الأضحى بين العادة والعبادة
بوسلهام عميمر
كلما حل عيد الأضحى، إلا وحلت معه مجموعة من التساؤلات المشروعة في عمومها.
وللأسف عادة تبقى معلقة بما أنها لا تجد من يتولى الإجابة عنها إجابات معقولة، إجابات
تستجيب لمتطلبات العصر، إجابات متنورة و مقنعة حتى إذا أقبل الناس على القيام بهذه
الشعيرة التعبدية أو لم يقوموا بها، كانوا على بينة من أمرها، عارفين بحكمها الشرعي و
بمنزلتها وبآدابها وبكيفية أدائها وبمقاصدها الدينية قبل الدنيوية.
و طبعا فعملية التوعية هي من مسؤولية العلماء أولا والوعاظ و المرشدين قبل غيرهم،
لكن للأسف قلة منهم من يجتهد ليقدم الجديد. فعادة خلال كل عيد أضحى تنظم ندوات تبث
عبر الإذاعة الوطنية و القنوات التلفزية، لا تتجاوز ذكر قصة إبراهيم الخليل مع ولده
إسماعيل عليه السلام، وذكر الشروط الواجب توفرها في الأضحية، والتأكيد على حسن
الذبحة و كمية الصدقة الواجب إخراجها، معززين ذلك بمجموعة من النصوص القرآنية و
الحديثية. نسخ مكرورة وكأن الزمن متوقف لا حركة فيه. ففي ظل غياب تجديد الرؤية لمثل
هذه الشعائر التعبدية وتبيان جوهرها للناس، سيبقى التخلف في أسوأ تجلياته هو السائد،
وربما يستفحل الأمر ويتطور من سيء إلى أسوأ عاما بعد عام.
لن نتحدث عما يحدث داخل الأسر بين الأزواج بالأوساط الفقيرة المعدمة لما يصل الخلاف
حول شراء الأضحية من عدمه إلى الطلاق، وأحيانا الخلاف حول حجمه مقارنة بكبش
الجيران. فهل من العبادة في شيء الإقدام على الطلاق الذي يهتز له عرش الرحمان من
أجل أضحية العيد؟
كم منهم يبيع ما هو في أشد الحاجة إليه، ليقتني كبش العيد "على عينين العديان"، وكم منهم
من يلجأ للاقتراض ليسدد ثمنه أقساطا قد تمتد لستة أشهر أو يزيد. و الأغرب فالتشدد في
هذه السنة قد لا يقابله عشر معشاره في الفرائض. إنها من المتناقضات التي ينبغي الوقوف
عندها بالتحليل والدراسة. فهل من التدين في شيء إهمال الواجبات والفرائض والتشبث
بالسنن و المندوبات والنوافل؟
أعتقد إنها المناسبة لوضع ثنائية عادة – عبادة تحت مجهر الفحص بخصوص هذه الشريعة.
فلا بد من معرفة ما هو من قبيل العبادة فيها وما هو من قبيل العادة ليس إلا.
فلو كان الناس على دراية بعلم الأولويات، وعلى علم بفقه الموازنات، وعلى حد أدنى من
التمييز بشأن تدينهم، هل كانوا ليندفعوا دفعة واحدة نحو الخروج من بعض المدن أو الدخول
إليها نتيجة قرار منتصف الليل الحكومي في ظرف أربع ساعات، معرضين أنفسهم إلى
التهلكة. قرار يبقى نقطة سوداء على جبين حكومة العدالة والتنمية، نسج حوله سيل من
السخرية الممزوجة بالألم، إلى الآن لا أحد استطاع فك شفرته، و لا فهم السرعة التي تقرر
بها، ولا العجلة التي صاحبت تنفيذه، ولا الهوس الذي ركب الناس، جعلهم يعمون أعينهم
ويصمون آذانهم عما يمكن أن ينجم عن اندفاعهم الكبير إلى الطرقات وإلى المحطات. فكان
ما كان من الكوارث في الأرواح والخسائر المادية في العتاد. فمن يتحمل بالضبط مسؤولية
ما وقع ليلة "الهروب الكبير"؟
ألم يكن الأولى التمهيد للقرار بكل ما يلزم مما يجعل آثاره خفيفة على المعنيين بالأمر من
المواطنين، ليتدبروا حالهم في سعة من أمرهم، و يتجنبوا ما وقع مما يندى له الجبين، مما
نتابع بعض فصوله في عدد من الفيديوهات بالطرقات و بمحطات المسافرين؟
قد يتساهل الناس في كل ما يتعلق بأمر دينهم، إلا هذا العيد. فليس اعتباطا أن يطلقوا عليه
العيد الكبير، بما توحي إليه الكلمة من معاني في مخيالنا الشعبي، ابتداء من كبر الكبش
والتواء قرونه و كمية شحمه وغيرها مما يتباهى به الناس. إنه العيد الذي نتحول فيه إلى
كائنات لاحمة، ضاربين عرض الحائط تحذيرات الخبراء في مجال التغذية، حول مخاطر
إدمان اللحوم خلاله ليل نهار، تغيب فيه المقاصد الدينية من الأضحية لدى معظم الناس
حتى لا نعمم، وتنزل العادات والتقاليد بكلها و كلكلها في كل ما يتعلق بها. فأين الإشكال لو
ألغينا السفر هذا العام وقضى كل واحد منا العيد بمقر عمله؟ بل وأين الإشكال لو تخلينا عن
الأضحية طواعية؟ صحابة كبار من أمثال الصديق والفاروق كانا لا يضحيان خشية أن
يقتدي الناس بهما. فهل نقص ذلك من تدينهم قطميرا؟