الأمن الصحي ورهان الدولة على الشعوب
سعيد لعريفي
الصحة و التنمية بعد آخر من قضايا الأمن , برأينا المنظومة الصحية في الوطن العربي, عنصر مهم لعدة اعتبارات منها :أن الشعوب التي تعاني صحيا لا يمكنها أن تبني وطنا قويا, و لا يمكنها أيضا, أن تجنب الوطن نفقات كبيرة ,قد تثقل كاهل ميزانية الدولة, في وقت كان من الممكن ان تتجاوز الدولة الأمر لو تم تدبيره بشكل جيد..
قد نجزم أن التنمية لا يمكنها أن تتحقق, في ظل وضع صحي لا يستجيب لحاجيات الشعوب, بعض المتاعب الصحية التي يمكنها ان تصيب المواطن, وهي أمور عادية وطبيعية , يمكنها ان تربك حسابات المؤشرات التنموية, فهل يمكن ان يساهم التدبير الجيد للقطاع الصحي في العملية التنموية للوطن برمته, أم أن الموضوع لا علاقة له بالتنمية اصلا.؟
المنظومة الصحية بشكل عام لا يمكن ان ترتبط بقطاع او حقيبة حكومية , المنظومة هي مشروع دولة وخيار وطن, وهذا ما لم تستوعبه الكثير من الدول, فرهنت خدمات القطاع الصحي لخصائص الخدمات العمومية .
غالبا ما يتم تناول مؤشرات التنمية في الجانب الصحي بالتركيز على مؤشر وفيات الاطفال عند الولادة و عن أمد الحياة.
قد تكون هاته المؤشرات فعلا تعكس بشكل جلي الوضع التنموي في أي بلد . مع أنهما مؤشران حتى وان ارتبط بهما التحليل كي يلامس جوانب مصاحبة .كتجويد الخدمات الصحية او المواكبة التي تساهم في الزيادة في امد الحياة, فانه برأينا تبقى مؤشرات لا يمكنها ان تستغرق في فهم الوضع الصحي وحالته وهل هو دافع للتنمية ام ثقل عليها.
الوضع الصحي في الوطن العربي مقارنة مع باقي دول العالم, يوضح جليا الفوارق الكبيرة والفرق الشاسع , بين ان يكون مؤشر الصحة أحد عوامل التنمية في الوطن العربي أو أن يعتبر أحد العناصر المهملة التي لا يمكنها ان تعني أي شيء في معايير التنمية.
وفيات الاطفال عند الولاد من بين المؤشرات التي اعتمدها (Alfred Sauvy) كي يلامس حقيقة التنمية في كل بلد, مع ذلك تحديد المؤشر بدقة يبقى صعبا لاعتبار ان الخدمات الصحية غير معممة بالشكل الذي يجعلنا نحاكم المنظومة الصحية .
التنمية ان لم ترتكز على عنصر بشري سليم لا يمكنها بالمطلق ان تحقق المأمول من الرهان عليها, لا يعقل ان يستثمر العنصر البشري كل مؤهلاته فقط كي يجيب على سؤال وحيد, هو حالته الصحية المتدهورة, تكلفة الادوية ,....... الدولة لا يمكنها ان ترهق ميزانيتها بالكامل في ما تكلفه الحالات المرضية في البلد, لصعوبة الامر ,ولكون رهانات اخرى تنتظر الدولة كي تحسمها في قطاعات اخرى حيوية ومؤثرة في النفس التنموي, وهي مهمة في احداث دفعة تنموية يمكنها ان توفر وسائل العيش الجيد للساكنة, وفي نفس الوقت الدولة ملزمة بتحقيق التوازن الممكن بين القطاعات.
