الحركة الانتقالية لإدارة الجمارك بين القرارات الفردية و القرارات التنظيمية

الحركة الانتقالية لإدارة الجمارك بين القرارات الفردية و القرارات التنظيمية

خالد شهيم

استقر القضاء في تعريفه للقرار الإداري على أنه إفصاح الإدارة المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين و اللوائح، و ذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكنا و جائزا قانونا ابتغاء مصلحة عامة (1)

و تعتمد الإدارات العمومية على القرار الإداري في الاستجابة لطلبات الموظفين الراغبين في الانتقال لدواعي مختلفة، بحيث تستجيب لمطالب كل واحد منهم على حدة أو بناء على لائحة سنوية إثر تجميع تلك الطلبات، كما يبقى للإدارة أن تقوم بالنقل التلقائي عندما تسن ذلك صراحة في قوانينها الخاصة، من هنا يطرح النقل التلقائي لعدد كبير من الموظفين بإدارة الجمارك إشكالا من حيث طبيعة القرار على حالته هاته خاصة في ظل غياب قانون أساسي مستقل يسمح بذلك، لهذا ارتأينا الخوض في طبيعة هذا القرار بعد أن نذكر أولا بأنواع القرارات الإدارية.

أولا: أنواع القرارات الإدارية

تتنوع القرارات الإدارية بحسب الزاوية أو النطاق الذي ينظر إليها من خلاله، وهكذا تنقسم من حيث المدى و العمومية إلى قرارات فردية و قرارات تنظيمية، و تنقسم من حيث تكوينها إلى قرارات بسيطة و قرارات مركبة، و تنقسم من حيث آثارها إلى قرارات نافذة و قرارات غير نافذة و إلى قرارات منشئة و أخرى كاشفة و قرارات مستمرة، كما تنقسم من حيث المراقبة إلى قرارات خاضعة للرقابة القضائية و أخرى خارجة عن نطاقها.

ذلك أن القرارات الإدارية البسيطة يتم إنشاؤها بناء على عملية قانونية واحدة لا تثير اللبس من حيث الجهة التي أصدرتها،مثل قرار الترقية، بينما تعرف القرارات الإدارية المركبة في إنشائها تعاقب مراحل قانونية تسهم في هذا الإنشاء مثل قرار إرساء الصفقة الذي تسبقه قرارات الإعلان عن المناقصة و إبرام العقد و نزع الملكية بحيث أن إلغاء القرار الإداري الذي أسهم في تكوين عملية قانونية معينة، يجب أن يؤدي إلى إلغاء العملية بتمامها، لأن ما ينبني على الباطل فإنه يبطل بالتبعية (2)

و من جهتها تكون القرارات الإدارية نافذة في حق المخاطبين بها مادامت تلتزم بنطاق المشروعية، سواء في مواجهة الموظفين أو المرتفقين، يستوي في ذلك أن تكون تلك القرارات مكتوبة أو شفوية، صريحة أو ضمنية، بينما تكون القرارات الإدارية غير نافذة إذا لم تتوخ الإدارة من وراء إصدارها ترتيب آثار معينة بالنسبة للأفراد، مثل المنشورات و المذكرات المصلحية (3)، لكن متى تعدت تلك المنشورات و المذكرات مهمتها المتمثلة في مجرد التوجيه إلى فرض التزامات على الأفراد مخلفة بذلك آثارا في المراكز القانونية للمخاطبين بها، فإنها تنزل منزلة القرارات التي يجوز الطعن فيها بالإلغاء لعيب يعتريها من أحد عيوب المشروعية. (4).

و إذا كانت القرارات الإدارية المنشئة تحدث عند إصدارها تغييرا في الواقع القانوني من خلال إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز موجود، فإن القرارات الإدارية الكاشفة تهدف من وراء إصدارها إلى إثبات واقع قانوني قائم يحقق بذاته كافة آثاره القانونية، مثل قرار فصل موظف لسبق إدانته في جريمة رتب القانون على اقترافها فقدانه لوظيفته. (5) بينما تكون القرارات الإدارية المستمرة قرارات متجددة الأثر مع الزمن لا ينتهي أثرها في ميعاد معين، و إنما يظل ساري المفعول إلى أن ينتهي القرار نفسه و تزول عنه قوته القانونية بعمل إداري أو تشريعي أو قضائي، سواء كان القرار إيجابيا مثل قرارات الاعتقال أو المنع من السفر، أو كان سلبيا مثل امتناع الإدارة عن إعفاء بعض السلع من الرسوم الجمركية على خلاف ما يقضي به القانون. (6)

و الأصل أن تخضع القرارات الإدارية بشتى أنواعها لمراقبة القضاء الإداري، إلا أن طبيعة البعض من هذه القرارات جعلتها تخرج عن نطاق تلك المراقبة مثل القرارات الملكية، و القرارات التي تعد من أعمال السيادة من قبيل التدابير الخاصة بالأمن الداخلي و الخارجي للدولة، أو الأعمال الحربية أو العلاقات السياسية.

