الحد الأدنى للأجور بالمغرب بين البرامج الحكومية والواقع المعاش
عثمان سحبان
تعاني الطبقة الشغيلة الفقيرة في المغرب من العديد من الاكراهات، يزكيها تدهور المستوى المعيشي وغياب ابسط شروط العيش الكريم، الشيء الذي لم تستطع الحكومات المتعاقبة على المغرب، والبرامج الاجتماعية والتنموية التي تنهجها في هذا الإطار إيجاد حلول فعلية وعملية لهذه المشاكل. اللهم بعض الحلول الترقيعية المتوالية، نأخذ عللي سبيل المثال اخر قانون للمالية، وهو قانون مالية 2019 الذي اتخذ طابعا اجتماعيا يرمي الى الرفع من المستوى الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة الى جانب توفير العديد من مناصب الشغل والاهتمام بالتعليم وبعض القطاعات الاجتماعية الأخرى. لكن هذا القانون الذي هو قيد التطبيق لم يعطي حتى الان اية نتائج ملموسة. يبقى الحل الوحيد لضمان العيش الكريم هو التوفر على شغل او عمل بسيط يوفر اجرا محترما قد يسد حاجيات الفرد اليومية. لكن مادا ان كان هذا الاجر لا يتماشى وطبيعة الحياة ومتطلبات العيش؟ بل هو اقل من الحد الأدنى للأجور!
يحظى الاجر بأهمية كبيرة عند العامل او الاجير، فهو محور حياته وما يتعب لأجله ويطمح ان يضمن له عيشا كريما ويلبي مختلف حاجياته الحياتية والاجتماعية. فلأجر دور معيشي واقتصادي لا تستقيم حياة أي عامل او اجير من دونه. لذا فقد كان لا بد من إقرار حماية تشريعية صارمة تتناسب واهمية المكانة التي يحتلها الاجر ضمن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. خاصة وان الاجر يعكس بشكل كبير مستوى التنمية داخل كل دولة، فكلما ارتفع الحد الأدنى للأجور كلما ارتفعت القدرة الشرائية للأفراد، وكلما ارتفع مستوى عيشهم. وبهذا تتحرك عجلة الاقتصاد داخل البلد، كما انه يعكس سياسيا وقانونيا مدى حرص الدولة على ضمان استفادة الاجير من كامل حقوقه، عبر توفير قواعد وقائية يكون دورها حماية الاجير من العوارض التي تحول دون توصله بالأجر الكافي لضمان عيش كريم.
لقد قامت الحكومة المغربية مؤخرا بالتوقيع على اتفاق يرمي الى الزيادة في أجور الموظفين بالقطاع العام الى جانب رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، في خطوة للرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، وإرساء قواعد السلم الاجتماعي، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وكذا تقوية الاقتصاد الوطني. هذا وفقا لما جاء في بيان لرئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني. وقد نص الاتفاق على ما يلي:
· الزيادة في أجور موظفي القطاع العام وهذه الزيادة تتراوح بين 400 و500 درهم في الشهر، بالإضافة الى زيادات في التعويضات العائلية وتحسين شروط الترقيات لبعض فئات الموظفين.
· الرفع من الحد الأدنى للأجور بالنسبة لموظفي القطاع الخاص بنسبة 10 في المائة.
· اتخاد بعض الإجراءات والتدابير الرامية بالأساس الى تعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين مجال التشريع والحريات النقابية ومأسسة الحوار الاجتماعي.
تم تزكية ذلك من خلال المرسوم رقم 2.19.424 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6790 بتاريخ 27 يونيو 2019 والمتعلق بتحديد مبالغ ألحد الأدنى القانوني للأجر في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والفلاحة. والذي اقر بزيادات في الحد الأدنى للأجور في العديد من القطاعات، وهذا كان جزءا من التدابير والإجراءات التي تعتمدها الحكومة والتي تكون بهدف خدمة مصالح الطبقة العاملة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والمعيشية الى جانب وضع ميثاق اجتماعي يحقق التماسك والسلم الاجتماعيين. لكن ماذا عن الواقع الحقيقي لهذه الفئات؟
وواقع الحال يظهر نتائج مختلفة تماما عما هو موجود في القوانين والبرامج والاتفاقيات الحكومية. فحسب بعض الاحصائيات الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) فان نسبة 38 في المائة من الأجور التي تم التصريح بها سنة 2018 تقل عن الحد الأدنى للأجور و14 في المائة فقط تفوق 6000 درهم في الشهر. ورغم ان هذه الاحصائيات تعود للسنة الفارطة الا ان هذا الامر لا يمنع من اعتمادها مرجعا للمقارنة. وتجدر الإشارة الى ان الحد الأدنى للأجور بالمغرب يصل حاليا الى 2698 درهم طبقا للزيادة العامة في الأجور التي اقرتها الحكومة، في حين كان قبل ذلك يناهز 2586 درهم.
أما إذا نزلت الى الشارع او عايشت بعضا من الفئات العاملة في بعض القطاعات فستجد بعض الأرقام التي قد تكون صادمة، خصوصا ضمن الفئات الفقيرة، ممن يشتغلون في بعض المقاولات والشركات الخاصة. فنسبة كبيرة منهم يشتغلون باجر قليل جدا، فاذا قلنا بان الحد الأدنى للأجر يصل حاليا الى 2698 درهم شهريا، فان هنالك من يشتغل أكثر من ثماني ساعات بأجر لا يتعدى 1500 درهم شهريا. بل منهم وبخاصة النساء من يشتغلن باجر يصل الى 1000 درهم في الشهر. ولا حول ولا قوة لهم، بل لا سلطة لهم في تغيير ذلك خاصة وان عقد الشغل أقرب الى عقود الإذعان، التي يكون فيها الأجير او العامل محل ضعف بحيث لا يمكنه التفاوض في شروط ومقتضيات العقد، ذلك ان الأوضاع الاجتماعية وقلة الشغل لا تسمح له بذلك، فإما ان يقبل بتلك الشروط ويحصل على العمل او يرفضها فيتم طرده. ما دام هنالك غيره ممن يقبلون بهذه الشروط في ظل نسب مرتفعة جدا من البطالة.
يمكن القول انه وبالرغم من الإجراءات والبرامج الحكومية في مجال التشغيل وتحديد الحد الأدنى للأجور، والتي كان ينبغي ان تكون لها نتائج وتداعيات إيجابية على الطبقة الشغيلة، فما زالت العديد من الشركات والمقاولات الصناعية والفلاحية والمشاريع الخاصة تتحايل على القانون ولا تلتزم بهذه البرامج والقوانين. وما يهمها بالدرجة الأولى هو المصلحة الخاصة وزيادة أرباحها حتى ولو كان ذلك على حساب اجر العامل وكرامته. الامر الذي يجب ان تنتبه له الدولة وتفرض رقابة على الأجور الممنوحة للعمال، وضمان التزام الشركات والمقاولات بالقوانين المنظمة للحد الأدنى للأجور. ضمانا لكرامة العامل وحرصا على حصوله على اجر يضمن له العيش الكريم والسليم وحفاضا على التماسك والسلم الاجتماعي.