ثرواتها في مجال التعليم، واستغلاله في خلق و احداث شركات في شكل مصانع او معامل متخصصة في مجال الصناعات التحويلية وخاصة ما يزخر به بلدنا المغرب من ثروات سمكية ذات انتاج و جودة عالميين، اظافة الى ميداني الزراعة و تربية المواشي و الطيور؟ من ناحية تخلق تحولا نوعيا في نمو الاقتصاد و المنافسة الدولية، وهي قادرة على ذلك، توفر الطاقة البشرية و المواد الاولية او الثروات الطبيعية من خيرات المغرب،،، من جهة ثانية تستفيد الظبقة البرجوازية من هذه المشاريع المهمة التي بدون شك، هي مشاريع ضخمة، ناجحة و فعالة. علاوة على خلق فرص شغل نوعا و كيفا، من المهندس والفني الى اقل مستوى تعليمي و مهارتي، وحتى من لم يلج الحجرات الدراسية مثلا... البعد الاخر هو ارجاع الثقة بين مختلف الطبقات الاجتماعية كتوازن في مكونات المجتمع المغربي، و التخلص من هواجس الفقر والبطالة القاتلين... المهم يستفيد الجميع و تتحسن اوضاع اقتصادية واجتماعية و تتغير اشياء كثيرة... النقطة الثانية التي اشار اليها الاستاذ خالد مشكورا متعلقة بمنهجية التعليم فيما يخص المقررات و كيفية انتقائها بما يلائم مستوى التلاميذ لا من حيث اعتبارا لسنهم ولا من حيث توازنهم، فلماذا، كما اعطى الاستاذ خالد،يتم الاقتصار فقط على النصوص القرآنية التي تهم الترهيب و الوعيد؟ نحن لا ننكر ذلك لكن القران الكريم مليئ وغني بالترغيب كذلك، و به نصوص تربوية ذات قيم مجتمعية كفيلة بالتاثير ايجابا في سلوك و تربية النشأ، تربية متوازنة تعتمد على التخفيز والتحبيب في كل ما من شانه ان يصنع رجالا ونساء بشخصيات قوية و ذكية؟ انتهىت اظافتي، وشكرا

2019/02/25 - 09:31
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات