أين الطمأنينة والأمان؟
زايد التجاني
وقبل أيام خلت ، كنت أدخل منزلي بكل حيوية ونشاط، يستقبلني ابني بابتسامته المعهودة ، أضمه الى صدري وأقبّـله ، أجلسه بقربي وأشرع أسأله ..نستقبل الضيف إن جاءنا بكل ترحاب بالمصافحة والكلام .. نقضي جميعا أوقاتا ممتعة بكل حميمية وسلام..
أين الطمأنينة والأمان ؟
وقبل أيام خلت ،كنت أغشى بيوت الله ، وقد أخذت تبدو في حلة جميلة هذه الايام بصباغتها وأفرشتها الجديدة ، بخشبها الذي غطى الجدران ليقي ظهور المتكئين من لسعة البرد القارس..فهذا يصلي وآخر يقرأ القرأن في تدبرو خشوع.. فجأة نقوم للصلاة بعد سماعنا الإقامة ، نقوم متراصين الكتف على الكتف.. والإمام يقول عبر مكبرات الصوت " تراصوا ، حاذوا بين المناكب والأقدام ،سدوا الخلل، لا تدعوا فرجات للشيطان.."
أين الطمأنينة والأمان ؟
وقد شاع الذي شاع ، صرنا يتحاشى بعضنا البعض ، يخاف بعضنا من بعض..لكأن الفيروس يطير في السماء مع الطيور..حبسنا اللعين في بيوتنا فأذافنا طعم السجون ، مستلقين ساعت طوال لا نبارح مكاننا كالمريض..صرنا نتأمل الوضع الجديد ولسان حالنا يقول : أين الحرية ؟ وأين الصحة والعافية ؟ أين اللقاءات و الاجتماعات والمصافحات والكلام والحبور؟ أحياء صاروا كالأموات ومنازلنا أضحت كالقبور.. اين وأين ؟؟
صرنا الآن كقنابل موقوتة يهابها الجميع ، الصغير والكبير، الغني والفقير،الحاكم والمحكوم ، الصحيح والمريض..
ماذا أقول ؟ أنا الآن رهين البيت ، لا يؤنسني غير الهاتف والحاسوب ، أتسقط الأخبار وأهاتف الأهل و الأصحاب..كلنا صرنا كمن يعيش وحيدا بعيدا .. تتناوشه الهواجس بالمخلب والنّاب..
أيتها الحياة العذبة الجميلة ، كنت كالنهر الجاري الرقراق فصرت الآن كبركة آسنة تكبر يوما بعد يوم بلا حساب..كنت كشدو العصافير الأخّاذ وأصبحت الآن كصفير الرياح ونعيق الغراب.
كنت أرى على محياك الإشراقة والابتسامة، وصرت الآن مقطبة الجبين مكدرة الخاطر.. محياك يبدو لنا قبيحا حتى من وراء نقاب..
كم كنت جميلة عذبة أيتها الحياة رغم ما فيك ، لولا طمعنا ورغبتنا في المزيد ، وجلنا يتمنى منك الآن القليل و القليل ..فلا شيء أسمى وأفضل من السّلام والأمن والاطمئنان..