التعليم الخصوصي بين التشريع والواقع

التعليم الخصوصي بين التشريع والواقع

محمد بناوي

 في هذه الأيام العصيبة التي تمر منها بلادنا كسائر بلدان العالم بسبب ظهور وانتشار وباء كورونا والتي تقتضي من جميع طبقات وفئات ومكونات المجتمع المغربي التصدي لتداعياته و مخلفاته  على جميع الأصعدة بكل وعي ومسؤولية وبكل روح وطنية، متسلحين بما عرف ويعرف عن المغاربة من وحدة وتضامن وصبر وتضحية في اوقات الشدة .ولنا في تاريخ بلادنا عدة نماذج تقدم لنا دروسا في الوطنية والوحدة والتضامن والتي يجب دائما الاقتداء بها لانها هي السلاح الوحيد للتصدي لكل الاخطار التي تهدد بلادنا سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو وبائية كالتي نعيشها في هذا الزمن مع وباءكورونا. في هذا المقال وانطلاقا من اهتمامي بقضايا التربية والتعليم والمجتمع ومن خلال متابعتي لما يقال و يكتب و ينشر حول التعليم الخصوصي ،ارتأيت ان اساهم  بدوري بهذا الموضوع من خلال منهجية تعتمد على البحت في النصوص القانونية والتشريعية المؤطرة لهذا القطاع والاهداف المنتظرة تحقيقها ومتابعة ذلك على مستوى الواقع التربوي والاجتماعي. لكن ما راكمه التعليم الخصوصي في هذا المجال،كثير ومتنوع، لايسمح هذا المقام  باستحضار كل المحطات التي عرفها هذا القطاع وسيتم الاقتصار على الإطار المرجعي والقانوني الحالي المنظم لقطاع التربيةو التعليم والتكوين بشكل عام وقطاع التعليم الخصوصي الذي يهمنا في هذا المقال بشكل خاص ،بعد ان دخل حيز التنفيذ في 19 غشت 2019 تاريخ صدوره في الجريدة الرسمية .وسنتحدت فقط عن التعليم الأولي والمدرسي الخصوصي ( الابتدائي والثانوي بسلكيه) دون التطرق إلى التكوين المهني والتعليم العالي .

فما هو موقع التعليم الخصوصي في هذا القانون الجديد ؟ وماهي الاهداف والانتظارات التي على  التعليم الخصوصي تحقيقها ؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا القطاع في هذا الظرف الاستثنائي ؟

هذه الأسئلة وغيرها هي التي سنحاول الإجابة عنها من خلال المحاور التالية:

1_ قانون اطار _ رقم 51/17. يتعلق بمنظومة التربية والتكوين .

 فبعد أن أكد في الديباجة أن الغاية هي " ارساء مدرسة  جديدة  مفتوحة  أمام الجميع " اعتبر  في  المادة 4 ان " الاستتمار في التربية والتكوين والبحث العلمي استتمارا منتجا في الرأسمال البشري و رافعة للتنمية المستدامة و دعامة أساسية للنموذج التنموي للبلاد" انها دعوة صريحة للاستتمار في هذا المجال الحيوي .واستمرارا في إعطاء أهمية قصوى للتعليم  ماقبل مدرسي ،فان المادة 8 تؤكد على " ارساء التعليم الأولي وفتحه في وجه جميع الاطفال" .اما التعليم الخصوصي فإننا سنكتفي بهذه الفقرة كما وردت في المادة 13والتي تشرح نفسها بنفسها  " تلتزم مؤسسات التربية والتعليم والتكوين للقطاع الخاص في اطار من التفاعل والتكامل مع باقي مكونات المنظومة بمبادئ المرفق العمومي "

بعد هذا التذكير المختصر بما جاء به هذا القانون   .ماذا حقق التعليم الخصوصي ؟  وماذا لم يحقق؟ ماهي الاحكام التي يستحقها وتلك التي لايستحقها ؟ ماذا يستوجب في هذا القطاع ،من إشادة وتنويه وماذا يستوجب فيه من نقد بناء ،الهادف الى التصحيح والتطوير والتجديد، و ليس  الى الهدم والافلاس؟ 

2_ مساهمة التعليم الخصوصي في تعميم التمدرس .

تفيد جميع التقارير أن عدد المؤسسات الخصوصية ومجموع التلاميذ الذين يتابعون دراستهم بها  من  التعليم الأولي الى الباكالوريا تزايد وتضاعف بشكل كبير خلال تلات سنوات الاخيرةوذالك على الشكل التالي : عدد المؤسسات :حوالي 5800  مؤسسة 

عدد المتعلمات والمتعلمين : ما يقارب مليون و12 الف. عدد اطفال التعليم الأولي  الخصوصي : حوالي 190الف طفل .

2_ مساهمة التعليم الخصوصي في التخفيف من ميزانية الدولة .

