تأملات على خطى فيروس

تأملات على خطى فيروس

محمد شاكري

 

لم يتوقع العالم بأسره و هو في أوج قوته العلمية و التقنية أن يهجم عليه و على حين غرة، كائن متناهي الصغر و الدقة و أن يقف عاجزا حيال غزواته الصامتة .

 

كورونا و في وقت وجيز أعطى للعالم درسين مهمين :

 

الدرس الأول هو لما نسميه في سؤال الهوية الآخر ، الغرب المتقدم تكنولوجيا ، المنحاز للعقل البشري ، الملحد الذي لا يؤمن سوى بالمادة و الطبيعة...هذا الدرس مفاده أن للكون خالقًا و للبشرية ربا. أن الإنسان مهما بلغ من التقدم فهو ضعيف أمام قدرة الله، و مهما بلغ من القوة فلن يعجزه سبحانه. العالم اليوم صار متطرفا للمادة يعبد العقل من دون خلفية إيمانية أو أخلاقية بمعناها الروحي أو حتى الفلسفي .

 

الدرس الثاني للعالم الإسلامي صاحب المرجعية الإيمانية الذي عطل العقل الخلاق و المبدع منذ قرون خلت و ارتكن إلى الخرافة و صم الأذان عن خطاب الله عز وجل "يا أولي الألباب" و الذي وجد نفسه حائرا أمام فيروس تتسابق مختبرات العالم المتقدم لإيجاد علاج له. نعم وضعنا هذا الفيروس أمام حقيقة مؤلمة و هي أننا رغم كل الموارد المالية الضخمة التي يحظى بها العالم الإسلامي إلا أننا متخلفون ، بالرغم من تاريخنا العلمي الحافل إلا أننا اليوم جاهلون ، بالرغم من مظاهر الحضارة الزائفة التي تؤثث دولنا من المحيط إلى أقصى الشرق إلا أننا في الحضيض قابعون.

 

إنه نفس العجز لكنه من جهتين مختلفتين فقر روحي في الغرب و فقر معرفي في الشرق . لقد بنى الغرب إنسانا عقلانيا مؤمنا بالعلم لكنه بروح إيمانية فقيرة ، أما نحن فبنينا إنسانا لا عقلانيا و لا مؤمنا ، لا إلى هؤلاء و إلى أولئك ، إنسان تائه غريب الهوية يعتقد أن كل ما يزعزع خموله و سكونه مؤامرة.

الدرس الثالث هو أن هذا الفيروس أعاد ترتيب الأولويات في عالم طغت عليه التفاهة و كثرت فيه البذاءة ، فإما أن تزرع الجد و تحصد الرقي و إما أن تزرع التفاهة فتحصد رقصًا و غناء و مجونا. تبين اليوم و بالملموس أن الإستثمار المربح هو ذاك الذي يكون في الإنسان و في المدرسة و في العلم. هنا أطرح سؤالًا جوهريًا ماذا استفادت الأمة من الإستثمار في الغناء و المسلسلات و الإعلام الهابط في الوقت الذي تتنافس فيه مختبرات العالم على أجل إيجاد علاج للفيروس، في حين ليس هناك مختبر واحد في دولة إسلامية يعلن أنه يخوض السباق، لأننا و منذ عطّلنا عقولنا صرنا مجتمعات استهلاك نشتري من الآخر أكلنا و سلاحنا و دواءنا ... إن بناء العقول هو ما سيبني الإقتصاد و يطور العلوم و يحث على البحث...و القرآن الكريم جاء مخاطبا العقل البشري كي يبقى متيقظًا متقدًا ما دام الإنسان حيا .

الدرس الأخير هو محلي خاص بنا كمغاربة ، ففي الوقت الذي رفعت فيه الدولة يدها عن القطاعات الحيوية التي تهم المواطن و أقصد النظام الصحي و التعليمي جاء هذا الفيروس ليقلب الطاولة و يوقظ الضمائر لعلها تعقل أو تتعظ. إن بناء المستشفيات أهم من بناء الملاعب و تمويل مراكز البحث العلمي أهم من تمويل المهرجانات فساعة الجد لا يصح إلا الصحيح. نحن اليوم في أشد الحاجة لأطباء و باحثين و علماء فيروسات إنه القطاع الذي مهما خُصص له من أموال فالدولة هي الرابح و الأجيال القادمة هي الرابحة . جاءت الجائحة فألغت جوازات السفر الحمراء و الزرقاء و كل من جسده بيننا و قلبه عابر للبحار خاب ظنه في هروب محتمل نحو المشافي المتطورة .

 

خلاصة القول أن التوازن سنة كونية و الإنسان ببعده العقلي لا تكتمل إنسانيته إلا ببعد روحي سليم .

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة