مشكل الأساتذة المتعاقدون؟بين الحل وفرض الأمر الواقع؟
سعيد صابر
يبدو أن مشكل الأساتذة المتعاقدين لم يُفرج عن كل أسراره ، و لا يبدو أن هناك حل واقعي يرضي جميع الأطراف يلوح في الأفق القريب، و ما الإضرابات التي نادت به التنسيقيات المناهضة لمشروع التعاقد إلا نموذجا بسيطا لما هو قادم في الأيام المقبلة.
لا داعي للتذكير بمشكل الأساتذة المتعاقدين ، فمن كثرة استهلاكه أصبح مثل مسلسل تركي ، الكل يعلم تفاصيله، لكن المشكل ليس في التفاصيل ، بل في : هل هناك حل للمشكل ، أم أن سياسة "العصا و الجزرة " التي تحاول الدولة في شخص حكومتها نصف الملتحية هي ما تبقى لها لنيل رضا " البنك الدولي " و إملاءاته، قبل نيل رضا و قبول الأساتذة المتعاقدين بالحلول المقترحة من طرف الحكومة؟
في الأيام الأخيرة الماضية ، نظم السيد وزير التربية و التعليم ندوة سلَّطَ فيه الضوء على آخر المستجدات في القطاع التعليمي ، و ما يُحْسَبُ له أنه كان واضحا ،بما لا يدعو للشك ،أن العمل بالعقدة هو اختيار حكومي لا دخل له فيه، و أن من يريد أن يجره إلى قطع وعود لا قِبَلَ له بتنفيذها أن يبحث عن شماعة أُخرى لذلك، و أنه لن يكون الفم الذي سيُؤْكل به الثوم، بل أضاف أن هذا الإجراء سيتم تنزيله في قطاعات أخرى أهمها "قطاع الصحة". لذا فالحكومة ووزارات أخرى هي المُلْزَمة بالإجابة عن هذا الأمر و ليس سيادته.
و بعيدا عن إشكالات هل هذا النظام فُرِضَ على المتعاقدين ، أم أنهم جاؤوا إليه بمحض إرادتهم، فهذا لوحده إشكال قانوني و أخلاقي يحتاج لمجلدات قانونية لدعمه أو دحضه. سنحاول قراءة ما بين السطور لمسيرات و اعتصامات الأساتذة المتعاقدون ، و نقارنها بتدخلات الأمن العنيفة التي رافقتها ، و هل روايات كل طرف تُعبر فعلا عن الواقع أم أنه كما يقال : هناك دائما وجهان لنفس القصة.
منذ قيام الأساتذة بمسيرة بالرباط في اليوم الذي وافق ذكرى تأسيس حركة " 20 فبراير" ، و التدخل العنيف الذي قوبلت به ، و المُوَثَّقِ بالصوت و الصورة ، و الأمور أخذت مَنْحًا خطيرا، فالأساتذة دخلوا في عصيان ، و لم يُوقعوا الملحق الذي يجمعهم بالأكاديميات و اعتبروه بمثابة نظام " للسخرة" في القرن الواحد و العشرين. كما أنهم يخوضون إضرابات متواصلة قد تهدد مصير الآلاف من التلاميذ الذين يرون أنه من الممكن أن نتكلم على " سنة بيضاء".
و في نهاية الأسبوع الماضي، قدمت الحكومة على لسان الوزير عدة مقترحات لإيجاد حل لهذا المشكل ، لكن الملاحظ أن بلاغ الوزارة هو صك اتهام في حقها، لأنها تقول أنها ستراجع مجموعة من النقائص يتخوف منها أطر الأكاديميات مما يعني أن احتجاجاتهم لديها ما يبررها. و أن كل ما سبق التأكيد عليه من طرف الوزير أو الناطق الرسمي بالحكومة لم يكن إلا ذرا للرماد، و أن هناك ما يطبخ و ما يحاك ضد المدرسة العمومية من هدم منهج لصالح التعليم الخصوصي و رفع اليد عن الادماج في الوظيفة العمومية بصفة عامة.
