هكذا تكون حرب العقلاء

يحيى الحومي

 

 

في كل الديانات السماوية والوضعية، وعبر مختلف العصور، تواجدت حركات التطرف بمختلف تنوعاتها الإيديولوجية، بمن فيها الإسلامية، او بالأحرى من تدعي التمسك بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف. هذه الحركات المتطرفة، التي تفسد ولا تصلح ، كانت دائما وراء كل فتنة عمت، ووراء كل شر ساد بين شعوب العالم ككل. فهؤلاء الشرذمة القليلون، هم من خلقوا الحروب النفسية والإيديولوجية، والعسكرية بين الناس ومزقوا كل ممزق شمل الأمم، ليحارب المسيحي، أو اليهودي، أو المسلم، بعضهم بعضا ، ويقتل بعضهم بعضا. وهم من خلقوا وهم العداوة بين المسلمين وباقي شعوب العالم، خصوصا اليهود. أوليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو من علمنا، بسلوكه قبل اقواله، كيف نتعايش مع المسلمين وغير المسلمين، دون فرق ، أو تمييز بين هذا أو ذاك؟ أليس هو الذي مات ودرعه في عهدة يهودي؟ أوليس هو من أوصى بعيادة الجار والبر به ولو كان يهوديا؟ آلالاف الأمثلة يمكن الإستدلال بها في هذا الباب، إلا المقام غير مقام دعوى، بقدر ما هو مقام توضيح لبعض الملابسات.

 

كمسلمين، اعتدنا حروبا نفسية موجهة، من فئات متطرفة لا تمثل في المنظومة الدولية غير نفسها، ولو تعددت مسمياتها وتغير موقعها الجغرافي. الشيء الذي لا يعطي لأحد الحق في التعميم مطلقا، فلو كان الصهاينة هم من سلبوا غدرا وظلما حق الفلسطينيين المشروع في أرض الإسراء، وقتلوا منهم الشيوخ والشباب والأبناء، لا يعني هذا ان كل اليهود وجب معاداتهم ومحاربتهم أينما وجدوا؛ فشتان ما بين هذا وذاك، وما الصهيونية إلا منظمة يهودية عنصرية متطرفة، ذلك أن ليس كل اليهود يوافقونهم في ما يفعلون، حتى أن معظمهم صرح في لقاءات رسمية مسئولة بموقفهم من هذا التطرف الذي لا يمثل اليهود مطلقا،و صدق من قال أن الإرهاب أو التطرف لا دين له.

 

مؤخرا، وكما جرت العادة، وبحثا عن الشهرة البديئة، اعلن احد الاقباط نشره لفيلم مسيء لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الشيء الذي خلف موجة غضب عمت معظم بقاع الأرض، وتفاوتت في حدتها وتغيرت في أشكالها مابين خرجات سلمية حضارية، الى أخرى عاصفة تدمر كل ما أتت عليه.

وللأسف،، وخدمة لمصالح خاصة، قام العديدون بمحاولة لنشر افكار خطيرة تعمم الحدث الخاص الذي قام بفعله شخص ليصبح حجة للدخول في معركة معاداة للأمريكان حكومة وشعبا. والمخزي في الأمر انه قبيل ايام قليلة من نشر هذا الفيلم، اختفى مخرجه، ليظهر في محكمة لوس انجلوس الامريكية ليواجه نتيجة أفعاله، ولتأخذ معه العدالة مجراها الطبيعي. فلما اذن قتل اناس ابرياء لا علاقة لهم بالشخص الفاعل للجريمة المعنوية لا من قريب ولا من بعيد؟ أي عاقل يقبل بمثل هذا التعيميم الذي يروج له؟ أوليس كان الأولى، لنا نحن كمسلمين، ان ننتصر للرسول " بأخلاق الرسول" كأن نعرف به، وأن نقتدي به، وأن نهتدي بهديه؟ لماذا اذن نكذب على انفسنا، في محاولة للكذب على التاريخ، أننا فعلا نحب محمدا رسول السلام؟ في الحقيقة، إننا ابعد من ان نحبه بعد المشرق والمغرب..وصدق الشاعر حين قال ان المحب لمن يحب مطيع..أم هي شعارات ترفع لتحقيق مصالح متطرفة لمنظمات متطرفة وتحقيق اجندات أعد لها في الكواليس مسبقا، لنكون نحن فقط كبش الفداء حيث نتبع ما يتلى علينا اتباع العميان؟

 

إن الشعب الامريكي في غالبيته يعارض وبنبذ التطرف، وكل شعوب العالم الحرة تنهج نفس النهج. وإن الذي حصل ولا يزال يحصل، في محاولة بذيئة لمؤسسات اعلامية للنجاة من عجزها المالي بنشر صور مسيئة للرسول ، ليتطلب منا نحن الشعب المسلم ان نتحرك جميعا لنصد الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة، هكذا هي حرب العقلاء. ولا يفوتني أن أنوه بالشعب المغربي الأصيل، الذي كان دائما السباق في إعطاء النموذج الحسن لشعوب العالم في التعامل الحضاري مع القضايا الحساسة، حيث وفي لفتة أثارت ضجة في الوسط الأمريكي قام عدد كبير من الشباب المغربي الحر بمسيرات سلمية في مختلف مدن المملكة وأداء صلاة جماعية "رمزية" أمام مقر السفارة الامريكية ، بشكل فعلا إستحق ما لقي من إشادة شعبية أمريكية واسعة، وحبب اكثر في هذا الشعب الذي لا يعرف غير لغة السلم منهاجا وتوجها والتاريخ مليئ بنماذ مشرفة في ذلك، ويكفي ان نذكر حدث المسيرة الخضراء الذي وقفت له كل شعوب العالم تحية وإجلالا. كذلك موقف استاذة مغربية بإحدى الجامعات الأمريكية،بالعاصمة بواشنطن، والتي قامت بعرض فيلم وثائقي يعرف بالرسول محمد ويدحض الذي تدسه وسائل الإعلام أو تحاول الترويج له من ترهات وأكاذيب لا تمت للواقع الإسلامي بصلة؛ حجة بحجة، والذي توج كذلك بحوار موسع مع طلبة وأساتذة جامعيين، التجربة التي تنتظر ان تعمم في مختلف الجامعات الامريكية لتكون اول الغيث في نصرة الرسول أولا وثانيا في التعريف بالإسلام دين التسامح والأخلاق والعلم والقيم المثلى، وليس دين العصبية والحمية الجاهلية والإرهاب.