حسب احدى التقارير الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط فان التلميذ يكلف في المعدل حوالي 12الف درهم في الابتدائي والثانوي بسلكيه( اترك للمختصين في الحساب ضرب هذا المبلغ على مجموع تلاميذ التعليم الخصوصي ،اكثر من مليون تلميذ ) 

3_عدد الأطر التربوية : حوالي 80 الف استاذة واستاذ.  اذا  اضفنا جميع العاملين من اداريين وسائقين واعوان الخدمة فان العدد يصل إلى ما  يفوق 140الف استاذ(ة) ومستخدم قار ،دون ان ننسى مساهمة التعليم الثانوي الاعدادي والتاهيلي في مداخيل مالية اضافية لهئية التدريس في التعليم العمومي والذين  ينجزون ساعات إضافية بترخيص من وزارة التربية الوطنية.

4_المساهمة في تربية وتعليم الناشئة

لا يمكن انكار الدور الذي تقوم به المدارس الخصوصية في العملية التربوية والتعليمية _ التعلمية من خلال ما تقدمه من مضامين معرفية وكفايات في جميع المواد الدراسية وبجميع اللغات المقررة  حسب المنهاج والبرامج المعمول به وتأهيل التلاميذ الى نفس الامتحانات التي يجتازها زملاءهم في التعليم العمومي وما يحققونه من مستوى ونتائج متميزة .

5_ النقل المدرسي .

لاشك أن النقل المدرسي يلعب دورا كبيرا في تقريب المؤسسة التي تختارها الأسرة وما يوفره من امن وامان من والى المدرسة بحيت اصبح عدد المستفذين من النقل المدرسي يقارب النصف من مجموع التلاميذ وما تساهم به المركبات في تنشيط الاقتصاد الوطني 

من خلال هذه المعطيات الرقمية والدلالية  ،لا يمكن انكار الدور التربوي والاجتماعي والاقتصادي الذي يلعبه التعليم الأولي والمدرسي الخصوصي الى جانب شريكه في التعليم العمومي والى حابب باقي القطاعات الإنتاجية الاخرى. 

انطلاقا من كل ما قيل يمكن ان نتساءل : هل لازلنا في حاجة  إلى التعليم الخصوصي ؟ بالنسبة للدولة الجواب واضح .جاء في المادة 163 بالمجال السادس من الميثاق الوطني للتربية والتكوين"يعد قطاع التعليم والتكوين الخاص شريكا وطرفا رئيسيا الى جانب الدولة " اما قانون الإطار فاننا نجد في المادة  13، ان مؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاص " ستلتزم في اطار من التفاعل والتكامل مع باقي مكونات المنظومة بمبادئ المرفق العمومي " بل اكثر من ذلك فإن هذا القانون أكد في المادة 14 على " وضع نظام تحفيزي لتمكين هذه المؤسسات من المساهمة على وجه الخصوص في مجهود تعميم التعليم الالزامي وتحقيق أهداف التربية غير النظامية والمساهمة في محاربة الأمية ولاسيما في المجال القروي وشبه الحضري والمناطق ذات الخصاص "

هذا هو خيار الدولة التي منحت مع قانون الإطار الجديد للمؤسسات الخصوصية حق المساهمة مع المدرسة العمومية في جميع الاوراش التربوية والاجتماعية . اما حاجة المجتمع من عدمها للتعليم الخصوصي فان الجواب عند الاسر المغربية ،فهي ادرى  بمصلحة بناتها وابناءها و هي صاحبة القرار المستقل  في التفكير وتحديد المستقبل الدراسي والمهني لهم .

كيف يمكن التعامل مع  الاختلالات والخروقات التي تصدر من بعض او مجموعة او كل المؤسسات الخصوصية ؟ الجواب ايضا واضح .ان المؤسسة الخصوصية تخضع للقواتين المنظمة لهذا القطاع الذي تراقبه مجموعة من الإدارات العمومية ( وزارة التربية الوطنية،وزارة الشغل ،وزارة المالية و زارة النقل والسلطات المحلية التي توجد المؤسسة في دائرة نفوذها .فهناك اجراءات وعقوبات حسب نوع المخالفات والتي قد تصل إلى العقوبة السالبة للحرية والى اغلاق المؤسسة بصفة نهائية .تقول المادة 164 بالمجال السادس"تقوم سلطات التربية والتكوين بزجر اي اخلال او خرق للانظمة التربوية والبيئيةوالخلقية،من لدن المؤسسات التعليمية الخاصة طبقا لقوانين وضوابط ومصادر  واضحة وفعالية.  

بعد كل ما قدمناه  عن هذا القطاع ان على المستوى القانوني والتشريعي او على مستوى الممارسة التربوية والاجتماعية وما يلعبه من ادوار وما يسعى الى تحقيقه من اهداف وبما انه خيار للدولة ولجزء من المجتمع فإنه من الواجب دعمه ومساندته بكل الامكانيات المتاحة والوسائل الممكنة لكي يستمر في العمل لانه جزء من المنظومة التربوية ولأنه ربح للوطن وللممحتمع. 

 

 

 

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة