الما‮ ‬والشطابة‮

الما‮ ‬والشطابة‮

لم‮ ‬يحدث‮ ‬أن‮ ‬كان‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‮ ‬واسعة‮ ‬مثلما‮ ‬هو‮ ‬بحاجة‮ ‬إليها‮ ‬اليوم‮.‬
لقد‮ ‬أظهرت‮ ‬العشر‮ ‬سنوات‮ ‬الأخيرة‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ ‬أصدقاء‮ ‬دراسة‮ ‬الملك،‮ ‬الذين‮ ‬أحاطهم‮ ‬ببلاطه‮ ‬ومنحهم‮ ‬ثقته،‮ ‬انتهوا‮ ‬إلى‮ ‬إظهار‮ ‬الولاء‮ ‬لامتيازاتهم‮ ‬ومصالحهم‮ ‬الخاصة‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬ولائهم‮ ‬للملك‮ ‬والصالح‮ ‬العام‮.‬
وعوض‮ ‬أن‮ ‬يتفرغ‮ ‬بعض‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬هؤلاء‮ ‬إلى‮ ‬مصاحبة‮ ‬النظرة‮ ‬البعيدة‮ ‬للملك‮ ‬ويساعدوه‮ ‬على‮ ‬تدبير‮ ‬الإرث‮ ‬الثقيل‮ ‬الذي‮ ‬خلفه‮ ‬له‮ ‬والده‮ ‬ونظامه‮ ‬السابق،‮ ‬تفرغوا‮ ‬لمصالحهم‮ ‬ومشاريعهم‮ ‬الشخصية‮ ‬ووفروا‮ ‬كل‮ ‬قواهم‮ ‬وذكائهم‮ ‬وطاقتهم‮ ‬لتحويل‮ ‬البلاط‮ ‬الملكي‮ ‬إلى‮ ‬حصن‮ ‬منيع‮ ‬يحتمون‮ ‬به‮ ‬ويصفون‮ ‬في‮ ‬حدائقه‮ ‬الخلفية‮ ‬حساباتهم‮ ‬الشخصية‮ ‬العالقة‮ ‬بينهم‮ ‬منذ‮ ‬فترة‮ ‬الدراسة‮ ‬فوق‮ ‬مقاعد‮ ‬المدرسة‮ ‬المولوية‮.‬
ولذلك،‮ ‬فليس‮ ‬غريبا‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬أول‮ ‬من‮ ‬يتصدون‮ ‬لثورة‮ ‬الملك‮ ‬الإصلاحية‮ ‬هم‮ ‬بعض‮ ‬هؤلاء‮ ‬الأصدقاء‮ ‬القدامى‮.‬
ولعل‮ ‬ما‮ ‬تتعرض‮ ‬له‮ ‬ثورة‮ ‬الملك‮ ‬محمد‮ ‬السادس‮ ‬اليوم‮ ‬على‮ ‬أيدي‮ ‬بعض‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬يشبه،‮ ‬إلى‮ ‬حد‮ ‬كبير،‮ ‬ما‮ ‬تعرض‮ ‬له‮ ‬السلطان‮ ‬العلوي‮ ‬المولى‮ ‬سليمان‮ ‬عندما‮ ‬تصدى‮ ‬شيوخ‮ ‬الزوايا‮ ‬لمسلسل‮ ‬الإصلاح‮ ‬الديني‮ ‬الذي‮ ‬أطلقه‮ ‬والذي‮ ‬كان‮ ‬يرمي‮ ‬إلى‮ ‬توحيد‮ ‬ومركزة‮ ‬المنظومة‮ ‬الدينية‮ ‬ومحاربة‮ ‬البدع‮ ‬والتقيد‮ ‬بالسنة،‮ ‬مما‮ ‬يعد‮ ‬إصلاحا‮ ‬دستوريا‮ ‬بلغة‮ ‬اليوم‮.‬
