الطريق الى الديموقراطية
الحسين أربيب
من أصعب الطرق بناءا ومرورا ،هو الطريق الى الديموقراطية ، فهي تتطلب للوصول اليها عبر العزيمة الفردية والجماعية للشعب والنخب وتضحية مادية ومعنوية لكلاهما ، فلا يمكن بناء الصرح الديموقراطي ونحن مازلنا غارقين في ظلام الجهل والفقر ، ولا يمكن الارتماء في أحضان الديموقراطية ونخبنا ما مازالت ترضع من ثدي الدولة وتتشبث بكل "الامتيازات " وتحافظ عليها بحكم المنصب ، وكأن لسان حالها يقول " انا المسؤول من يجرؤ على الكلام؟"، كما انه لا يمكن أن نصل لطريق الديموقراطية ونطأ مجالها ونحن ذلك الشعب الذي لا يساهم في بناء تلك الطريق أولا بالانضباط للقوانين والمساطر كيفما كانت واينما وجدت ، ولا يكون مساهما في خرقها عبر الدوس عليها او السكوت عن من لا يحترمها ، فبناء الديموقراطية وجب أن يكون مشروعا اجتماعيا وجماعيا ، مشروعا يندمج مع الحياة اليومية ويصبح من عادات الشعب وتقاليده وثقافته ، فالشعب الذي يترك جماعات تسرق الأضاحي ،وترتمي علي ملك الغير بدون حق والباطرونا التي تستغل العمال وتشتغل في ظروف اقل ما يقال عنها أنها لاإنسانية ، لا تنتظر منهم أن يقفوا بجانبك لبناء الطريق المؤدية الى الديموقراطية ، فهؤلاء لا يعرفون العيش سوى في المياه العكرة كالسلاحف ، بالرغم أن البعض سيقول أنهم نتاج سياسة وتربية معينة ،وهم على حق، ولكن مهما كانت البيئة التي نشأ فيها المرء، فإنه يمتلك عقلا يفكر به ويميز بين الخير والشر ، فلا يعقل أن تعيد كل ما يقع من أعمال سلبية بأنها تعود للذي خطط سياسة معينة في مجال معين ، فالعيب فينا ، فنحن من يغذيه بصمتنا ، والتغاضي عنه بعدم التقويم أو النهي ولم لا التدخل لإيقاف كل تصرف يسيئ للبلاد وللعباد. نعم السياسة أداة ذو حدين، ولكنها لا محيد عنها لأنه لا يمكن أن تكون أي جماعة بلا قيادة وبلا مؤسسات تنظم حياتها وتجمعها على خدمة المصلحة العامة ،غير أن السياسة لابد أن يعتني بها أصحاب الكفاءات والمروءة، وليس من لهم سوابق إجرامية ، أخلاقية ومالية وما دواليك، فالسياسة في جوهرها أخلاق وأعمال نبيلة .لذا فالعمل على ترسيخ الديموقراطية يتطلب أول تعبيد الطريق اليها حتى يتسنى الوصول للأهداف المسطرة ، وتلك الطريق تتطلب أول بناء المواطن الذي يملأ مكانه ومنطقته بالعمل والفكر، وهو فعال في أي زاوية يوجد بها ،في المدرسة ، يلقن المعلومة مرفقة بالسلوك النبيل ،وليس المعلومة المجردة عن التطبيق داخل المجتمع الذي نعيش فيه ، في الحقل نزرع الشجرة لا لنأكل من منتوجها ، في الحين بل قد لا نصل لثمارها ، بل نزرعها للأجيال القادمة. وتلك هي طريق الديموقراطية. . فالديموقراطية ليست مجموعة قوانين ومساطر ومقتضيات ، ولا انتخابات ولا تنظيمات سياسية وهيئات نقابية ، صحيح، أن الترسانة القانونية ضرورية ، كما أن تلك المكونات التنظيمية ضرورية أيضا ،لانسياب صببب الفعل الديموقراطي، ولكنها ما هي إلا وسائل وآليات تساعد على بلوغ الهدف الأساسي الأول والأخير ألا وهو الديموقراطية ، ولكن يجب التأكيد أن وجود القوانين مهما كانت متطورة ووجود الأحزاب وتعددها ، لا يعني في أي حال من الأحوال أن الديموقراطية موجودة ، فالديموقراطية بمثابة حاضنة ، أوأما حنونا حيث يكون الشعب في رعايتها ، ولا يضطر الى ممارسات قد تخل بالسير العادي للديموقراطية، وتنفيذ القوانين وإحقاق الحقوق ، وتحديد الواجبات بل هي سلوك وممارسة يومية يتحلى بها كل من الحاكم والمحكوم، فالحاكم يقوم بواجبه في مجال اختصاصه والمحكوم كذلك ينفذ ما يستوجب عليه القيام به، دون إلزام أو ضغط، فالإلزام الوحيد هو النابع من ضميره ومن شخصه، هنا يمكن للقوانين أن تنجح ولن نكون في حاجة الى شرطي في آخر الطريق ليحرر محضرا لمن لم يقف عند علامة قف. فالكل في نطاق عمله وجب