التجربة التنموية المغربية
يونس مكاوي علوي
عرف المسار التنموي بالمغرب تطورا ملحوظا منذ الاستقلال شمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية. مع ذلك تبقى هذه الإنجازات غير قادرة على الإجابة عن مجموعة من حاجيات ومتطلبات المغاربة والرقي بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة.
فما هي مواطن الخلل والمحدودية في هذا المسار التنموي؟ وماهي التدابير الواجب اتخاذها من أجل تسريع التنمية ببلادنا؟
قبل الخوض في مواطن خلل المسار التنموي المغربي وجب توضيح الفرق بين النمو (growth) والتنمية (development) .فالأول هو ظاهرة اقتصادية كمية تتميز بزيادة في ثروات بلد ما خلال فترة زمنية، وغالبا ما يعتمد الناتج الداخلي الخام السنوي كوحدة لقياسه، في حين أن التنمية هي مجموعة من التحولات التقنية والاجتماعية والثقافية المتداخلة و التي توفر المناخ الملائم لظهور وزيادة النمو الاقتصادي.
واقع الحال يُبين أن المغرب عرف وتيرة نمو متوسطة حسب الفرد لم تتجاوز في المتوسط 2% في الفترة ما بين 1980 و 2010، في حين أن إحداث إقلاع اقتصادي للحاق بركب الدول الصاعدة و بالتالي الخروج من براثين الفقر و التخلف يتطلب على الأقل ضعف هذه النسبة.
هذه الهشاشة ترجع لمشاكل بنيوية لاعتماد الإقتصاد المغربي على قطاعات هشة كالفلاحة والسياحة تخضع لعوامل خارجية عدة عوض الصناعة التي تبقى قلب الاقتصادات القوية. كما يعاني الاقتصاد المغربي من قلة التنوع وضعف إنتاجية نسيجه المقاولاتي الغير قادر على اكتساح أسواق خارجية مهمة وكذا الرفع من طاقته التصديرية. أكثر من ذلك الإنتاج الوطني يظل عاجزا عن تلبية مجموعة كبيرة من الحاجيات والخدمات على المستوى الداخلي ما يساهم بشكل كبير في الرفع من العجز التجاري ومديونية البلد.
على المستوى التنموي، يُسجل المغرب عجزا صارخا في عدة ميادين كارتفاع نسبة الأمية التي مازالت تهم أزيد من ثلث السكان. هذه النسبة تزداد في الوسط القروي وخصوصا بين النساء والفتيات ولها تداعيات اقتصادية واجتماعية مكلفة.
التجربة التنموية المغربية لم تحقق لا عدالة اجتماعية ولا مجالية، وهذا يتجلى في انتشار الفقر والهشاشة والبطالة. الفوارق المجالية والجهوية تبقى كبيرة هي الأخرى حيث تشير الإحصائيات الرسمية أن ثلاث جهات من أصل اثنا عشر تساهم بأزيد من نصف الناتج الداخلي الخام. هذه النتائج تجعل المغرب يتذيل أغلب المؤشرات التنموية كمؤشر التنمية البشرية.
هكذا أصبح التفكير في نموذج تنموي قادر على الإجابة عن الإشكالات الكبرى للبلاد من صلب أولويات كل الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين وكذا الباحثين، باعتباره رهانا استراتيجيا ومفصليا في تاريخ المغرب الحديث. في هذا الإطارتصور أي نموذج تنموي يجب أن يقوم على ركيزتين أساسيتين: إنتاج الثروة والقيمة الاقتصادية المضافة، ثم التوزيع العادل لثمار الثروة والنمو الاقتصادي.
الركيزة الأولى تتطلب صياغة سياسة اقتصادية تقطع مع كل مظاهر الريع والاحتكار وتحفز بروز اقتصاد منتج وتنافسي يلعب فيه الاستثمار الخاص دورا محوريا توفر فيه الدولة الدعم اللوجيستي والتقني والإداري.
التوزيع العادل للثروة يتم عن طريق سياسات اجتماعية منصفة ومنسجمة تراعي البعد الفئوي والمجالي من أجل تقليص الفوارق الطبقية والترابية.
إصلاح المنظومة القضائية والإدارية يجب أن يحظى بأهمية قصوى من أجل ربط المسؤولية بالمحاسبة والقطع مع كل أشكال الفساد والنهب وتبديد الأموال العامة. فالإدارة يجب أن تلعب الدور المنوط بها كمحفز ومسهل للخدمات سواء للقطاع الخاص أو المواطنين.
ويبقى الرهان الأكبر والذي يجب أن يكون حجر الزاوية في كل تصور تنموي جديد مرتبطا بمنظومة التعليم التي يجب أن تخضع لتشريح عميق وموضوعي من أجل تجويدها وتوفير مواطنين وطاقات عاملة قادرة على تبني مشروع تنموي فعال ومستدام. كما يجب الاهتمام أكثر بالبحث العلمي من أجل استغلال وتثمين أمثل لثرواتنا وكذا الرفع من مردودية وتنافسية القطاعات الإنتاجية الوطنية.
سالم
الحكامة و المحاسبة
إعادة الثقة في المؤسسات و تبني حمامة جيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة تبقى المدخل لتحقيق المبتغى