وعوض‮ ‬أن‮ ‬يخصص‮ ‬الملك‮ ‬المولى‮ ‬سليمان‮ ‬جهده‮ ‬لتطبيق‮ ‬مخططه‮ ‬الإصلاحي،‮ ‬ضيع‮ ‬الوقت‮ ‬في‮ ‬محاربة‮ ‬الزوايا‮ ‬وجيوب‮ ‬المقاومة‮ ‬التي‮ ‬اتحدت‮ ‬ضده‮ ‬والتي‮ ‬كانت‮ ‬لديها‮ ‬آذان‮ ‬داخل‮ ‬البلاط‮ ‬وامتدادات‮ ‬من‮ ‬المتعاونين‮ ‬الذين‮ ‬كانوا‮ ‬يخبرونهم‮ ‬بمخططات‮ ‬الملك‮ ‬وببرامج‮ ‬جولاته‮ ‬وحركاته‮.‬
فكتب‮ ‬المؤرخ‮ ‬عبد‮ ‬الحفيظ‮ ‬الفاسي‮ ‬يقول‮: «‬ولولا‮ ‬مقاومة‮ ‬مشايخ‮ ‬الزوايا‮ ‬من‮ ‬أهل‮ ‬عصره‮ ‬له،‮ ‬وبَثهم‮ ‬الفتنة‮ ‬في‮ ‬كافة‮ ‬المغرب‮ ‬وتعضيد‮ ‬من‮ ‬خرج‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬قرابته‮ ‬وغيرهم،‮ ‬واشتغاله‮ ‬بمقاتلتهم‮ ‬وإنكاره‮ ‬أمامهم،‮ ‬لولا‮ ‬كل‮ ‬ذلك‮ ‬لعمت‮ ‬دعوته‮ ‬الإصلاحية‮ ‬كافة‮ ‬المغرب‮. ‬ولكن‮ ‬بوجودهم‮ ‬ذهبت‮ ‬مساعيه‮ ‬أدراج‮ ‬الرياح،‮ ‬فذهبت‮ ‬فكرة‮ ‬الإصلاح‮ ‬ونصرة‮ ‬مذهب‮ ‬السلف‮ ‬بموته‮».‬
لذلك،‮ ‬فالملك‮ ‬اليوم‮ ‬محتاج‮ ‬إلى‮ ‬رجال‮ ‬بلاط‮ ‬يساندون‮ ‬ثورته‮ ‬الإصلاحية‮ ‬ويفتحون‮ ‬أمامها‮ ‬الطريق،‮ ‬لا‮ ‬إلى‮ ‬رجال‮ ‬بلاط‮ ‬يطبقون‮ ‬البيت‮ ‬الشعري‮ ‬الشعبي‮ ‬القائل‮: «‬السن‮ ‬يضحك‮ ‬للسن‮ ‬والخديعة‮ ‬فالقلب‮». ‬
لحسن‮ ‬الحظ‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ ‬هؤلاء‮ ‬الرجال‮ ‬المقربين‮ ‬الذين‮ ‬انكشفت‮ ‬حقيقتهم،‮ ‬غادروا‮ ‬البلاط‮ ‬مؤخرا،‮ ‬لكن‮ ‬يبقى‮ ‬الأمر‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‮ ‬شاملة‮ ‬لردهات‮ ‬وأروقة‮ ‬القصر‮ ‬لكي‮ ‬يتحقق‮ ‬الإصلاح‮ ‬المنتظر‮ ‬للمؤسسة‮ ‬الملكية‮. ‬
عندما‮ ‬كتب‮ ‬الناطق‮ ‬السابق‮ ‬باسم‮ ‬القصر‮ ‬الملكي‮ ‬والوالي‮ ‬ومؤرخ‮ ‬المملكة‮ ‬السابق،‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬رده‮ ‬المتلفع‮ ‬ببلاغة‮ ‬الحشو‮ ‬واللمز‮ ‬والغمز‮ ‬على‮ ‬اتهامنا‮ ‬إياه‮ ‬باستغلال‮ ‬نفوذه‮ ‬كوال‮ ‬للاغتناء‮ ‬في‮ ‬مكناس،‮ ‬ألمح‮ ‬إلى‮ ‬وجود‮ ‬أطراف‮ ‬في‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي‮ ‬دفعتنا‮ ‬إلى‮ «‬استهدافه‮» ‬عقابا‮ ‬له‮ ‬على‮ ‬بصقه‮ ‬في‮ ‬قصعة‮ ‬الطعام‮ ‬المخزني‮ ‬الذي‮ ‬تشحم‮ ‬كتفاه‮ ‬بفضله‮. ‬