اليوم نحن بين لازمة صعبة جدا في الوطن العربي, مواطن مرهق صحيا و دولة لم تحدد الصحة كقضية وطنية, بات واضحا اليوم ان انهيار المنظومة الصحية قد يكلف الدولة استقرارها بالكامل, الشعوب التي تتألم لا يمكنها ان تبقى هادئة طول فترة الوجع, نحن اليوم أمام تحد كبير جدا, الوضع الصحي كأحد القضايا الوطنية المهمة التي يجب على الدولة ان ترصد لها امكانيات مهمة ,خاصة ان الموضوع لم يعد حالة عارضة يمكن تجاوزها ببعض المسكنات أو بمشرط العمليات, العالم كله أمام حروب تفتك بالجميع, الحرب البيولوجية, التي تجاوزت مفاهيم الحروب التي عرفها العالم, ربما ما يحدث اليوم عبر كل خارطة العالم ,قادر على ان يقنع الانظمة العربية, ان المنظومة الصحية هي أولى الأولويات في مفكرة الدولة, الانفلات الوبائي الذي حصل, يمكنه أيضا ان يحسم مع العبث البيولوجي الذي تجاوز كل حدود العقل الممكنة, صحيح هناك تطور مهم جدا في الموضوع, لكن لا يمكن ان تبقى دول الوطن العربي خارج هذا التحول الكبير, الذي يمكن ان يتحول الى حالة تهديد للأمن الصحي والمجتمعي, ان التكلفة التي تتحملها الدولة والتي أصبح من اللازم ان تتخلص منها ,خاصة وان الخدمات العمومية اصبحت غير قادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة على المرافق الصحية, والحدة التي وصلت اليها الحالات الكثيرة من الامراض المزمنة التي ارهقت كاهل المريض والعائلات. قد يحتاج الى قرار قوي و الى بديل جاد وقادر على القيام بمهام المنظومة بشكل مواطن. هل الدولة يمكنها ان تتخلى على قطاع له من الحيوية ما يكفي كي يكون اكبر من قطاع في وزارة ,رهين تقديرات واجتهادات الفاعل السياسي ,الذي لا يمكن ان يتعامل مع المنظومة الا بما يخدم اجنداته الانتخابية, اننا واذ نقدر الأهمية البالغة للمنظومة الصحية, ونقدر أيضا الرهان والتحديات
المقبلة, وبناء على ما نعيشه اليوم من اكراهات كبيرة, نجزم انه حان الوقت كي يراهن الوطن العربي على الصحة كأحد القضايا الوطنية. ان التطور البيولوجي الذي وصل الى ابعد مدى, التعديل الجيني و التحكم بشكل كبير في التعديل الوراثي, لا يمكنه ان يكون مصدر أمان دائما, ان قدرة التطور العلمي في التحكم في امزجة البشر واقحام الموضوع في حسابات سياسية امر وارد وممكن, هذا كله لا يمكن ان تغفل عليه الانظمة العربية اولا والعالم ثانية, ان التطور الاحيائي يجعل الدولة في الوطن العربي امام تحد كبير, اما مسايرة الامر او انتظار الأسوأ, على كل المستويات, اقتصاديا اجتماعيا و سياسيا ايضا. ما حدث في العالم لا احد يمكنه ان يتوقع نتائجه, لان العنصر البشري الذي يمكن ان نرصد خلفياته من خلال حركته وفعله, هو اليوم في حالة خمول غامضة, في تصور بسيط يمكن ان نرسمه لوضع الوطن العربي مثلا لو كان المواطن يعاني
أمراض مزمنة ,سكري25% في العالم العربي, أمراض الفشل الكلوي19%,امراض خبيثة,..... لو عاينا المعطيات الاحصائية, سنرصد بشكل رهيب ان بعض الامراض قد تدفع ميزانيات الدول الى الأزمة.
الى هذا الحد يصعب ان نحدد المرض هل هو سبب أم نتيجة, لأن أنماط الاستهلاك التي تغيرت بشكل جدري في الوطن العربي, وضعته أمام سؤال كبير, هل يمكن ان يكون لهاذا التغير تأثيرات على الوضع الصحي ام لا.؟ مهما تباينت أسباب المتاعب الصحية, يبقى للدولة ان تحسم في طرق تجاوز المشاكل وتأثيراتها على الوضع الصحي للمواطنين و الحالة المادية لهم. ان معاناة الشعوب في الوطن العربي مع الخدمات الصحية التي تتجاوز امكاناتهم المادية وقدرتهم على الاستفادة منها, اضافة الى خصائص الخدمات الصحية التي تعتبر الانتظار احد العناصر الاساسية لتدبير الولوج الى الخدمة ,أباح لنا ان نجزم أن القطاع في أزمة حقيقية. القطاع الصحي في كل الوطن العربي ومع التحولات العالمية في انماط الغذاء سننتظر متاعب صحية اكبر, ان لم تتكمن الدولة من نهج سياسة تحمي بها المواطن اولا كي لا يتفاقم الوضع, وفي نفس الوقت تحسم مع تطور الحالات كي توفر من ميزانيتها ما يمكن ان تستثمره في قطاعات اخرى كي تخرج من المأزق.