أن يلتزم بما هو مكلف به، فالحقوق والواجبات تحدد لكل واحد منا، مسؤول وغير مسؤول ،ما له وما عليه كما أن الديموقراطية ليست منتوجا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يمكن استيراده ونقل نبتته من مكان لأخر بل ، هي مجموعة مفاهيم تترسخ في الذهنيات المجتمعية وتسعى الى تطبيقها ،عبر آليات وتنظيمات سياسية لتجسدها على أرض الواقع ، لذا فالديموقراطية ليست عملية سهلة البلوغ ،بل عملية عويصة ومعقدة تتطلب الكثير من الجهد المشترك بين حاكمين ومحكومين وذلك بتظافر الجهود والإرادات ، وتعتمد أساسا على عملية التعليم والتربية ، تعليم يسهل ولوجه ومتوفر على مناهج وسبل تؤدي الى تعبيد الطريق الى الديموقراطية ،عبر مسالك بيداغوجية ونفسية ومعايير للتعامل بين الجميع على أساس المساواة، والحقوق والمواطنة وحب الوطن، واعتبار الفرد في خدمة الجماعة والجماعة في رعاية الفرد في تماسك وتعاون وتوازن في العطاء وبذل الجهود أمام كل العقبات للوصول للأهداف المسطرة في المخططات التي تضعها الدولة بمشاركة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والتربويين وغيرهم .ومفهوم الديموقراطية مفهوم تطور عبر تطورات الحقب التاريخية والسياسية مما جعل منه المفهوم الذي
تتمحور حوله كل الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، لأنه مرتبط بالحريات بمختلف أنواعها وأشكالها ، والحرية بصفة عامة تكون لصيقة بمفهوم الديموقراطية ، بحيث لا توجد حرية فلا يمكن الحديث عن وجود الديموقراطية . فالحرية مفهوم أسال الكثير من الدم والحبر ، فهو مفهوم غير قار بل متحرك ومتطور حسب تطور الفكر الإنساني وحاجياته المادية والمعنوية ، وكما أنه مفهوم يتطور وينمو حسب القيمة التي يمنحها له الإنسان ، وهكذا يتقلص هذا المفهوم ويتطور حسب الأفق الروحي والفكري والعقلي والثقافي والإجتماعي والتربوي والسياسي،. وعليه الدولة الديموقراطية تحتوي على اركان تمسكها الحريات والحقوق والمبادئ التي تعتمد على العيش المشترك بنوع من العدالة وتوزيع الخيرات ، والخدمات حسب معايير نسبيا ، فيها المساواة وعدم التمييز او الإقصاء. إن طريق الديموقراطية ، طريق يستوجب لبنائه، نفسا طويلا ،كما يتطلب بناءات متوازية مثل التعليم والنبيات الاقتصادية وألإجتماعية والسياسية ، والأهم في كل هذا هو بناء المواطن الديموقراطي المحب لمبادئ وأخلاق يستمدها من منبع الديموقراطية التي تجعل الإنسان متساويا لأخيه الإنسان ، بحيث لا يرى الفروق بينه سواء من خلال منظار الدين أو اللون أوالإختلاف في التفكير ، بل ينظر للآخر كما ينظر لذاته لا فرق في الحقوق وفي الواجبات ، في التعامل وفي الخدمات ، في العمل ، وفي المدلرسة والمشفى . . في كل ما سبق هل نحن على الأقل، نقتفي أثر طريق الديموقراطية ؟ وهل لدينا تصورا لمعالما الكبرى ؟ وهل استجمعنا القدرة على وضع الحجر الأساس لبناء صرحها ؟ وهل ساهمنا كل من جانبه في المشاركة السياسية من أجل الوقوف على تفاصيل الفعل السياسي وتطبيق الدستور، بكل ما يحمله من مبادئ وإعلان للحقوق والواجبات ، وتتبع أصواتنا التي عهدناها لصندوق الانتخابات، من أجل أن تفرز المشاريع التي نطمح الى تحقيقها من قبل الفريق السياسي الذي حصل على موافقتنا ؟أم اننا نترك الحابل على الغارب ، ونمضي في متاهات الحياة ؟ فلا نحن هنا ولا نحن هناك؟ إذاك فلا حق لنا لنتحسر على ما صنعناه بأيدينا، ونلطنم خدودنا في بكائية لا تجدي عن مآل سياسة كنا نحن من ساهم في تركيزها بالتصفيق والصراخ لمن لا يستحق ، وحملناه على أكتافنا ولم يرد النزول منذ ذاك الوقت، لأنه تعود على حكمنا بالأكاذيب التي صدقناها رغم تكرارها ، اليست لنا ذاكرة ؟أم ان الشأن السياسي لم يعد من اهتمامنا لهذه الدرجة ؟وبالتالي نستحق كل ما يجري لنا؟ .