الأمر الذي لا يستسيغه أي شخص يحترم حقوق الإنسان- تحت أي ظرف كيفما كان- هو أنه لا يمكن تجاهل أن المُعنَّفِينَ هم قادة الشعوب ، أحَبَّ أو أَبَى من يشاء، و أن التعنيف لم و لن يكون الحل الأمثل لوقف الاحتجاجات، و حتى و إن ركبت بعض الجهات على ظهر الاحتجاجات لتمرير بعد الرسائل المشفرة للدولة ، فإن الدولة هي المخطئة ، فبمقاربتها الأمنية القمعية تُعطي مبررا لهذه الجهات للطعن فيها و تصويرها لدى المنتظم الدولي على أنها تقمع الحريات، فلا يمكن بتاتا القبول بمشاهدة المئات بل الألاف من الأساتذة يُسْحلون و يُضربون و يُشتمون بأقبح الألفاظ و الصفات و تنتظر منهم أن يسكتوا ، لا يُمكن بتاتا القبول بأن تتعرض الأستاذات لكل هذا التنكيل لمجرد أنهم عبروا عن عدم قبولهن لإجراء حكومي قد يتغير في يوم من الأيام لأي سبب من الأسباب. و أكيد أن الجهات التي ترى فيها الدولة و الحكومة أنها تحرك أصحاب المشكل من وراء الكواليس – إن كانت فعلا تدير المشهد و أن الأساتذة و التنسيقيات مجرد قاصرين كما يُحاول بعض الصحافيين المعروف انتماؤهم للحكومة تصويرهم- ستجدها فرصة أعطتها لها الدولة على طبق من ذهب لتؤكد أننا لازلنا بعيدين عن أجواء الديمقراطية و الحق في الاختلاف و التدافع السياسي المحمود الذي تنادي به الدولة و تُطبل له الحكومة ليل نهار طمعا في البقاء في الكراسي التي استطابوا نعيمها. و الدليل أن هذا المشكل عُرِضَ على أكثر من قناة أجنبية ، و أكيد أن الدولة خسرت من مصداقيتها الكثير.
نأتي للحل الآن، لا يبدو أن الأساتذة و الوزارة قد وصلوا إلى حل وسط، فالحكومة في شخص وزارة التربية الوطنية تحاول كسب وقت إضافي و محاولة تجويد بنود العقد لما يعتريها من نقائص، أقبحها ما كان يسمح للأكاديميات أو المديريات بفسخ العقد من طرف واحد بمجرد ان يُخل الأساتذة بجزء من التزاماته بناء على تقرير أفراد – ربما يكونون غير أسوياء أو حقودين- و منهم عدد كبير في الميدان. و بلا أدنى مراعاة لحقوق الطرف الأخر باللجوء إلى مسطرة الدفاع عن نفسه و تقديم المبررات.
بينما يرفع الأساتذة الآن شعار " الإدماج أو البلوكاج" مهددين بمقاطعة الامتحاناتالشهادية ، مما يعني حرمان الألاف من التلاميذ من حقهم في تعليم جيد و منصف،و ضياع سنة دراسية من عمرهم دون استشارتهم. و رغم أنني لا أحبذ أن يكون التلاميذ طرفا في النزاع الحاصل، لكن تلميذ اليوم هو أستاذ الغد، فدفاع الأساتذة اليوم عن حق الإدماج، هو دفاع عن التلميذ غدا في الحصول على وظيفة قارة، خاصة أبناء الطبقات الفقيرة.
إلى حين التوصل إلى حل يُرضي الطرفين، لابد في الختام من التذكير بأمرين جذبا انتباهي خلال عرض هذا المشكل:
الأول: نجاح الدولة في التفريق بين الأساتذة و الزيادة في الشرخ الموجود أصلا في الجسم التعليمي، فهناك تنابز و تصادم بين الأساتذة المرسمين و المتعاقدين، فالبعض من الأولين يتهم المتعاقدين بقبول العرض منذ البداية و لهذا لا يحق لهم الاعتراض عليه الآن و بكونهم لا يملكون الكفاءة التربوية للقيام بالتدريس لأنهم لم يحصلوا على تكوين جيد، رغم أن هذا الأمر غير صحيح بتاتا ، و حتى إن كان كذلك، فالمسؤول هو الحكومة وليس هم، لأنهاهي من أدمجتهم في القطاع دون تكوين. على الجهة الأخرى ، الأساتذة المتعاقدون يلومون المرسمين بخيانتهم و خوفهم من الاقتطاع و عدم مساندتهم في احتجاجاتهم ويشجبون تلك النظرة الفوقية التي يرونها من خلالهم." لا أعمم " . و هذا الأمر يُمكن ملاحظته بصورة و اضحة في التعليقات الموجودة على صفحات المواقع التعليمية و ما أكثرها . فهل بهذا الانقسام يمكن تحقيق المطالب؟
الثاني: إذا استمرت الدولة في تعنتها , و استمرت في نظام التعاقد، فبعد سنوات قليلة ، سيصبح عدد المتعاقدين أكثر، و إذا خرجوا للاحتجاج ، فالمطالب سيعلو سقفها ، و ستضطر الدولة لإدماجهم مرغمة ، كما أن هناك تخوف مشروع، ففي إطار الجهوية الموسعة أو المتقدمة- سَمِّها كما تشاء- كل أكاديمية ستستقل بمواردها البشرية، و إذا أخذنا بعين الاعتبار رفع الدولة يدها عن كل القطاعات الاجتماعية، فليس من المُستَبْعد أن تَخرج علينا- الدولة- يوما لتقول أن لاوجود للمرسمين ، و على الجميع توقيع عقود مع الأكاديميات الموجودين على ترابها في إطار الحكامة و العدالة الاجتماعية. و عندها هل سيخرج المرسمون للاحتجاج أم سيقبلون بالأمر الواقع؟