أما القرارات الإدارية من حيث المدى، فتتكون كما سبق القول من قرارات فردية و قرارات تنظيمية، بحيث يكون القرار فرديا عندما يخاطب الفرد باسمه لا بصفته فيكون شخصيا منتجا لأثره تجاهه مثل الأمر الصادر بتعيين أحد الأشخاص أو مجموعة من الأشخاص في وظيفة معينة أو كقرار بمنح ترخيص من التراخيص، أما القرار التنظيمي، فهو يهدف إلى وضع قواعد عامة و مجردة، بحيث يخاطب الأشخاص بصفتهم و ليس بذواتهم، كما أن ميزته العامة و المجردة تجعل منه قرارا قابلا للتطبيق في المستقبل بعكس القرار الفردي

الذي ينتهي بزوال موضوعه، فقرار منع الموظفين الجدد من مباشرة الفحص المادي للبضائع هو قرار فردي بالنسبة لرئيس الآمرية الجمركية الذي تم توجيه الأمر إليه، بينما يكون نفس القرار تنظيميا في مواجهة الأطر الجدد و يظل ساريا في المستقبل على كل الموظفين الجدد إلى أن يتم إلغاؤه.

ثانيا: طبيعة قرار نقل موظفي الجمارك

تستند قرارات نقل الموظفين في إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة إلى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص في فصله 64 على ما يلي: «للوزير حق مباشرة انتقالات الموظفين الموجودين تحت سلطته ويجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر وكذا حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة».

ذلك كما هو معلوم فإن إدارة الجمارك لا تتوفر على قانون أساسي خاص بها مثل ما هو معمول به في الهيئة القضائية أو في إدارة الأمن الوطني التي تطرق قانونها الأساسي المؤرخ في 23 فبراير 2010 ضمن الفقرة الأخيرة من مادته 17 إلى مسألة نقل رجال الأمن حيث قال: «و يمكن دعوة موظفي الأمن الوطني للعمل، مؤقتا، خارج أماكن تعيينهم أو عملهم، كلما تطلبت ذلك ضرورة المصلحة.»

و حيث بالرجوع إلى مفهوم الفصل 64 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، نجده يستلزم ضرورة الأخذ في الاعتبار الطلبات التي يقدمها الموظفون الراغبون في الانتقال و من بينهم موظفي الجمارك، و يقع على كاهل مديرية الموارد البشرية الاستجابة لهذه الطلبات حسب ما تمليه متطلبات المصلحة العامة لسد الخصاص الذي قد تعبر عنه كل مديرية جهوية فيكون نوع القرار المتخذ في هذه الحالة قرارا فرديا لأنه يصدر في مواجهة شخص أو قلة من الأشخاص بذواتهم، فيتولى تقويم مرحلة هينة من مراحل الاعوجاج في تدبير الشأن العام، عن طريق سد الخصاص بعدد بسيط من الموظفين ممن قدموا طلباتهم في الموضوع، أو قد يكون بناء على نقل تلقائي عند تعذر توافد الطلبات الشخصية، تجريه الإدارة وفق معايير محددة تتمثل في تطلب كفاءة استثنائية أو في ندرة التخصص. أما في الحالة التي يكون فيها الخصاص كبيرا، فإن الأمر يستدعي تعيين موظفين جدد عبر اصدار قرارات تنظيمية في الموضوع من طرف الوزير ما لم يكن هناك قانون أساسي يعطي هذا الحق للمدير العام على غرار ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من الظهير بمثابة نظام أساسي لموظفي الأمن الوطني المؤرخ في 23 2010فبراير و التي تقول: «يمارس المدير العام للأمن الوطني سلطة تعيين و تسيير موظفي و مصالح الأمن الوطني مع مراعاة أحكام الظهير الشريف رقم 1.99.205 الصادر في 18 من جمادى الآخرة 1420 (29 سبتمبر 1999) بتفويض سلطة التعيين». ذلك أن مثل هذه القرارات التنظيمية تضم شروطا عامة و مجردة تعكس متطلبات المنظومة الإدارية ككل و ليس وجهة نظر الموظف المسؤول.

