مدرستي الحلوة
محمد شاكري
لم يأتي الصراع الدائر اليوم بين الآباء و المدارس الخاص إلا نتيجة لعقود من تخلي الدولة عن المواطن و تركه فريسة لأصحاب الشكارة و تماسيح البزنس في كل القطاعات الحيوية التي تمسه مباشرة.
فمنذ أن صارت الخوصصة ديدن الدولة و دينها صار بيع كل شيء مباحا حتى لو كان رمزا للأمة. خصخصة قطاعات استراتيجية و فتح الباب مشرعا أمام رؤوس الأموال لتستثمر في كل ما فشلت فيه الدولة بقدها و قديدها.
إصلاحات بٌشر بها المغاربة حين كانت الدولة على سرير الإنعاش تنتظر السكتة القلبية، فجاء الهلاك، عفوا الخلاص من البنك الدولي ليقدم الحلولة السهلة لمسؤولين فاشلين رهنوا مستقبل بلاد بأكملها لشروطه القاتلة ببطئ.
و عوض أن تكون السكتة مميتة لعقود من الإستبداد الإقتصادي و السياسي و مدعاة للنهضة كمل فعلت دول كماليزيا و تركيا و البرازيل...جاء زبانية البنك و صندوق النقد الدوليين ليبقوا على الدولة في سرير الإنعاش لا هي ميتة و لا هي حية.
و لكم أن تتخيلوا كيف أن حجم الدين الخارجي لأجمل بلد في العالم وصل إلى 38,4 مليار دولار بعجز بلغ خلال الستة أشهر لأولى بلغ 2,28 مليار دولار.
قطاع التعليم في الدول التي تحترم شعوبها لا يُتخلى عنه، فعليه يتوقف مصير الأجيال و مستقل الأمة.
تعليمنا ناجح في حدود ميزانيته الهزيلة و تسيير مسؤوليه الفاشلين. و الكل يعلم حال المدرسة بكل مستوياتها و الجامعة بكل تخصصاتها..الكل يعلم حال هيئة التدريس التي أضحت بفعل فاعل مواضيع نكتة و تنذر.
رفعت الدولة يدها عن المدرسة العمومية و دفعت بالتعليم الخاص إلى الواجهة. كيف ذلك؟ من خلال تدني الجودة و العبث في المناهج و عدم الإهتمام بالعنصر البشري و رداءة التكوينات و غياب التكوين المستمر و عدم الإستثمار في الوسائل التربوية، حتى البنايات لا توحي على أنها مدارس بقدر ما تعطي الإنطباع بأنها مبان حكومية متهالكة و لكم أن تطلوا على حال مدرسة في العالم القروي و ما نظيرتها في الحواضر بالأحسن حالا.
استأسدت المدارس الخاصة حين وجدت الساحة خالية و الأجواء مهيئة لاكتساح جيوب فئة معينة من المواطنين و اللعب على وعيها بأهمية التعليم.
فمن جهة تعليم عمومي مشلول و من جهة صاحب شكارة يحمل قلما بيد و يضع اليد الأخرى على محفظتك و أنت راض مبتسم لأنه لا بديل لديك.
لتبقى المدرسة العمومية للحوفارة من أولاد الشعب الذين لا مهرب لهم منها إن هم أرادوا لأولادهم تعليما يمحو الأمية كيفما اتفق. أما تلك الأيقونات التي تأتي بمعدلات عالية فلا يمكن أن تخفي غابة من الفشل الدراسي و الخواء المعرفي بين صفوف التلاميذ.
المفروض أن يكون التعليم العمومي في نفس جودة التعليم الخصوصي بل و أفضل منه، لأنه ممول من جيوبنا، و إلا ما فائد الضرائب التي تستخلص على كل حركاتنا و سكناتنا و في المقابل نتلقى خدمات رديئة، و أن يكون للمواطن حق الإختيار بين العام و الخاص و هو يعلم أن كلاهما يضمن تعليما جيدا لأبنائه.
"الله غالب هادشي لي عندنا.." نعم و لكنكم اخترتم أسهل الحلول و أنتم ترقعون ميزانيات الدولة بالإستدانة و تفتحون الباب لمهندسي الإقراض العالمي كي يعبثوا في مستقبل أبنائنا و يضعوا لكم السياسات التقشفية التي تقصم ظهورنا.
جشع أرباب المدارس الخاصة الذي أظهرته الأزمة الحالية رغم أن الضائقة على الجميع و رغم أن الجائحة اعتصرت جيوب الأسر يكشف أن المواطن في بلاد قولو العام زين يُترك أعزل أمام وحوش رأس المال. أما تدخل الدولة المحتشم فلا يخفي تواطؤها، و مهما زُوِّق الكلام عن القانون و الإستثمار و الطنز العكري فإن ذلك لا يعفي الدولة من مسؤوليتها المباشرة.
الحاصول..الخبار ف راسكم..الله يعفو علينا..