ومن‮ ‬حق‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ «‬الملاك‮» ‬المطرود‮ ‬من‮ ‬جنة‮ ‬البلاط،‮ ‬أن‮ ‬يتهم‮ ‬أطرافا‮ ‬داخل‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬يسميهم،‮ ‬بإبعاده‮ ‬من‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮. ‬فالعارفون‮ ‬بخبايا‮ ‬المسار‮ ‬الذي‮ ‬عاشه‮ ‬الرجل‮ ‬يعرفون‮ ‬أن‮ «‬صاحب‮ ‬دعوته‮»‬،‮ ‬فؤاد‮ ‬عالي‮ ‬الهمة،‮ ‬كان‮ ‬خصمه‮ ‬العنيد‮ ‬منذ‮ ‬أيام‮ ‬الدراسة‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬ولي‮ ‬العهد‮.‬
ويبدو‮ ‬أن‮ ‬الطفل‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬القادم‮ ‬من‮ ‬هوامش‮ ‬الراشيدية،‮ ‬لم‮ ‬ينس‮ ‬لزميله‮ ‬القديم‮ ‬في‮ ‬فصول‮ ‬المدرسة‮ ‬المولوية،‮ ‬فؤاد‮ ‬عالي‮ ‬الهمة‮ ‬القادم‮ ‬بدوره‮ ‬من‮ ‬الرحامنة،‮ ‬لحظات‮ ‬الخصام‮ ‬والصد‮ ‬والجذب‮ ‬التي‮ ‬عاشا‮ ‬فصولها‮ ‬معا‮ ‬طيلة‮ ‬سنوات‮ ‬داخل‮ «‬الكوليج‮ ‬الملكي‮». ‬
فمنذ‮ ‬ذلك‮ ‬التاريخ،‮ ‬تكون‮ ‬لدى‮ ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬ما‮ ‬يشبه‮ ‬العقدة‮ ‬النفسية‮ ‬من‮ ‬بقية‮ ‬زملائه‮ ‬أصدقاء‮ ‬الملك،‮ ‬وعلى‮ ‬رأسهم‮ ‬الهمة‮. ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬أوريد‮ ‬يعتبر‮ ‬نفسه‮ «‬القاري‮» ‬أحسن‮ ‬من‮ ‬زملائه‮ ‬جميعا،‮ ‬والمثقف‮ ‬متعدد‮ ‬الألسن،‮ ‬والأديب‮ ‬المفوه‮ ‬والشاعر‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يشق‮ ‬له‮ ‬غبار‮. ‬
ولذلك،‮ ‬فبعد‮ ‬طرده‮ ‬من‮ ‬سفارة‮ ‬المغرب‮ ‬في‮ ‬واشنطن،‮ ‬بسبب‮ «‬الفهامة‮» ‬الزائدة‮ ‬عن‮ ‬اللزوم،‮ ‬سيلجأ‮ ‬إلى‮ ‬الكتابة‮ ‬في‮ «‬لوجورنال‮» ‬لإخافة‮ ‬زملائه‮ ‬السابقين‮ ‬في‮ «‬الكوليج‮» ‬الملكي،‮ ‬بحثا‮ ‬عن‮ ‬طريقة‮ ‬يعود‮ ‬بها‮ ‬إلى‮ ‬جنة‮ ‬البلاط‮. ‬
وهو‮ ‬ما‮ ‬تم‮ ‬له،‮ ‬بالفعل،‮ ‬عندما‮ ‬صدر‮ ‬قرار‮ ‬تعيينه‮ ‬ناطقا‮ ‬رسميا‮ ‬باسم‮ ‬القصر‮ ‬الملكي،‮ ‬وهكذا‮ ‬عاد‮ «‬الابن‮ ‬الضال‮» ‬إلى‮ ‬العش‮. ‬غير‮ ‬أن‮ ‬عودته‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬محط‮ ‬إجماع‮ ‬بعض‮ ‬زملائه‮ ‬القدامى‮ ‬في‮ ‬فصول‮ ‬الدراسة‮. ‬فبدأت‮ ‬الحرب،‮ ‬خصوصا‮ ‬الضربات‮ ‬تحت‮ ‬الحزام‮ ‬التي‮ ‬يجيدها‮ ‬أوريد‮ ‬بفضل‮ ‬توفره‮ ‬على‮ ‬أصدقاء‮ ‬صحافيين‮ ‬ظل‮ ‬يمرر‮ ‬إليهم‮ ‬الأخبار‮ ‬الطرية‮ ‬المتعلقة‮ ‬بكواليس‮ ‬البلاط‮. ‬ففهم‮ ‬الهمة‮ ‬أن‮ ‬استمرار‮ ‬وجود‮ ‬هذا‮ ‬الزميل‮ ‬القديم‮ ‬معه‮ ‬داخل‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮ ‬سيخلق‮ ‬له‮ ‬متاعب‮ ‬كثيرة،‮ ‬فكان‮ ‬ضروريا‮ ‬أن‮ ‬يغادر‮ «‬البلبل‮» ‬العش‮ ‬من‮ ‬جديد،‮ ‬لكي‮ ‬يحط‮ ‬واليا‮ ‬على‮ ‬مكناس‮ ‬تافيلالت‮. ‬
بعد‮ ‬خمس‮ ‬سنوات‮ ‬من‮ ‬تمثيله‮ ‬لوزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬والملك‮ ‬في‮ ‬مكناس‮ ‬تافيلالت،‮ ‬وإشرافه‮ ‬على‮ ‬أجهزة‮ ‬المخابرات‮ ‬والأمن‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬المنطقة،‮ ‬سيعود‮ ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬إلى‮ ‬فيلته‮ ‬بالهرهورة‮ ‬في‮ ‬ضاحية‮ ‬الرباط‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬أصبح‮ ‬بدون‮ ‬عمل‮.‬
لكن‮ ‬بطالته‮ ‬لم‮ ‬تدم‮ ‬طويلا،‮ ‬خصوصا‮ ‬وأن‮ ‬الرجل‮ ‬تفرغ‮ ‬لإعادة‮ ‬الحياة‮ ‬إلى‮ ‬معهده،‮ ‬طارق‮ ‬بن‮ ‬زياد،‮ ‬وبدأ‮ ‬يستضيف‮ ‬محاضرات‮ ‬مزعجة‮ ‬بالنسبة‮ ‬إلى‮ ‬النظام،‮ ‬ففهم‮ ‬أصدقاؤه‮ ‬القدامى‮ ‬رسالته‮ ‬وتمت‮ ‬المناداة‮ ‬عليه‮ ‬للعودة‮ ‬مجددا‮ ‬إلى‮ ‬العش‮ ‬وشغل‮ ‬منصب‮ ‬مؤرخ‮ ‬المملكة‮. ‬
غير‮ ‬أن‮ ‬لسان‮ ‬أوريد‮ ‬الطويل‮ ‬سيجلب‮ ‬له‮ ‬المتاعب‮ ‬مجددا،‮ ‬وسيجد‮ ‬أصحاب‮ ‬الحسنات‮ ‬في‮ ‬الهمة‮ ‬الشخص‮ ‬الوحيد‮ ‬القادر‮ ‬على‮ ‬التأثير‮ ‬على‮ ‬سلطة‮ ‬القرار‮ ‬وإزاحة‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬منصبه‮ ‬وإحالته‮ ‬على‮ ‬التقاعد‮ ‬المبكر‮.‬
إن‮ ‬ما‮ ‬يزعج‮ ‬في‮ ‬تصفية‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬تركة‮ «‬الكوليج‮ ‬الملكي‮» ‬هو‮ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬التصفية‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬بسبب‮ ‬التجاوزات‮ ‬التي‮ ‬اقترفها‮ ‬هذا‮ ‬الأخير‮ ‬عندما‮ ‬كان‮ ‬واليا‮ ‬على‮ ‬مكناس،‮ ‬وإنما‮ ‬كانت‮ ‬بسبب‮ ‬حسابات‮ ‬شخصية‮ ‬بينه‮ ‬وبين‮ ‬خصومه‮ ‬في‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮. ‬
ولو‮ ‬كان‮ «‬أصحاب‮ ‬دعوة‮» ‬أوريد‮ ‬قد‮ ‬عجلوا‮ ‬بإقصائه‮ ‬من‮ ‬دائرة‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬حرصا‮ ‬على‮ ‬الصالح‮ ‬العام،‮ ‬لكانوا‮ ‬قدموه‮ ‬إلى‮ ‬المحاكمة‮ ‬بسبب‮ ‬فداحة‮ ‬المخالفات‮ ‬التي‮ ‬اقترفها‮ ‬بوصفه‮ ‬واليا‮ ‬سابقا،‮ ‬وعدم‮ ‬الاكتفاء‮ ‬بطرده‮ ‬خارج‮ ‬أسوار‮ ‬البلاط‮. ‬
ولائحة‮ ‬هذه‮ ‬المخالفات‮ ‬طويلة‮ ‬وعريضة،‮ ‬سبق‮ ‬أن‮ ‬ذكرنا‮ ‬بعضها،‮ ‬فيما‮ ‬تركنا‮ ‬بعضها‮ ‬الآخر‮ ‬في‮ ‬الاحتياط،‮ ‬في‮ ‬انتظار‮ ‬أن‮ ‬يصدر‮ ‬تكذيب‮ ‬عن‮ ‬المعني‮ ‬بالأمر،‮ ‬وهو‮ ‬الشيء‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يستطع‮ ‬القيام‮ ‬به،‮ ‬فلجأ‮ ‬إلى‮ ‬بحور‮ ‬الشعر‮ ‬والاستعارة‮ ‬والمجاز‮ ‬لإخفاء‮ «‬عجزه‮» ‬المزمن‮ ‬عن‮ ‬نفي‮ ‬الوقائع‮ ‬المثبتة‮ ‬بالدليل‮ ‬والبرهان‮.‬
وإذا‮ ‬أراد‮ ‬أوريد،‮ ‬فعلا،‮ ‬أن‮ ‬يتنازل‮ ‬لي‮ ‬عن‮ ‬ضيعة،‮ ‬فهل‮ ‬سيتنازل‮ ‬لي‮ ‬عن‮ ‬الضيعة‮ ‬الموجودة‮ ‬بآيت‮ ‬يعزم‮ ‬البالغة‮ ‬مساحتها‮ ‬11‮ ‬هكتارا،‮ ‬والتي‮ ‬كانت‮ ‬في‮ ‬ملكية‮ ‬صوجيطا‮ ‬وتتعهدها‮ ‬صوديا،‮ ‬وكانت‮ ‬مخصصة‮ ‬كسكن‮ ‬ثان‮ ‬لوالي‮ ‬الجهة،‮ ‬فحولها‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬دار‮ ‬للضيافة‮ ‬وجند‮ ‬رئيس‮ ‬المنطقة‮ ‬الحضرية‮ ‬لصوديا‮ ‬لإصلاح‮ ‬الضيعة‮ ‬وتشبيب‮ ‬مغروساتها‮ ‬وبناء‮ ‬الإسطبل‮ ‬وحفر‮ ‬البئر،‮ ‬ليتوج‮ ‬كل‮ ‬ذلك‮ ‬بتفويتها‮ ‬إلى‮ ‬شخصه‮ ‬بمساعدة‮ ‬صديقه‮ ‬البوحديدي‮. ‬والقيمة‮ ‬الحالية‮ ‬للضيعة‮ ‬هي‮ ‬مليار‮ ‬و200‮ ‬مليون‮ ‬سنتم،‮ ‬وهي‮ ‬الضيعة‮ ‬التي‮ ‬فوتت‮ ‬إليه‮ ‬ببضعة‮ ‬ملايين‮ ‬لم‮ ‬تصل‮ ‬إلى‮ ‬الثلاثين،‮ ‬أي‮ ‬دون‮ ‬الكلفة‮ ‬التي‮ ‬صرفتها‮ ‬صوديا‮ ‬على‮ ‬الضيعة‮ ‬لإعادة‮ ‬تأهيلها‮.‬

تعود‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬طيلة‮ ‬وجوده‮ ‬داخل‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮ ‬للملك،‮ ‬على‮ ‬لعب‮ ‬لعبة‮ ‬القط‮ ‬والفأر‮ ‬مع‮ ‬النظام،‮ ‬فهو‮ ‬تارة‮ ‬يتقرب‮ ‬من‮ ‬الإسلاميين،‮ ‬وتارة‮ ‬يستخدم‮ ‬معهده‮ ‬لمغازلة‮ ‬الأمازيغيين،‮ ‬وتارة‮ ‬يتقرب‮ ‬من‮ ‬اليساريين‮ ‬وقدماء‮ ‬الانقلابيين،‮ ‬معطيا‮ ‬المثال‮ ‬على‮ ‬الصديق‮ ‬متقلب‮ ‬الوجوه‮ ‬والأقنعة‮ ‬حسب‮ ‬المصلحة‮. ‬وقد‮ ‬وصلت‮ ‬به‮ ‬الجرأة‮ ‬حدا‮ ‬جعله‮ ‬لا‮ ‬يتورع‮ ‬عن‮ ‬ترشيح‮ ‬أحمد‮ ‬الطاهري،‮ ‬المحكوم‮ ‬بتزوير‮ ‬الانتخابات،‮ ‬لنيل‮ ‬وسام‮ ‬العرش،‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬تحقق‮ ‬عندما‮ ‬طلب‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬رئيس‮ ‬الاستعلامات‮ ‬العامة،‮ ‬الذي‮ ‬مكنه‮ ‬من‮ ‬20‮ ‬بقعة‮ ‬أرضية‮ ‬هو‮ ‬وزملاؤه‮ ‬ليشيدوا‮ ‬فوقها‮ ‬فيلاتهم‮ ‬الفاخرة‮ ‬بعدما‮ ‬كانت‮ ‬مخصصة‮ ‬لشقق‮ ‬اقتصادية‮ ‬لعمال‮ ‬ومستخدمي‮ ‬الجماعة‮ ‬من‮ ‬ذوي‮ ‬الدخل‮ ‬المحدود،‮ ‬تسجيل‮ ‬اسم‮ ‬الطاهري‮ ‬في‮ ‬لائحة‮ ‬الموشحين‮ ‬بوسام‮ ‬العرش‮. ‬هكذا،‮ ‬حصل‮ ‬الطاهري‮ ‬على‮ ‬الوسام‮ ‬ورد‮ ‬إليه‮ ‬الوالي‮ ‬اعتباره،‮ ‬على‮ ‬ظهر‮ ‬القصر،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬فشل‮ ‬في‮ ‬استعمال‮ ‬نفوذه‮ ‬في‮ ‬المحكمة‮ ‬لتبرئته‮ ‬من‮ ‬تهمة‮ ‬الغش‮ ‬الانتخابي‮. ‬
ومن‮ ‬بين‮ ‬الأقنعة‮ ‬الكثيرة‮ ‬التي‮ ‬ظل‮ ‬يلبسها‮ ‬أوريد‮ ‬حسب‮ ‬الظروف‮ ‬والمصالح،‮ ‬قناع‮ ‬العابد‮ ‬المتصوف‮ ‬الذي‮ ‬يحرص‮ ‬على‮ ‬أداء‮ ‬صلاة‮ ‬الفجر‮ ‬في‮ ‬المسجد‮ ‬لتغليط‮ ‬إسلاميي‮ ‬العدالة‮ ‬والتنمية‮ ‬في‮ ‬مكناس،‮ ‬وقناع‮ ‬الأمازيغي‮ ‬الذي‮ ‬يعاشر‮ ‬نشطاء‮ ‬الحركة‮ ‬ويعطي‮ ‬القصرَ‮ ‬فكرة‮ ‬مغلوطة‮ ‬عن‮ ‬نفوذه‮ ‬وتأثيره‮ ‬عليهم،‮ ‬وقناع‮ ‬المعارض‮ ‬الذي‮ ‬يجالس‮ ‬في‮ ‬أمسياته‮ ‬الساهرة‮ ‬أبناء‮ ‬الانقلابيين‮ ‬حيث‮ ‬يكيل‮ ‬النقد‮ ‬للنظام‮ ‬الذي‮ ‬أطعمه‮ ‬من‮ ‬جوع‮ ‬وكساه‮ ‬بعد‮ ‬عري‮ ‬وأغناه‮ ‬بعد‮ ‬فقر‮.‬
الفرق‮ ‬بين‮ ‬الأمس‮ ‬واليوم‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬الوضع‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬يتحمل‮ ‬وجود‮ ‬أمثال‮ ‬هؤلاء‮ ‬الانتهازيين‮ ‬والوصوليين‮ ‬داخل‮ ‬أو‮ ‬حول‮ ‬أسوار‮ ‬البلاط‮. ‬اليوم،‮ ‬أصبح‮ ‬مطلوبا‮ ‬إنجاز‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‭ ‬toilettage‭ ‬جذرية‮ ‬تذهب‮ ‬بالعناصر‮ ‬المؤذية‮ ‬الملتصقة‮ ‬بـ‮«‬جلايل‮» ‬الملك،‮ ‬وتبقي‮ ‬على‮ ‬البطانة‮ ‬الصالحة‮ ‬التي‮ ‬تسدي‮ ‬النصح‮ ‬وتكشف‮ ‬الأخطاء‮ ‬وتسند‮ ‬العثرات،‮ ‬بدون‮ ‬خوف‮ ‬من‮ ‬ضياع‮ ‬مصلحة‮ ‬أو‮ ‬جاه‮ ‬أو‮ ‬نفوذ‮. ‬
 
‮«‬هرفات‮» ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬لم‮ ‬تتوقف‮ ‬فقط‮ ‬على‮ ‬الأراضي‮ ‬والضيعات،‮ ‬وإنما‮ ‬تجاوزتها‮ ‬إلى‮ ‬المآثر‮ ‬التاريخية،‮ ‬وأشهرها‮ ‬مدرسة‮ ‬الشريف‮ ‬الإدريسي‮ ‬ذات‮ ‬المعمار‮ ‬التقليدي‮ ‬الرائع،‮ ‬استعملت‮ ‬أول‮ ‬الأمر‮ ‬كأول‮ ‬محكمة‮ ‬بمكناس‮ ‬في‮ ‬فترة‮ ‬الاستعمار،‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬تتحول‮ ‬إلى‮ ‬مدرسة‮. ‬لكن‮ ‬السيد‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬ارتأى‮ ‬نظره‮ ‬السديد‮ ‬أن‮ ‬تتحول‮ ‬المدرسة‮ ‬إلى‮ ‬متحف‮ ‬سماه‮ «‬متحف‮ ‬مكناس‮» ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬تكفل‮ ‬بالإصلاحات‮ ‬باهظة‮ ‬الثمن‮ ‬المكتب‮ ‬الجهوي‮ ‬للاستثمار‮. ‬بعد‮ ‬ذلك،‮ ‬سيقوم‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬بتفويت‮ ‬المدرسة‮ ‬المتحف‮ ‬إلى‮ ‬معهد‮ ‬طارق‮ ‬بن‮ ‬زياد‮ ‬الذي‮ ‬يسيره‮. ‬ولم‮ ‬تمض‮ ‬إلا‮ ‬أسابيع‮ ‬على‮ ‬هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ ‬حتى‮ ‬بادرت‮ ‬إدارة‮ ‬المعهد‮ ‬إلى‮ ‬كراء‮ ‬نصف‮ ‬المتحف‮ ‬إلى‮ ‬معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» ‬واستخلاص‮ ‬واجب‮ ‬الكراء‮ ‬لصالحه‮.‬

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة