التركيبة والسياسة الجبائية الملائمة للنموذج الاقتصادي الجديد بالمغرب
محمد كريم
منذ سنوات الثمانينات والنظام الجبائي المغربي يتخبط في سيرورة إصلاحات متتالية، أهدافها الرئيسية بلورة نظام جبائي معاصر منسجم، ناجع وعادل. هذه الأهداف مجتمعة مع مرور الزمن أفقدت النظام الجبائي مقروئيته وجعلته نظاما معقدا لدى المستثمرين الخواص وعائقا لتطور أنشطتهم. إضافة إلى ذلك كان لتعدد الإعفاءات الضريبية والأنظمة الجبائية الاستثنائية معاكسة هذه الأهداف. وتجدر الإشارة إلى أن الامتيازات الضريبية، كما هو معترف به دوليا وعلميا تخلق خللا في إعادة تخصيص غير فعال للاستثمارات والموارد.
ففي سياق إعداد تصور مغربي للنموذج التنموي الجديد بمكونه الرئيسي الذي هو نموذج نمو اقتصادي مستدام عدة أسئلة ملحة ذات طبيعة جبائية نطرحها في الموضوع وهي أسئلة تحدد مسار السياسة الجبائية للسنوات القليلة القادمة كالتالي :
أولا: كيف يمكن الرفع من مداخيل الدولة بدون تأثير سلبي على معدلات النمو الاقتصادي؟
ثانيا: كيف يمكن أن نوازي بين العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية من خلال إعادة النظر في تركيبة الجبايات ما بين ضرائب مطبقة على عائدات عوامل الإنتاج العمل والرأسمال (الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات) وضرائب على النفقة (الضريبة على القيمة و المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك)؟
ثالثا:هل العبء الجبائي الإجمالي والمتعلق بكل ضريبة على حدة يمكن اعتباره قابل للاستمرارية ؟
رابعا: كيف يمكن بلورة سياسة جبائية منعشة للاقتصاد ؟ بمعنى أخر أي نظام جبائي يشجع العمل والادخار والاستثمار وكذا تراكم الرأسمال؟.
خامسا: أي تحفيزات يجب تقديمها لتشجيع تجويد الرأسمال البشري والابتكار والبحث العلمي والحكامة من أجل الرفع من الإنتاجية العامة لعوامل الإنتاج والتي من شانها أن ترفع النمو الاقتصادي ؟.
أن أي سياسة ضريبية ملائمة للنموذج التنموي الجديد من شأنها تأمين المرد ودية المالية عبر توسيع الوعاء الجبائي وتحقيق النمو الاقتصادي و العدالة الجبائية وكذا إقرار تدابير من شأنها الحد من تفاقم القطاع غير المهيكل، إلى جانب السعي نحو توسيع الطبقة المتوسطة بصفتها عنصر ضامن لتقدم الاقتصاد.
سيتطرق المحور الأول إلى إشكالية التركيبة الجبائية الملائمة لنموذج ونمو اقتصادي مبني على العرض عوض الطلب. فيما يعالج المحور الثاني إشكالية العدالة الجبائية و العبء الجبائي الإجمالي وحسب كل ضريبة و ملزم وكل قطاع على حدة.
المحور الأول. إشكالية التركيبة الجبائية الملائمة لنموذج نمو اقتصادي جديد
يجب التذكير هنا انه انطلاقا من تجارب دول عديدة نلاحظ ان تركيا والأرجنتين وبولونيا وتونس تتوفر على تركيبة جبائية مثيلة للمغرب مشكلة أكثر من الضرائب على الاستهلاك مقارنة مع الضرائب على دخل عوامل الانتاج. لهذا فتركيبة الجبايات في كل دولة يجب ان تدرس بعناية دون المساس بمستوى العبء الجبائي.
بمعنى اخر، انه يمكن للسلطات الجبائية تقوية تركيبة جبائية معتمدة على الضرائب على الاستهلاك نسبيا وهي فرصة لتقليص الطلب الداخلي المفرط والحد من الطلب الموجه للمنتجات المضرة بصحة المواطن المغربي. كما أن هذه التركيبة التي تحفف العبء على دخل العمل والرأسمال تمكن من تشجيع العمل والادخار والاستثمار.
في سياق ذلك فحتى لو افترضنا أن الاستهلاك عامل إيجابي للتنمية، فإن رفع القدرة الشرائية للمواطن عبر تطبيق إصلاح الضريبة على الدخل، يبقى نظريا فقط ولا تأثير له على الواقع، لان رفع سقف الإعفاء الضريبي إلى 30 ألف درهم سنويا يمس 53% من المأجورين فقط، أي أن 53% من المأجورين لا يتجاوز دخلهم السنوي 30 ألف درهم، أي أن هؤلاء، بلغة الواقع المعيشي يعتبرون فقراء.
