الإعلام الورقمي بالمغرب .. وجيوب المقاومة

الإعلام الورقمي بالمغرب .. وجيوب المقاومة

بوشعيب حمراوي

بات لزاما على رواد الإعلام الوطني أن يؤمنوا بأنهم وحدهم يمتلكون مفاتيح التغيير والتأهيل، وأنهم لن ينجحوا في استعمال تلك المفاتيح، إلا بترسيخ مبادئ الثقة في روادها المهنيين الصادقين، والاعتراف بالكفاءات والمواهب الإعلامية ودعمها ماديا ومعنويا. بات لزاما أن ندرك أنه لا بديل عن توحد رؤى رواد الإعلام بكل أصنافه، المكتوب والمسموع والمرئي. وخصوصا بين الإعلام الورقي والرقمي الذي لازال يعاني من بعض جيوب المقاومة، والمشكلة أساسا من كائنات محسوبة على الإعلاميين تغرد خارج السرب. وتعرقل مسار التنمية الإعلامية في البلاد. لم ننجح بعد في إيجاد سبل للتلاحم والتفاهم بينهما من أجل الإعلان عن إعلام (ورقمي) بمدونة (ورقمية)، تحمي خصوصيات الورقي والرقمي. وتقوي تكتلهما. على هؤلاء أن يدركوا حتمية ضرورة تواجد الإعلاميين في الورقي والرقمي جنبا إلى جنب في كل البلدان. ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما لا حاضرا ولا في المستقبل القريب أو البعيد. وخصوصا بدولة كالمغرب. واهم من يظن أن نهاية الورقي (كتب ومجلات وجرائد و..)، باتت وشيكة في عصر العولمة والعوالم الرقمية. فالمثقفين بعدة دول عظمى أقروا بحتمية استمراره وانتعاشته، وربما عودة المنشورات الورقية بقوة للحياة العامة. بالنظر إلى ما لها من خصوصيات وما يميزها من التزام ودقة على مستوى التحرير والتبويب والالتزام بالأجناس الصحافية وأخلاقيات المهنة. عكس المنابر الرقمية التي لازالت تعاني من منافسات غير شريفة لمنابر أخرى رقمية ومنصات للتواصل، تعتمد في معظمها على الإثارة والخبر والسبق الصحفي والفيديوهات التي لا يمكن تصنيف بعضها ضمن أي جنس من الأجناس الصحافية المعروفة. يضاف إليها ما ينشرونه من إشاعات وميوعة. وتجاوزات لأخلاقيات للمهنة. وفي مقدمتها اقتحام الحيوات الخاصة للأشخاص واستفحال مظاهر العنف الإعلامي اللامبرر.

 

وببساطة شديدة .. ففي المغرب، كما في عدة دول نامية (مستهلكة)، لا نمتلك مفاتيح العوالم الرقمية. ولا يمكننا أن نثق في عوالم يديرها الغير. ويمكن في أية لحظة أن تغلق في وجوهنا..فيضيع أرشيفنا وكل ما قضينا طيلة سنوات نختزنه داخلها. كما أن للورقي طعمه الخاص في القراءة والتتبع والمراجعة والتقاسم بعيدا عن الأشعة الصينية والهندية والأمريكية والأوربية وغيرها من الأشعة المضرة للذات والعيون . بل بعيدا حتى عن كل شبكات الاتصال وعن التيار الكهربائي وكل ما يمكن أن يجر خلفه من خطورة الصعق وفاتورة الاستهلاك.

 

صحيح أن معظمنا يخفي أرشيفه المعرفي والمعلوماتي داخل خزانات رقمية لدى السيد (google ) و السادة (gmail hotmail et yahoo et) وغيرهم من سيدات التواصل الرقمي (فايسبوك، توتير، اليوتيب، الانستغرام، الواتساب...).. لكن الأصح أن كل هؤلاء السادة والسيدات ليسوا مغاربة. ولن يترددوا في أن يحجبوا عنا كل ما نسوقه أو نخفيه لديهم. فيضيع تاريخنا الرقمي وكل ما عشنا نؤثثه داخل تلك العوالم الدخيلة. وتضيع معه سنوات من مسارنا وكفاحنا في كل المجالات. بل إننا نوفر لهم (على طبق من ذهب) كل ما لذ وطاب من معلومات وأخبار عن كل ما يجري ويدور ببلدنا. فهم يملكون مفاتيح خزائننا الرقمية كما يمتلكون الطرق العلمية للاستفادة منها في غفلة منا.

 

جميل أن تبادر فئات من رواد الإعلام إلى التكتل والتلاحم خدمة للإعلام الوطني. سواء بإعادة التشكيل والتأثيث لمنصات محدثة للدفاع والترافع عن حقوق وواجبات كل العاملين في قطاع صاحبة الجلالة. لإنعاش شريانها بدماء جديدة، و إضفاء روح العصرنة والتجدد على مهامها وآليات اشتغالها البشرية والقانونية. كما هو جميل أن تعكف فئات أخرى على بناء منصات جديدة لدعم مطالب شغيلة القطاع أو تطوير وتأهيل المقاولات الإعلامية وحمايتها من الكساد لمختلف تجلياته المادية والمعنوية وحتى الأخلاقية.. لكن الأجمل من كل هذا وذاك أن تلتزم تلك المنصات بأهدافها النبيلة. وأن يتم تطهيرها من الدخلاء والجهلاء و غيرهم من هواة الركوب والميوعة ومدمني الصيد والقنص العشوائي، هؤلاء المتربصين والمترصدين لكل حاملي المبادرات القيمة. والذين حولوا الإعلام الوطني إلى أدغال تسكنها الحيوانات المفترسة، وبرك مائية متعفنة تتكاثر داخلها كل أنواع الجراثيم والفيروسات الإعلامية.

 

لكم نحن في حاجة إلى تبويب إعلامي حقيقي، وخصوصا في الإعلام الرقمي. وإلى تخصص إعلامي يضمن تغطيات إعلامية مهنية تشبع فكر المتلقي بغض النظر عن نوعية هذا الإعلام. نحن في حاجة إلى صحافيين متخصصين وتبويب واضح وشفاف لكل ما هو (تربوي، صحي، بيئي، حقوقي، سياسي، رياضي،ثقافي، فني، ...). في حاجة إلى تبويب مغذي للفكر، لا يعتمد الإثارة والفضائح والأحداث والأخبار.. بقدر ما يعتمد التوعية والتعليم والتصحيح.. ويحرض المتلقي على اقتحام تلك القطاعات والخوض في مضامينها..

 

وإذا كان للمنابر الرقمية ميزة التسويق المتنوع والتخزين اللامنتهي. بحيث يمكن لمدير نشر أي منبر إعلامي رقمي أن ينشر ما يريد من مواد إعلامية مكتوبة و مسموعة و مصورة ومرئية. وعليه فقد أن يوفر لها (الفيترينا اللازمة) لجلب المتلقي. فإن العديد من أصحاب المنابر الرقمية أدركوا خطورة العمل داخل عوالم افتراضية مكتراة من شركات استضافة أجنبية أو شركات مغربية تكتري مساحات تعود في الأصل لجهات أجنبية. فطنوا إلى تلك الخطورة بعد أن أضاع العديد منهم جزءا كبيرا من أرشيفهم الإعلامي، بسبب عطب

 

ما أو نزاع مع الشركة المستضيفة، أو عند محاولة تغيير مكان الاستضافة. بل منهم من أضاع كل أرشيف جريدته.

 

كما أنه لم تتم مواكبة الإعلام الرقمي بالمغرب، ببرامج للتعريف والتوعية به كإعلام جديد هادف وجاد. وظل ولازال لصيقا بمنصات التواصل الرقمي (الفايس، اليوتوب، التويتر، الانستغرام، الواتساب...). والتي يتغذى من أخبارها ويسوق داخلها مواده الإعلامية. وظل الإعلام الرقمي بعيدا عن المواطن المغربي الذي ناذرا ما يفرق بينه وبين تلك المنصات الرقمية. وينسب إليه كل ما نشر من أكاذيب وميوعة وتجاوزات إعلامية.. عكس الإعلام الورقي الذي يسعى رواده إلى تحصينه وتعزيز موارده وأدواره. وإحداث أذرع إعلامية رقمية له. تزيده مكانة وحضورا ...

 

 

موضوع آخر وجب استحضاره. ويتعلق بالمواقع الالكترونية التي تحدثها الإدارات والمرافق العمومية. من أجل التواصل مع الرأي العام والمعنيين بخدماتها. والتي هي في الأصل منابر إعلامية رقمية غير مرخصة، تدار من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة. لكنها تؤدي خدمات إعلامية. ومن الواجب أن تخضع هي كذلك لقانون الملائمة وفرض إسناد تدبيرها إلى صحافيين مهنيين.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة