المثقف /البروباغـاندا أسواق الأبواق!!

الحسن بنزكور

انتظر قليلا! نحن هنا نتحدث عن بائع الوهم ومزيف الواقع والراقص على كل الحبال.

إذن نحن هنا بعيدون عن مفهوم "غرامشي" للمثقف العضوي،عن المثقف المبدئي ،فمرحبا بكم في الساحات التي تعج بصنف من المثقفين حيث يمارس الفعل الثقافي كسلعة دعائية لمختلف الجهات مقابل أجر – بغض النظر عن طبيعة هذا الأجر-وذلك تحت قاعدة السوق "العرض والطلب".

حيث استطاعت أسماء عديدة كثر ترديدها وتكرارها، أن تقود جوقة اتخذت من الصراخ الدعائي، فاستحقت بجدارة أن تعكس مفهوم هذا المثقف الانتهازي في الواقع. فهم أصحاب نظرية الأفعال الكلامية مستغلة الشعارات البراقة التي شكلت دائما أداة انفعال جماهيري واسع،خصوصا في وقتنا الراهن، حيث يعيش معظم الناس بالدفع الإعلامي بجميع منافذه المتاحة.حتى قيل أن الشعارات وليمة المغلوبين!!

وهكذا اقتحم علينا هذا المثقف المأجور بيوتنا عبر مد ثقافي مزيف خدمة لكل من يدفع المقابل. وكل ذلك إنما يحدث في ظل تراجعات اجتماعية عميقة أعاقت التنفس الطبيعي . في "أسواق الأبواق" فقط يمارس هذا المثقف لعبته المفضلة في الطبل والرقص لكسب الحياة،ويساهم في دفع الثقافة لأن تصبح ثوبا مهلهلا لا يمثل أي تميز أو تماسك ،حيث يكون في هذه الحالة أقرب إلى المهرج والمزور الذي يتصدر وسائل الإعلام، مستعملا مايتقنه من أساليب الخداع وما يمتلكه من رأسمال رمزي،يطوعه ليتسرب في الوعي الجماعي ،خدمة للآخر صاحب المصلحة !!

وتظل وظيفة التواصل عبر الوسائل المفتوحة هي الأداة السهلة والمتاحة التي يعمل من خلالها هذا المثقف البوق. وبالتالي تشكل التوجهات الخدمية التي يركبها هذا المثقف المادة الخصبة لنشر ثقافة الاستهلاك والهيمنة والخضوع والترويج لصالح وجهة نظر مسيطرة ،مبررا ومحرفا للحقائق التي تهم الشأن العام وهو يسعى بكل السبل للارتقاء الاجتماعي .

هذا المثقف الذي امتهن الهروب والتمترس تحت أقنعة تُحمل الآخرين مسؤولية كل فشل. وكثيرا ما يظهر كضحية ليكرس بالتبعية الواقع الراكد، بتلميعه تارة وبمهاجمة منتقديه تارة أخرى، وفي أحسن الأحوال يلتزم الصمت حول القضايا الحقيقية والملحة للمجتمع.

إن الوضع الاجتماعي القائم يتغذى على منتوج هذا المثقف من خلال الفعل الثقافي المزيف ،والمبرر للسيطرة وذلك باستعماله الخطاب العنيف والتعامل مع المجتمع من موقع التعالي. وهكذا أصبح هذا المثقف دكتاتورا بعد أن ركب عربة السلطة ،ينفذ ما يطلب منه ،ويجتهد لإرضاء طبقة معينة في المجتمع تتحكم في السياسة و الاقتصاد،حيث تراه لايفوت أي فرصة للتلميع بعيدا عن المساءلة والنقد،التي هي من صميم أدوار المثقف الحقيقي في التنوير والتقييم.وهكذا نجد هذا المثقف النفعي والسطحي يلاحق خطوات الجهات المتحكمة والمسيطرة لتلبية رغباتها في تبرير قراراتها مهما كانت عكس قناعات وإرادة مجتمعه.

وقد نجد هذا الصنف من المثقفين يُستعملون للزينة في الصالونات والندوات والمؤتمرات ومختلف الفعاليات التي تبهرنا بالضوضاء و...فقط. حيث تجهم يمارسون طقوس الطاعة والتبعية والمجاملة ،وهو بالتالي يؤدي وظيفة "الزينة" للمستبد أو لطبقة معينة ويكرس هيمنتها،ومناصرا لمصالحها،على حساب آمال وطموحات المجتمع.وهو يمارس حرفته هذه نجده يقوم بجلد المخالفين في الرأي بالقمع باسم الثقافة!!

 

إن المثقف الذي يخضع لإغراءات الجهات المسيطرة في المجتمع وانضم إلى أجهزتها ، وفقد أدواره في الفعل الثقافي الملتزم بالقضايا العادلة لمجتمعه،لم يعد يتحمل مسؤوليته في التنوير والتفكير للخروج من من التخلف والاستبداد السياسي والاقتصادي، وهو بالتالي لا يكف عن استعماله أدواته الرمزية والمعرفية لتجميل القبيح والركون إللى ثقافة التزيين والاستهلاك والشعارات الخطابية ،أفضت إلى استبداد ثقافي أنهك المجتمع وكرس واقع التخلف بدل الرقي بالمجتمع والمساهمة مشاريع التنمية في مناخ يطبعه المشاركة والحرية.