المحور الثاني. إشكالية العدالة الجبائية والعبء الجبائي
يقدر العبء الحالي حوالي ب 23% من الناتج الداخلي الخام. في هذا الصدد نستشف عبر تقدير تطور العبء الجبائي الاجمالي والمتعلق بكل ضريبة و تطور نسب النمو على مر الثلاثون سنة الماضية أولا، غياب الترابط بين المداخل الجبائية ونسب النمو الاقتصادي، ثانيا، ان أي ارتفاع في العبء الجبائي في المغرب بنسبة 1 نقطة من الناتج الداخلي الخام يخفض من النمو الاقتصادي ب 0.12 نقطة، وهذا معناه ان الضريبة لم تكن ابدا في خدمة النمو الاقتصادي.
إن عبء 23% من الناتج الداخلي الخام مقارنة مع دول أجنبية عديدة يعد متوسطا، وحتى إذا أضفنا إلى الجبايات، حجم الاقتطاعات نحو الانظمة الاجتماعية فإن نسبة ب 26 من الناتج لاتزال متوسطة مقارنة مع عدد كبير من الدول خصوصا الأوروبية. عكس ذلك فان المغرب يتواجد من بين الثلاثة الدول الأوائل في إفريقيا من حيث الضغط الجبائي.
إن نسبة الضغط الجبائي تطرح إشكال اخر عميقا بالمغرب مرتبط بالعدالة الجبائية، فإذا ما سلمنا أن التركيبة الجبائية في اتجاه هيمنة الضرائب على الاستهلاك مقارنة مع الضرائب على الدخل وعلى الشركات هي تركيبة ملائمة و سلمنا بأن العبء الجبائي الإجمالي مستدام فان إشكالية العدالة الجبائية يعد ورشا مهما يجب معالجته انيا وبسرعة سيمكن من تصاعد النظام الجبائي وتسديد الضرائب حسب القدرة الاسهامية لكل ملزم.
وتتجلى قلة العدالة الجبائية في المظاهر التالية :
- تمركز الضريبة على الشركات لأن %2 فقط من عدد المقاولات تؤدي هذه الضريبة و50 مقاولة فقط تدر على الخزينة نصف موارد هذه الضريبة.
- %70 من المقاولات تصرح بخسارات سنة بعد أخرى بالرغم من استمرار استغلالها عبر السنين، مما يدل على تفشي التملص الضريبي وأيضا على ضعف مراقبة إدارة الضرائب.
- 400.000 مقاولة تساهم بحوالي 800 مليون درهم سنويا في الضريبة على الدخل أي ما يعادل %2 من مجموع موارد هذه الضريبة، و هذا يعني أن عبئ هذه الضريبة يتحمله المستخدمون الذين يؤدون 73 بالمائة من مجموع الضريبة على الدخل.
- الإعفاءات القطاعية فهي مهمة جدا. ناهيك عن تطور للقطاع غير المهيكل الذي يتطلب إدراج تحفيزات جبائية لحث العاملين خارج الإطار المنظم على الانضمام إلى مجال الأنشطة الرسمية الخاضعة للقوانين الجاري بها العمل، عوض اعتماد مقاربة شمولية من خلال تدابير متكاملة و متزامنة، من قبيل توفير التغطية الصحية و الاجتماعية لهذه الشريحة العريضة من المواطنين، وضع آليات لتمويل الأنشطة المعنية قصد النهوض و الارتقاء بها إلى مستوى القطاع المهيكل...
يجب أن نذكر هنا بأن تصور خبراء البام عنوانه العريض جعل هدف السياسة الضريبية هو مردودية الدولة وكذا النمو الاقتصادي والعدالة الجبائية، من جهة، وجعل هدف السياسة الموازناتية، عبر تخصيص اعتمادات الميزانية، هو تقليص نسب الفقر وإعادة توزيع ثمرات النمو الاقتصادي في شكل تمويل برامج اجتماعية أو تحويلات مادية مباشرة لفائدة الفقراء، من جهة أخرى. ومن شأن هذا التوجه ان يعفي أداة الضريبة من السعي الى تحقيق هذا الهدف أيضا نضرا لكثرة الأهداف التي تصبو السياسة الجبائية الى تحقيقها.
يفترض في منضورنا كذلك العمل على تشجيع الطبقات الفقيرة عن طريق المبادرة الوطنية للتنمية المباشرة وكذا تشجيع الطبقة المتوسطة عبر آلية الضريبة عبر الرفع من الحد الأدنى المعفى الى 50000 درهم سنويا على الأقل ولأنها الشرائح الاجتماعية التي تقبل على استهلاك الإنتاج المحلي وبالتالي دعم الطلب وعدم التعامل مع الطبقة المتوسطة وأصحاب الأجور العليا بنفس المنطق أي يجب أن تكون وثيرة تصاعد النسب تتجاوز وثيرة ارتفاع الأجر بفارق 5 نقط ثم 10 نقط و 15 نقطة.