و يرجع إفتقار إدارة الجمارك للنظام الأساسي الخاص بها إلى عدم القدرة على تسويق المجهود الجمركي من طرف الإدارة الجمركية نفسها، فضلا عن تعطيل بعضا من بنود مدونة الجمارك في شقها الأمني من قبيل المتابعة في عرض البحر و ما تستلزمه من معدات و تأطير أو كالتراخي في جرائم المخدرات التي أضحت اختصاصات خالصا لمصالح الأمن بالموانئ و ما إلى ذلك، حيث تظل من وجهة نظر القائمين على البلاد إدارة غير استراتيجية، كما يتجلى ذلك من خلال تنصيب مديرها العام الذي يتم تعيينه من طرف رئيس الحكومة طبقا للفصل 92 من الدستور أثناء انعقاد مجلس الحكومة، في الوقت الذي يعين فيه جلالة الملك المدير العام للأمن الوطني و كل المديرين المركزيين في هذه الإدارة بناء على ظهير شريف وفق ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الظهير بمثابة نظام أساسي لموظفي الأمن التي تقول: «يساعد المدير العام في تأدية مهامه مدراء مركزيون يتم تعيينهم بظهير شريف.»

على هذا الأساس تكون الحركة الإنتقالية لموظفي الجمارك مقررة بغير سند من القانون نتيجة إفتقار إدارة الجمارك إلى قانون أساسي خاص بها كما سبق القول، ثم إن العمومية في القرار التنظيمي تعني توجيه الخطاب إلى كل من يوجد في مركز قانوني معين و ليس إلى فرد معين بذاته أو أفراد معينين بذواتهم (7) و حسبنا في هذا المقام أن المركز القانوني الذي قصدته الإدارة إنما استهدف قضاء الموظفين فترة من سنوات العمل داخل المديرية الجهوية، رغم أن هذا المعيار غير منصوص عليه في التشريع الجمركي بقدر ما هو مقرر في حق المسؤولين عموما بنص الرسالة الملكية الموجهة بتاريخ 15 نونبر 1993 إلى الوزير الأول، كما أن التجريد الذي يطبع القرار التنظيمي يعني في مثالنا هذا أن القرار لا يستنفد و لا ينتهي بمجرد تطبيقه على هؤلاء الموظفين، بل يتجدد سريانه في المستقبل في كل مرة يقضي فيها الموظفون عددا من السنين، الشيء الذي يجعل هذه الحركة الانتقالية ترتقي بالقرار الذي أنشأها من مصاف القرارات الفردية إلى طائفة القرارات التنظيمية في سعيها إلى إحداث تغييرات هيكلية عميقة، قد تؤثر سلبا على السير العادي للمرفق من خلال زج عدد كبير من الموظفين في أماكن غريبة بمهام غير إعتيادية تتطلب وقتا أطول من أجل ضبط العمل، مع ما يستتبع ذلك من تذمر نفسي، و من

تشتيت لمئات الأسر، مما يستدعي مساءلة سياسية للوزير أمام مجلسي البرلمان، مثلما حدث بمناسبة توجيه الفريق الإستقلالي للوحدة و التعادلية سؤالا كتابيا لوزير الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة بتاريخ 23 يوليو 2020 يستفسره عن أسباب القيام بهذه الحركة و عن التدابير المزمع القيام بها لإنصاف هؤلاء الموظفين. و هو استفسار قد يبدو منطقيا إذا ما صدر قرار النقل عن الوزير شخصيا، لكن واقع الحال يؤكد أن هذا القرار قد تم اتخاذه من طرف مدير الموارد البشرية بإدارة الجمارك ، و بالتالي إذا سلمنا بكون القرار هو قرار تنظيمي على النحو الذي سبق بيانه أعلاه، فإن صدوره عن مدير الموارد البشرية يكون على غير أساس، مغتصبا للسلطة مما ينحدر بالقرار إلى درجة البطلان لعيب جسيم في الاختصاص، على اعتبار أن القرارات التنظيمية غير مسموح بتفويضها إلى مدير الموارد البشرية، مثلما تم النص على ذلك بموجب قرار وزير الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة رقم 4184-19 الصادر في 27 من ربيع الآخر 1441 الموافق ل 24 دجنبر 2019 حيث قال في المادة الأولى: «يفوض إلى الأشخاص التالية أسماؤهم الإمضاء أو التأشير نيابة عن وزير الاقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة على جميع الوثائق المتعلقة بالمهام المنوطة بهم بإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ما عدا المراسيم و القرارات التنظيمية: ....»

 

 

------------------

(1) د. محمد فؤاد عبد الباسط: القرار الإداري. دار الجمعة الجديدة للنشر الاسكندريه 2005 ص: 7

(2) د سليمان الطماوي: النظرية العامة للقرارات الإدارية دار الفكر العربي القاهرة ص: 437

(3) د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: القرارات الإدارية في الفقه و قضاء مجلس الدولة. دار محمود للنشر و التوزيع القاهرة ص 216 .

(4) د سليمان الطماوي: مرجع سابق، ص: 458 .

(5) د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة: مرجع سابق. ص: 222 .

(6) د. ماجد راغب الحلو: القضاء الإداري. دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2010 ص: 323

 

(7) د. محمد فؤاد عبد الباسط: مرجع سابق ص: 76 .

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة