إصلاح الجامعة ومنظومة البحث العلمي
عبد الله أموش
يفترض في الجامعة أن تكون الفضاء الأرحب للبحث العلمي، بشروطه العلمية المتعارف عليها عالميا. وأن تكون المصنع الأساسي لصناعة النخبة المثقفة العالمة العاملة، والمؤهلة لتحمل مسؤولية إدارة الشأن العام.
ويعول على الجامعة لتكون القلب النابض لمجتمع المعرفة، ومقياس تقدمه وتطوره، وقاطرة نموه. وأن تكون الفضاء الرئيسي لإنتاج المشاريع المجتمعية، التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع، وأن تساهم في صياغة العقل الجمعي للمجتمع – فكل هذا مأمون، ومما يجب أن يكون.
ويحول دون هذا التصور العلمي والعملي للجامعة، ما اعتورها من عوامل عدة تضافر فيها الموضوعي بالذاتي ليسلبها مركزيتها، فذهبت عن الجامعة نتيجة ذلك صفتها الأكاديمية، وتحولت إلى فضاء للاحتراب والنزاع، وعزفت الجماهير الطلابية عن العمل المنظم، وعن التأطير النقابي، وتغيرت نظرة المجتمع لها، ولا يجب أن ينسينا الخوض في تلك العوامل، الإشارة إلى دور الدولة في تحجيم الجامعة.
ويتوجب اليوم على المجتمع والطلاب والدولة إذا توفرت عندهم الإرادة السياسة، إصلاح الجامعة كأولوية أساسية للنهوض والتقدم، والتيقن بأن البحث العلمي أساس كل تنمية، وبأن أي إصلاح مجتمعي يستثني الجامعة من برامجه لن يكتب له النجاح.
ويقتضي هذا الإصلاح اتخاذ جملة من الإجراءات:
أولا: وضع مخطط استراتيجي بعيد المدى للدولة، تكون فيه المركزية للجامعة، ليكون ذلك الإصلاح إصلاحا شاملا تكامليا، عوض الإصلاحات الجزيئية والاستعجالية التي تطبع اليوم عمل الدولة. وهذا الأمر يعرف تنافسا كبيرا بين الدول، خصوصا بعد التحاق دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ودول إسلامية (ماليزيا وتركيا وإيران) بدول أمريكا وأوروبا وإسرائيل في وضع مخططات إستراتيجية بعيدة المدى أساسها المعرفة والبحث العلمي.
ثانيا: الرفع من إجمالي عدد الطلاب الذين يلجون الجامعة إلى حوالي المليون ونصف المليون، مع السهر على تحسين وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية.
ثالثا: إنشاء جامعات وكليات في جميع مدن الدولة، تأسيا بالدولة التركية، مع توفير الوسائل الأساسية واللوجستيكية لتفعيل منظومة البحث العلمي.
رابعا: النص في النصوص الأساسية للدولة، على حرية البحث العلمي وحق الإبداع الأدبي والفني والعلمي، مع الجرأة في تحمل مسؤولية ما يوصل إليه البحث العلمي من نتائج.
خامسا: حفظ استقلالية الجامعة ومراكز البحث العلمي، وتخصيص ميزانيات مهمة لدعم البحث العلمي، واعتماد اللغة الوطنية في نشره، مع توفير بيئة حاضنة له.
سادسا: يتوجب على الطلاب من جهتهم الالتزام بالحوار الديمقراطي لإدارة الاختلاف، وترك منطق الاحتراب، وتعويض فكرة القوة بقوة الفكرة.
سابعا: يتحتم على الفصائل الطلابية تجديد وسائلها وآليات اشتغالها، والسعي إلى رفع نسبة تأطير الطلاب وتمثيلهم.
ثامنا: يتوجب على الجامعة الموازنة في التخصصات عوض السعي وراء مهننة الجامعة كليا، مع الحرص على إلغاء سياسة التلقين والحشو، والإسراع في فتح مسالك الماستر والدكتوراه بشكل واسع.
تاسعا: ينبغي من جانب الأساتذة الجامعيين الرفع من مستواهم العلمي والتكويني، لتجاوز النسب الهزيلة المسجلة عندهم في ميدان التأليف والكتابة والإبداع.
عاشرا: يقترح المفكر المغربي -من ضمن ما يقترح- انخراط الطلاب في برامج محاربة الأمية، عوض البحث الذي يقدم في نهاية المسار الجامعي، وذلك من أجل القضاء على الأمية في أقل من 10 سنوات.
حادي عشر: يجب أن تلتزم الدولة بإنشاء مدينة للعلوم التكنولوجيا، على غرار مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، تكون أساسا لدعم المواهب ويكون تمويلها شعبيا، مع دعم من الدولة.
ويتوقع أن يستمر التخبط في الدول العربية والإسلامية، ما لم توجد إرادة سياسية لوضع مخططات إستراتيجية يكون صلبها البحث العلمي والإصلاح الجامعي. ويزيد ذلك التخبط إقرار برامج استعجالية وظرفية. وما لم يوفر المجتمع المحيط العام والبيئة الخصبة للبحث العلمي، لا يمكن الفلاح في إقامة مجتمع المعرفة، ولا النجاح في اقتصاد المعرفة الذي ينبني عليه حوالي 70 في المائة من اقتصاد العالم حسب أحمد زويل العالم المصري الحائز على جائرة نوبل في الكيمياء.