فئران لتجارب فاشلة
ح.عيياش
وطارت اللفتة مجددا، وهي تطير سقطت أرضا، بعد أن اصطدمت بواقع تعليمي مغربي أفقدها الجناحين، واقع يكرس الهشاشة وينمي الغباء، مدارس عمومية تتجه إلى تسليع المعرفة وجعل ثمن لها يدفعه أبناء الشعب المحكوم من كل الجوانب، فبعد أن تخرج على يدها علماء و مثقفين تمردوا فأصلحوا ما كان لها غير أن تضع حدا لتخريج المثقفين، و تغلق باب الثقافة علينا من حيث لا نحتسب، اللهم بعض الكتب التي توقظنا من حين لأخر من سبات أهل الكهف لعلنا نعقل؟؟؟
هي مدارس عمومية خاصة بأبناء هذا الوطن المكلوم، حاولوا وسعوا إلى تدمير هياكلها بدأت بتطبيق البيداغوجيا الفارقية وتقسيم أطرها التربوية فنجد أساتذة الزنزانة الذين حكم عليهم في سجن اليأس إلى أجل غير مسمى، والأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إكراها و فرضا من ظروف الغلاء الفاحش و القفزة التي يسعى اقتصادنا إلى القيام بها على حساب من لا درهم له، المرسبين الذين انتقموا منهم جراء تمردهم ...وغيرهم من الفئات التي تشتغل في مهمة التربية، التي لا تقبل التجريب ولا اللعب على أوتارها، جعلت لكل منهم وضعية مشكلة عليه أن يحلها في معزل عن البقية، ليليها مباشرة سوء اختيار المناهج التربوية والمقررات المشمئزة التي سعت إلى طبعها دون أدنى تشاور ولا احترام للثوابت والمبادئ الإنسانية والحقوقية التي تضمن التعليم الجيد للتلميذ بصفة عامة، وتركوا المدارس الخاصة لأبنائهم، لقد تجاوزت الحكومة بأركانها كل الحدود المسموح بها بما في ذلك الدستور العام للمملكة، في رؤية إستراتيجية ستمتد بنا إلى الجحيم وإحداث طفرة نوعية وثورة في مجال التعليم ولكن عن أي ثورة سنتحدث؟؟؟
هي ثورة نضال موحد للأستاذ المغربي كي يسترجع أبسط حقوقه في اختيار قناعته ومبادئه تجاه هذه المهنة النبيلة، في اختياره للغة التي بها سيوصل المعرفة إلى التلميذ، في اختياره للنصوص التي بها سيرسخ حب العلم في أذهان التلاميذ، في ضمان استقراره النفسي والمهني لينتج، ثورة تنادي بزرع حب الوطن فيه، كي يغرسه في قلب التلميذ، ثورة تتمرد على كل من يسعى إلى المساس بأخلاقيات مهنة لا تتحمل أن تتعرض للذل والهشاشة ولا يمكن لها أن تتأسس على واقع استعماري تابع لفرنسا يستجيب لأوامر صندوق دولي هم من أفرغوه دينا، ولن نقبل بدفعه؟
هي صرخة تلميذ مغربي يرفض أن يعيش على طريقتهم، تلميذ يريد أن يجتهد ليصير ذا شأن، لا دون شيء، تلميذ يريد أن يؤجر على تحمله شقاء الوصول إلى مقاعد الدراسي، على قطعه الكيلومترت في الشتاء والصيف ومعاناة الطريق والأهل وتشققات يده من البرد، تلميذ قصد الدراسة ليعرف الله، و ليتعرف على الوطن ويحبه، يريد أن يكتشف لما المدرسة بعيدة كل هذا البعد، لماذا كلت أنامل والديه من الدريهمات المعدودة، ولماذا لم يقدر على ارتداء الملابس الجديدة في الأعياد مثل البقية، صرخة ستنمو فيه داخله وهو لا يزال صغير، لتصير قنبلة وهو في عز شبابه بعد أن يكتشف أن ظهره تقوس من حمل محفظة مليئة بكتب منحته العجز وربت في التمييز والشعور بالنقص، وهو لا يزال يخطئ في ترديده للنشيد الوطني ولا يحفظ من كتاب الله إلا القليل ولا يعرف من عباداته غير الصلاة و هو قد عرف أنه خارج حلقة الوطن، فاقد لأبسط حقوقه في التشغيل والصحة...ليصطدم برسالة تجنيده إجباريا بدل رسالة عمل، تجنيد سيرغمه على حب وطن لم يبادله غير الكره والقذف في غياهب البطالة والتشرد والفقر ومتاعب بسببها فقد الكثير...
هي غصة أم مكلومة، تنداح في صدرها وتزيدها حرقة على ابنها الذي اختار أن يحارب الموت في قوارب أراد أن يعبرها في سن صغيرة، كي ينسى الم وطن هو من وخزه، أجبرته الظروف على أن يغترب بعيدا عن حضن عائلة لا تزال تحتقر ظروفها البئيسة التي كانت السبب وراء هجرة أبنائهم تلاميذ لا يزالون في عز نموهم وتكوين شخصيتهم في وطن ضغط عليهم من حيث يتألمون، في عيون ذاك الأب الذي أتعبته الأيام و شنقته وهو حي وفي تلك الأم التي أسقطها المرض واستسلمت لأنها لا تملك ثمن المستشفيات، في عيون أولئك الأطفال الذين يحتضرون وهم عاجزين عن الحركة، عن إيجاد حل لهذا التعب الذي يحيط بهم من كل الجوانب.
لقد طفح الكيل ووصلنا لزمن يضرب فيه الأستاذ لأنه علمهم ذات يوم كيف يصطادون الأسماك، فاصطادوه أولا، حين أفقدوه كرامته وكرامة مجتمعه الفقير، احتقروه لأنه من الفقراء الذين تحدوا وعانوا من أجل مدرسة يتعلمون فيها، إحساسه بمسؤولية التربية والتعليم زرع فيهم الرعب كي لا يعلمهم كيف يصرخون من الألم والوجع. يهابون الصراخ، وصرنا جثثا ونحن على قيد الحياة، يلعبون بأرزاق لم يكتبوها محاولين السطو عليها في الوقت الذي حان فيه الوقت ليقف الجميع، كل من مكانه ويتساءل أين نحن مما يحدث؟ وهل نتحمل مسؤولياتنا أمام هذا الظلم الذي أصبحنا نصادفه؟؟
فرفقا بيوم حساب لا مفر منه...وكفانا من تجارب لا تزيد الطين سوى بلة.