إيران ومدى قدرتها على الصمود في وجه الزوابع السياسية
عبد اللطيف مجدوب
معطيات ميدانية
استبيان الأوضاع السياسية الدولية بات أمرا محفوفا بعدة محاذير ؛ على رأسها ندرة المعلومة الموثقة الوظيفية التي هي في أغلب الأحيان ملك لأمهات المصادر الإعلامية الدولية التي لا تفرج عنها إلا عبر صفقات وتعاقدات من جهة ، ثم تضارب الآراء والتي تغذيها إيديولوجيات معينة موالية لهذه القوى أو تلك ، من جهة ثانية .. لكن هناك وقائع ميدانية ، هي بمثابة مؤشرات تصلح مدخلا للتحليل الإعلامي ، منها على سبيل المثال القوات العربية المسلحة المرابطة بالأردن ، كان قد تم إنشاؤها ؛ منذ أكثر من سبع سنوات غداة " التهديدات " التي كانت تستشعرها دول الخليج حيال إيران ، ثم النزاع السعودي اليمني الذي أصبح محل قلق السعودية وجيرانها ؛ وأخيرا غطرسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ذهب به الانجراف لخطاب إسرائيل درجة تهليله لكل المخططات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط ؛ كان بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ، أو بتهويد القدس ، أو بإضفاء الصبغة الشرعية على احتلالها لهضبة الجولان السورية .
أمريكا فقط تحرك مبيعاتها من الأسلحة
يبدو جليا ؛ وفي أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ؛ أن أمريكا أصبحت تجاهر السعودية وباقي دول الخليج بابتزازاتها مرة تلو أخرى ، أو تكشف لها عما سيؤول إليه مصيرها إذا هي تخلت عن الحماية الأمريكية مقابل مليارات الدولارات ، حتى أصبحت ترى فيها البقرة الحلوب ، للاستزادة من تسوقها العسكري وطلب الحماية اللوجيستيكية في المنطقة ، حتى إن الحادث "العرضي" بتفجير مصفاة الفجيرة مؤخرا ، دفع بالسلطات الإماراتية إلى طلب عون أمريكي في "التحقيق" في الحادث .. فقط لإشباع نهمها من البترودولار .
إننا أمام وضع سياسي معقد ؛ قد يفضي إلى اصطدام مسلح أو حرب خاطفة/ذكية ! وأمريكا ومن ورائها ربيبتها إسرائيل تريد من السعودية وباقي دول الخليج أن تخوض حربا بالوكالة مع إيران بغرض ضرب عصفورين بحجر واحد ؛ إغناء الخزينة الأمريكية بمبيعات الأسلحة ثم الوصول إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية .
الحرب وتهديد مسالك التجارة الدولية
لا أمريكا وحلفاؤها الغربيون ، ولا روسيا وتقاربها مع الجناح الآسيوي ؛ الصين وكوريا الشمالية ، بوارد الآن خوضهما حربا تحت أي غطاء ، لكنهما يراهنان على قضية بيع الأسلحة وتجريب المتطورة منها ، وحصول كل طرف على امتيازات عدا إعادة تقييم العلاقات والشراكات بينهما ، وفوق هذا وذاك ، جميعهم يروا هذه الحرب جد محدودة ودقيقة الأهداف ؛ قد لا تستغرق في مداها بضعة أيام لتعود حركة الملاحة شرق أوسطية إلى مسارها الطبيعي .
الحسابات في الحرب دوما مخطئة !
مهما بلغته التكنولوجيا العسكرية من دقة وتطور وحسم في الحروب ؛ فلن يتمكن المهندسون والمخططون الاسترتيجيون لها من الإمساك بكل خيوطها الدقيقة إلا في إشعال فتيلها ، لكن في إخمادها تظهر عناصر جديدة قد لا تكون واردة في الحسبان ، سواء تعلق الأمر بإيران وأذرعها على شاكلة حزب الله بلبنان والتنظيمات الشيعية في العراق أو اليمن .. ولا أحد بقادر على التكهن بردود أفعالها ومداها ، حتى ولو كانت هذه المواجهة "خاطفة" .
ماذا يعني نداء السعودية إلى عقد قمتين ؟
تبعا "للدعوة السعودية" لهاتين القمتين ؛ وكما جاء في البلاغ ؛ فقط ستخصص لتدارس الهجمات الأخيرة على منشآتها النفطية .. لكنها في العمق دعوة "الأشقاء العرب" إلى تجديد تضامنهم مع الدولة السعودية والذي سيتجاوز ؛ في هذه القمة المرتقبة 30 مايو الجاري الإطار الدبلوماسي إلى إطار "الدفاع العربي المسلح المشترك" ، طالما أن معظمها تربطها بالسعودية علاقة "أعضاء الجسد الواحد" ، فضلا عن المساعدات المالية والدبلوماسية التي ما فتئت تتلقاها منها كل وقت وحين .
وقد يمكن أن ينجم عن هذه القمة "تحالف عربي سعودي" جديد ، والذي من خلاله سيمكن أمريكا من استدراج السعودية وباقي دول الخليج إلى قناعة راسخة بأن إيران أصبحت تشكل تهديدا مباشرا لها ؛ على واجهتين اليمنية وبحر الخليج .