من‮ ‬زمن‮ ‬الفراعنة‮ ‬إلى‮ ‬اليوم‮.. ‬ما
عبد الله الدامون
منذ زمن الفراعنة وإلى اليوم، لم تتغير كثيرا نظرة الحكام إلى شعوبهم. فالفراعنة اكتشفوا مبكرا مزايا إشغال الشعوب المقهورة وغسل أدمغتها، لذلك بنوا تلك الأهرامات العملاقة على حساب عرق ومعاناة ملايين الناس، الذين عوض أن يعيشوا حياتهم بكرامة، فإنهم ولدوا وعاشوا من أجل هدف واحد، وهو أن «يستمتع» حكامهم في مماتهم بقبور هائلة ورهيبة، كما استمتعوا في حياتهم بقصور هائلة ومهيبة. المهم أن الشعوب تكون في خدمة حكامها في الحياة والممات.
الفراعنة اكتشفوا أيضا مزايا الإيمان، لأن الفرعون كان يؤمن أيضا بالحياة الأخرى بعد الموت، أي أن هناك إلها يحكم الكون، لكن الغريب أن الفراعنة، رغم إيمانهم هذا، كانوا يعتقدون أنفسهم آلهة، لذلك قال فرعون لشعبه أنا ربكم الأعلى. هذا ما يحدث اليوم في كثير من الأنظمة الدكتاتورية.
الفراعنة كانوا يؤمنون أيضا بمزايا الديمقراطية المحدودة، أي ما يسمى اليوم «الهامش الديمقراطي». ففرعون، عندما أحس بالتهديد يأتيه من جانب النبي موسى، قرر استدعاءه إلى مناظرة ديمقراطية مفتوحة أمام الجميع، واستقدم فرعون أتباعه من كبار السحرة، وتقرر أن تتم اللعبة مباشرة أمام الرأي العام، فألقى السحرة عصيهم فإذا هي ثعابين تسعى، ثم ألقى نبي الله موسى عصاه فتحولت إلى حية عملاقة أكلت كل الثعابين في الساحة. لكن المشكلة أن اللعبة الديمقراطية انتهت هنا، أي عندما اكتشف سحرة فرعون أنهم على باطل وأن الحق إلى جانب النبي موسى، فآمنوا بدعوته، فانتفض فرعون متسائلا «آمنتم به قبل أن آذن لكم». هذا ما يحدث اليوم مع الديمقراطيات التي تمنحها الأنظمة الدكتاتورية لشعوبها، إنها ديمقراطية على المقاس تفترض فوز الحاكم فقط. ففي الجزائر، عندما جرت انتخابات نزيهة أوائل التسعينيات وفازت بها المعارضة، انتفض الجيش وألغى الديمقراطية، تماما كما فعل فرعون. وفي بلدان عربية كثيرة، هناك شرط واحد للديمقراطية الممنوحة، وهو أن تنتصر الأنظمة وأن تلعب المعارضة في الهامش.
إضافة إلى كل هذا، فإن الأنظمة الدكتاتورية تعامل شعوبها بطرق مختلفة. إنها لا ترى فيها أكثر من أبقار قابلة للحلب وأنعام قابلة للركوب، وفي أحسن الأحوال أطفالا يحتاجون إلى وضع مصاصة في أفواههم لكي يصمتوا، أو سرد حكاية مسلية لهم لكي يناموا.
الشعب، في نظر نظام دكتاتوري، هو مجرد طفل رضيع يضع له النظام مصاصة في فمه لإسكاته. وعوض إطعامه والعناية به، فإن النظام يهتم أكثر بالصمت، ولا يهم إن مات الطفل جوعا أو عانى من تشوهات خلقية ونفسية بسبب الجوع وفقدان الرعاية. وفي كل الأحوال، فإن الطفل يعتبر سيد مصيره، إن قبل المصاصة الفارغة وصمت فسيؤدي الثمن، وإن بصقها وصرخ فسيتم إطعامه والعناية به.
كل نظام شمولي يعامل الشعب أيضا على أنه مجرد طفلة رومانسية حالمة تريد الاستماع إلى حكاية مسلية من أجل النوم، لذلك تسمع الشعوب الكثير من الحكايات الفارغة والوعود الكاذبة ثم تنام.. لكنها تستيقظ بالتأكيد.
الشعب يشبه أيضا زوجة يمارس عليها زوجها-حاكمها كل أنواع التسلط والتنكيل. إن ثارت وغضبت فإنه يحترمها أو يطلقها، وإن سكتت يجعلها مجرد خادمة ويعنفها ويضربها ويخونها أمام عينيها. هكذا تجعل الأنظمة الفاسدة من شعوبها مجرد خدم وتخونهم أمام عيونهم.
النظام الدكتاتوري يعامل الشعب كما لو أنه بقرة.. يحلبها صباح مساء، وبعد أن ينتهي حليبها الغزير يذبحها ويأكل لحمها. البقرة هنا أمام اختيارين، إما أن تنتفض وتنطح من يحلبها أكثر من اللازم وإما تقبل بما يجري.
الشعب يشبه أيضا حصانا جامحا ومنطلقا، والنظام الدكتاتوري يتكفل بترويضه وتدجينه وجعله قابلا للركوب. يمكن للحصان أن يظل جامحا ويرفض التدجين، وبذلك سيظل محافظا على شموخه وكرامته وعزته. وفي حال العكس، أي عندما يقبل التدجين ويجعل ظهره مباحا لكي يركبه كل من هب ودب، فإنه يتحول من حصان جامح إلى حمار. لكن الشعب لا يتحول أبدا إلى حمار.