التعامل الديني والاجتماعي مع الامية
محمد حسيكي
الامية من منظور عام، جهل بالقراءة والكتابة عهد ظهورها، وهذا يعني من الوجهة الدينية، أن الانسان لم يكن أميا قبل ظهور القراءة والكتابة، وحين ظهور القراءة من الدين، حث الله الرسول على نشر القراءة، ومن تم كان للرسل رسالات سماوية تعلمهم أمور دينهم، وترفع عنهم الجهل من الوجود بالحياة من الدين .
ومن الوجهة الاجتماعية، كل إنسان يزداد خارج بطن أمه حيا، يعقد من حبل الوريد كي يخرج صوته من الحلق، وعندها يصيح صيحة الازدياد والانفصال من الحياة الجنينية، وحين يتم التأكد من سلامته الجسمية والصوتية، تتم رعايته بالنظافة والدفيء والتغذية، الى أن يكتمل حبوه، ويقف على رجليه، وقبل النطق يتم التعامل معه بالمشافهة اللسانية بالإشارة، والكلمات المتقاطعة التي يتعلم منها مخارج الحروف، وتكون مربيته الأولى من النطق، أمه من الولادة أو الرضاع، أو تربية من الخلق .
وحين يتعلم النطق و يتجاوب مع مكلمه، ومخاطبه، يتم نقله الى تعلم القراءة، والكتابة، من كتاب قرآني، أو مدرسة عمومية .
الكتاب القرآني :
في بلاد المغرب ينسب الكتاب القرآني الى مكان تعلم القراءة والكتابة، من آيات، وسور الكتاب المقدس في الدين الاسلامي من مرحلة ما قبل الدخول المدرسي .
وقد كان الآباء قبل انفتاح المجتمع على الحياة المعاصرة، يتبعون قراءة الكتاب القرآني، ويسمونه الجامع القرآني، يتخذونه مهدا للقراءة، قبل التخصص في الفقه أو الأدب أو الشرع أو الفلك أو الرياضيات، أو علوم الطب الشرعي، المسمى طب الحكمة .
ومن ميزة الدين الاسلامي أنه عمم القراءة على المسلمين وبنوتهم من القرآن، ولم يجعل القرآن خاصا برجال الدعوة من الدين، بل جعله شأنا جماعيا يهم المجتمع المدني الذي يحرص على السلم الاجتماعي، والسلام البشري مع الأمم وإن اختلفت من الدين .
وهكذا تعامل الدين مع الامية من نشر القراءة، وجعلها دعوة علم من الدين، ترفع الجهل عن الانسان، وتمهد له باب العلم من الدين .
والتعليم من الكتاب هو تعليم جماعاتي، يعود الى حياة المجتمع الزراعي تموله الجماعة من نظام الشرط كأجر جماعي، تتقاسم واجباته الجماعة من الموسم، والشهر، والسوق الاسبوعي، نحو الفقيه، فضلا عن حظوة الفقيه ب "رتبية ' تموين يومية من الساكنة المحظوظة، ترسل الى الجامع وليس الى بيت الفقيه.
المدرسة العمومية :
ظهر التعليم المدرسي في شكله المعاصر عهد الحماية، وكان خاصا بأبناء الجالية الأوروبية، وأيضا أبناء المغاربة ممن لهم مكانة اجتماعية .
وعهد انخراط البلد في منظومة المجتمع الدولي، عمم التعليم المدرسي، الذي فتح بوابة المستقبل والتحضر أمام الأجيال .
ولأجله تساوت الفرص أمام الناشئة، في التربية والتعليم والشغل، وتراجعت نسبة الامية الاجتماعية لدى الأجيال المقبلة على التعليم الذي يفتح أمامهم فرص الشغل والتكوين .
وهكذا تدرج محو الأمية لدى الطفل المغربي، من تعليم النطق اللساني من الأم بالبيت، الى الكتاب القرآني بالجماعة الحضرية والقروية، ثم التعليم العمومي الذي تنفق عليه الدولة بدل الجماعة .
أما الفئات الاجتماعية التي لم تتمكن من القراءة والكتابة، لا من الكتاب القرآني، ولا من المدرسة العمومية، فقد استدركت الدولة خصاصهم المعرفي من الساكنة الاجتماعية، وتولت تعليمهم بالمساجد في إطار برامج تعليمية خاصة بمحو الأمية عن الكبار، يحصلون خلالها على شواهد المستوى من التعلم، وجوائز تشجيعية على المتفوقين أواخر السنة، تسهر عليها وتؤطرها وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية .
الامية :
حين تطور اللسان البشري من منطوق شفوي، الى علم لغوي يخضع لقواعد القراءة والكتابة، جاء التعليم اللغوي ليحل محل المشافهة اللسانية، وعندئذ تميز الذين أقبلوا على التعلم بالمعرفة، بينما الذين استمروا في بعدهم ولم ينخرطوا في القراءة، عرفوا بالجهلة من العلم، لا يعرفون الا ما تنطق به ألسنتهم من تربية الطفولة، والاختلاط العام خارج دائرة المعرفة، من غير تعليم للقراءة والكتابة .
كما أن الامية أضحت في المجتمع لا توفر الشغل لغير المتعلم، بل أصبحت وصمة عار يندى لها الجبين في حياة الانسان .
وهكذا قلص نشر التعليم نسبة الامية في البلاد، وفتح فرص التكوين والتشغيل لدى المتعلمين، إذ اصبحت الحرف والصنائع والخدمات تدار بطرق علمية، وتقنيات آلية تتطلب مهارة علمية ومكاسب معرفية، أخرجت الانسان من حياة ما قبل المعرفة، الى رحاب العلم والمعرفة .
غير أن ما يميز تعليم محو الامية عند الكبار، عن التعليم العمومي، أنه تعليم تمهيدي لطلب العلم، ورفع الجهل بالقراءة والكتابة عن الانسان، وليس تعليما لأجل الشغل أو طلب الكفاءة المهنية .
والتعليم العمومي لقاح الفكر من اللغة، كالتلاقح من تفاعل الطبيعة، يعطي ماء وبردا، وإن انعدم من الامية، ولى صقيعا متجمدا غير لاقح من الطبيعة .