نفقات الميزانية العامة لسنة 2021 الجزء الأول: نفقات التسيير
حمزة الرندي
إن سياق إعداد مشروع القانون المالي لسنة 2021 اختلف كثيرا عن سابقه، فالظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب والعالم بسبب تداعيات وباء كوفيد 19 وتأثيرها على النظام الاقتصادي والمالي جعل من هذا المشروع، مشروعا استثنائيا، حيث حتم على الدولة وضع علاقة متينة تلازم معالجة مخلفات الأزمة على المقاولات وسوق الشغل والمجال الاجتماعي وانتكاسة الاقتصاد، مع وضع أسس واضحة لتعزيز مداخيل الميزانية وترشيد صرف نفقاتها، وهو ما يطرح تساؤلات حول أولويات صرف هذه النفقات وإلى أي حد يمكن ترشيدها؟ وهل بالفعل توجد نفقات غير ضرورية أم أن الأمر مرتبط بضعف الحكامة في تدبيرها.
ولعل خطاب العقلنة والترشيد الذي عرفته نفقات التسيير في هذه الظرفية، عمل رئيس الحكومة في منشور رقم 12/2020 المتعلق بإعداد قانون المالية للسنة المالية 2021 على حث كافة القطاعات الوزارية والمؤسسات بالاقتصار على النفقات الضرورية وتوجيهها للتدبير الأمثل من خلال تشجيع استعمال الطاقات المتجددة وتكنولوجيا النجاعة، وتقليص نفقات النقل والتنقل والحفلات، وتقليص نفقات الدراسات وغيرها، إلا أن ذلك لم يتحقق في مشروع قانون مالية 2021 حيث تطورت هذه النفقات إلى 225.5 مليار درهم بالمقارنة مع القانون المالي التعديلي لسنة 2020 الذي خصصت لها 215.4 مليار درهم، مع الإشارة أنها بلغت 136.9 مليار في قانون مالية 2010.
وفي هذا الإطار، يمكننا استخلاص بعض الأرقام والملاحظات فيما يخص مكونات نفقات التسيير ومجالات صرفها وذلك كالتالي:
- بالنسبة لنفقات الموظفين:
وتشمل المرتبات والأجور والتعويضات ومساهمة الدولة برسم التقاعد وأنظمة الاحتياط الاجتماعي، وقد تم تخصيص لها 139.8 مليار درهم برسم مشروع قانون مالية 2021 منها، 18.61 مليار درهم كمساهمة تخص التقاعد وأنظمة الاحتياط الاجتماعي، وذلك بارتفاع بالمقارنة مع سنة 2020 التي بلغ فيها مجموع المبلغ 135.9 مليار درهم.
وإن أهم القطاعات التي حازت على أكبر قدر من هذه النفقات في المشروع هي إدارة الدفاع الوطني بمبلغ 35 مليار درهم، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي 47.8 مليار، وزارة الداخلية 26.3 مليار، وزارة الصحة 10.4 مليار درهم.
وإن ما أثار ملاحظتنا بهذا الخصوص، أنه بالرغم من توجيهات رئيس الحكومة في حصر الطلبات المرتبطة بنفقات الموظفين في الاحتياجات الدنيا الكفيلة بضمان تحسين جدوة الخدمات المقدمة للمواطنين وتشجيع إعادة انتشار المناصب المالية، وحثه في منشور رقم 9/2020 القطاعات والمؤسسات بعدم برمجة إحداث مناصب مالية جديدة سنة 2021 باستثناء قطاعات الصحة والتعليم والقطاعات الأمنية بما فيها وزارة الداخلية والمصالح الأمنية التابعة لها وإدارة الدفاع الوطني، فالمشروع عرف تقليص لعدد المناصب المالية حيث بلغت 21.256، مقابل 23.312 منصب مالي سنة 2020، وأن هذه المناصب المالية ستستفيد منها مجموعة من القطاعات لم يتم استثنائها كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة الثقافة والشباب والرياضة ومجلسي البرلمان وغيرها. وهو ما يطرح تساؤل ماهي الغاية من استفادت هذه القطاعات من هذه المناصب؟ ولماذا لم يتم إدراج مناصب مالية لقطاعات على الأقل تستقطب عددا سنويا مهما من خرجي الجامعات والمدارس العليا كوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة؟ وهل بالفعل أن التقليص من عدد المناصب سيساهم في ترشيد النفقات أم سيكون لذلك انعكاس سلبي غير مباشر اقتصاديا واجتماعيا؟
- بالنسبة لنفقات المعدات والنفقات المختلفة:
فقد تم تخصيص لها مبلغ 50.7 مليار درهم في مشروع قانون مالية 2021 مقابل 46.1 مليار درهم برسم مالية سنة 2020، وسيتوزع المبلغ المذكور بين 29.6 مليار درهم للإعانات الممنوحة للمؤسسات العمومية، ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، 19 مليار لنفقات أخرى خاصة بالمعدات، وما يقارب 2 مليار لإتاوات الماء والكهرباء والاتصالات.
وإن أهم القطاعات التي حازت على أكبر قدر من هذه النفقات هي إدارة الدفاع الوطني بمبلغ 7.2 مليار درهم، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي 17.7 مليار، وزارة الداخلية 3.9 مليار، وزارة الصحة 5.1 مليار درهم.
والملاحظ، أنه بالرغم من حذف وتقليص مجموعة من النفقات التي كانت تشكل جزء مهم من مصاريف الإدارة، كمصاريف الصيانة والتدريب والتكوين ونفقات الوقود والزيوت، وكراء السيارات وتهييئ المقرات الإدارية وتأثيثها وغيرها، فقد عرفت هذه النفقات زيادة قدرها 9.81 في المائة، مع الإشارة أن القطاعات الأربع عرفت ارتفاعا فقط بميلغ 4 مليار درهم خلال مشروع القانون المالي، مما يطرح تساؤل حول نجاعة الآليات والمعايير المعتمدة في ترشيد النفقات لدى مختلف القطاعات؟
- بالنسبة للتكاليف المشتركة:
تم تخصيص لها مبلغ 24.5 مليار درهم في مشروع مالية 2021 وهو نفس المبلغ تقريبا المخصص لسنة 2020 وسيتم بالأساس صرفها في دعم أسعار الاستهلاك والإجراءات المواكبة (نفقات المقاصة)، تغطية عجز نظام المعاشات العسكرية والآثار المالية الناتجة عن رفع الحد الأدنى للمعاش، تحمل التعويضات العائلية لفائدة متقاعدي أنظمة التقاعد المدبرة من طرف الصندوق المغربي للتقاعد، إيرادات وتعويضات وإعانات مختلفة (معاشات الوفاة) وإيراد عمري لفائدة أرامل الشهداء وجرحى الحرب ذوي العجز المزمن، الاحتياط الاجتماعي (التأمين الإجباري عن المرض لفائدة الطلية – التغطية الصحية لفائدة ضحايا انتهاك حقوق الإنسان).
- بالنسبة للنفقات المتعلقة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية فقد تم تخصيص لها مبلغ 6.3 مليار درهم وهو نفس المبلغ المخصص لها برسم سنة 2020، أما بالنسبة للنفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية فقد ارتفعت من مبلغ 4.1 مليار درهم برسم مشروع قانون مالية 2021، مقابل 2.4 برسم مالية سنة 2020.
في الأخير، إن الحديث عن ترشيد النفقات العمومية خاصة نفقات التسيير يستلزم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الموازية ليس فقط على مستوى رفع نفقات قطاع وتخفيض نفقات قطاع آخر، أو على مستوى زيادة نفقات لقطاعات محددة وفقا للظرفية والحاجيات، وإنما ينبغي الحرص على جعل هذه النفقات بصفة عامة تستجيع لآليات ومبادئ الحكامة، وأن تكون أكثر وضوحا وصدقا، وأن يتم الحرص على تجويدها ومراجعتها بالشكل الدقيق وإلغاء بعض الأسطر منها بصفة نهائية.