العولمة ودوخة الأنا

العولمة ودوخة الأنا

الحسين الرحاوي

وسمت مقالي المقتضب هذا –الذي كان في الأصل عبارة عن مداخلة في سياق ما-ب[العولمة ودوخة الأنا]، يعد موضوع العولمة في مجمله موضوعا متعدد المداخل يستحيل حصره بالاعتماد على مدخل واحد، الشيء الذي جعلني أحاول مقاربته من جوانب عدة، منها ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي. على اعتبار أن العولمة تعني مباشرة الهيمنة، وعولمة العالم، وغيرها من المفاهيم التي تتناسل باستمرار. أما الشق الثاني من العنوان فهو "دوخة الأنا" استعرته من الفلسفة إقرارا بأن الإلمام بهذا الموضوع المترامي الأطراف صعب المنال.

 

لموضوع العولمة من الجوانب والزوايا الكثيرة ما يثير اهتمام الكثيرين، إذ يحار المرء عند محاولته الإلمام بهذا الموضوع، أو حتى فهم حقيقته، خاصة أن كل من أدلى بدلوه في هذا الموضوع يركز في تحليله على جانب معين وبالتالي يأتي التحليل قاصرا، عموما لقد كثر الحديث عن العولمة على مستويات عدة أكاديميا إعلاميا وكذلك على المستويين الفكري والسياسي بتياراته المختلفة وحتى على مستوى الرأي العام.

 

فإذا أردنا ضرب مثال نمطي، يتحدث عن العولمة على اعتبار أنها وببساطة تعني تقوية أواصر الترابط العالمي، والروابط هنا ليست بمعناها الإسلامي بل الرابط المقصود في الوقت الحاضر هو أننا نجد السلع، ورأس المال، والبشر، والمعرفة، والخمور، والجريمة، والملوثات، والمخدرات، والأزياء، والمعتقدات. تتدفق بكل سهولة ويسر عبر الحدود الإقليمية لبلدان العالم، وهذا بالذات معنى أن يصير العالم قرية كونية صغيرة.

 

بعد هذا التمهيد المختصر؛ أثرت مقاربة هذا الموضوع الشائك من ثلاث زوايا:

 

ü علاقة العولمة بالصورة والإعلام عموما

 

ü علاقة العولمة بالتواصل

 

ü علاقة العولمة باللغة.

 

ملاحظة: اقتصرت في هذا الباب على طبيعة العلاقة بين العولمة والإعلام.

 

· العولمة و الإعلام

 

من المعلوم أن أوروبا قد شهدت الويلات خلال الحربين العالميتين المدمرتين الأولى والثانية، خرجت منهما منهوكة، فلا يخلو أي بيت أوروبي من قتيل أو جريح أو مفقود، وفي هذا السياق ظهرت مجموعة من العلوم والتخصصات المختلفة كان الباعث على ظهورها هو إعادة تشكيل البيت الأوروبي وترتيبه من جديد...

 

ومن المعلوم أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمي الثانية خصوصا وعبر سعة السوق الأمريكية والقوة الجيوسياسية أهلتها لخوض حرب من نوع آخر وهي الحرب الإعلامية، فزمن الدروع قد ولى ليحل محله زمن الصورة (الإعلام).

 

ولعل من بين أبرز الأسباب التي ساعدت على نجاح استعمار والت ديزني للثقافة العالمية the walt disney compan، وهي بالمناسبة من أكبر وسائل الإعلام والترفيه في العالم على الإطلاق، يعود إلى تلك الخرافة القديمة وإلى ذلك الصراع الأزلي بين الشاق والسهل وبين البطيء والسريع بين المعقد والبسيط، فالشاق والمعقد والبطيء مرتبط بنتاج ثقافي يدعو للإعجاب والإكبار، أما كل من السهل والبسيط والسريع فيتلاءم مع لهونا وتعبنا وخمولنا، ولنا في شركة الإعلام هاته وماكدونالدز خير مثال إذ كلاهما يروج للسهل والسريع والبسيط.

 

يمكننا التساؤل: لماذا المحتويات ذات الأهمية لا تحقق نسب مشاهدة عالية مقارنة مع محتويات الترفيه والتسلية على تطبيق يوتيوب مثلا؟

 

وكذلك؛ لماذا تعتمد بعض الشركات على الحرص على أن تكون فروعها على نمط واحد وعلى صورة واحدة ماكدونالدز مثلا؟

 

إن سعي العولمة وهدفها العام هو تنميط الحضارة، ليصير العالم صورة واحدة، بحيث يسود التدهور الاقتصادي والتدمير البيئي والانحطاط الثقافي، وهذا واضح تمام الوضوح.

 

تتميز وسائل التسلية كذلك بالتنوع وهي بهذا تتلاءم مع الإمكانات والخيارات وطرق التعبير الفردية المختلفة وهذا في الواقع ما يرغب به الأفراد في كل مكان.

 

إلى المهتمين بكرة القدم ألم تتساءلوا يوما لماذا كل هذه الشعبية الضاربة في الآفاق، يصرح رئيس الاتحاد الدولي السابق لكرة القدم FIFA هافيلاغ بضرورة زيادة فقرات الاستراحة أثناء مباريات كرة القدم وتخصيص هذه الفقرات للدعاية والإعلانات.

 

أختم هذا المحور بما صرح به الباحث IVAN ILLICH ساخرا لقد صار العطش يرتبط على نحو مباشر بالحاجة إلى الكولا؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة