صراع انتخابي بخطاب ديماغوجي
خالد أفررائير
بادئ ذي بدء إذا كان السحر يفتن العيون وينقل الإنسان من الحقيقة إلى الخيال ومن الواقع إلى الوهم، فإن سحر الكلمات لا يقل خطورة عن سحر العيون، لأن الكلمات تسحر الآذان والأسماع وتغزو العقول بجحافل المصطلحات والمفردات التي يمكن استنباتها على شكل أفكار ومفاهيم ومعتقدات، وتسويقها عن طريق الإغراء والغواية والتضليل والزخرفة الخالية من المضمون.
استهل هذا المدخل لأدلو بدلوي على ما تشهده الساحة السياسية من تراشق وبهرجة واتهامات بين الأحزاب السياسية ببلادنا هذه الأيام، بخطاب ديماغوجي بعيد كل البعد عن مصلحة الوطن والخوض في الهوامش والصراع الانتخابي، بعيدا عن هموم المواطنين ومعاناتهم التي خلفتها تداعيات جائحة كورونا من فقدان لمناصب الشغل التي ساهمت في ضعف القدرة الشرائية، و انعكاساتها السلبية على المعيشة اليومية للمواطن المغربي التي تسببت في ركود اقتصادي و أزمات اجتماعية......في المقابل نجد ساسة وطننا العزيز يطلون علينا كل يوم بخطاب بئيس مقزز على شاكلة السياسي المثالي المحب لوطنه وهو في حقيقة الأمر الباحث عن السلطة و المصلحة الشخصية أولا، تليها الحزبية و بعدها الوطن.....في الوقت الذي كنا ننتظر من الأحزاب و الفاعلين السياسيين، عرض برامجهم السياسية ومخططاتهم المستقبلية على المستويين الداخلي والخارجي أمام الناخبين ونحن على مشارف الاستحقاقات الانتخابية ،بما يخدم الوطن ومصالحه الاستراتيجية لمناقشتها بشكل عقلاني بعيدا عن الخطاب الشعبوي الذي أصبح اليوم السمة الأساسية لدى بعض الزعماء السياسيين.....نجدهم يعتلون المنابر الإعلامية للحديث عن القفف التضامنية التي تشرف عليها مؤسسة جود فقط لكون أن رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار يعد من أكبر الداعمين الماديين لها وهو ما لم ينكره خلال إطلالته الاخيرة، التي ارتأت هذه المؤسسة الجمعوية الخوض في هذه التجربة الاجتماعية لسنوات طويلة، إذ سبقتها العديد من المنظمات المنضوية لبعض الأحزاب الكبرى بتوزيعها للقفف وتقديم خدماتها الاجتماعية المتنوعة لمناضليها، أطلت علينا هذه الهيئات السياسية خلال الأيام المنصرمة بجلباب الطهرانية و هي من أفسدت العمل السياسي بتوزيع الأموال المشبوهة وشراء الذمم خلال الانتخابات حتى أضرت بالعملية الانتخابية كفعل ديمقراطي يختار فيه الشعب الأصلح و الأجدر لقيادة تدبير الشأن العام ببلادنا، لكن للأسف أموالهم الفاسدة أفسدت السلوك الديمقراطي للمواطنين حتى أصبح المواطن عازفا عن المشاركة السياسية لأنه يدرك مسبقا أن صوته لا يمثل رقما أمام الأصوات التي تباع وتشترى .......و الأدهى من هذا أن كل الأحزاب توزع القفف كلما اقتربت الانتخابات و الفرق بينها وبين مؤسسة جود أنها تقدم خدماتها الاجتماعية المتنوعة ومع كل فئات وشرائح المجتمع وليس بالضرورة مع مناضلي الحزب و هذا بشهادة الجمعيات غير المنتمية التي تتلقى الدعم المالي منها لتمويل أنشطتها و معروف أن هذه المؤسسة تشتغل لسنوات طويلة وليس مع قرب الاستحقاقات البرلمانية وهنا يكمن الفرق، وتقوم بعملها كسائر المنظمات التي لها باع طويل في هذا الميدان و كما الهيئات التي تشكل النواة الحقيقية لأحزاب تدبر الشأن العام كحزب العدالة و التنمية الذي يشتغل في الميدان الاجتماعي ومن باب المنطق السياسي لا نعيبه بهذا العمل وإنما نشجعه، جعله يحصد نتائج بوأته رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين و إنما العيب في الأحزاب الأخرى التي لا هم لها سوى الأصوات و التي تجعل من أحزابها دكاكين انتخابية فقط......لم يعد مسموحا اليوم لهاته الدكاكين الحزبية أن تحارب الأحزاب التي تقوم بأدوارها الدستورية والتأطيرية و لها مشروعا تواصليا يجعلها قريبة من هموم المواطن وانشغالاته اليومية وتقديم خدماتها لهم بينما الآخرون في سبات عميق لا تستفيق إلا عند اقتراب مواعيد الانتخابات، فيطلون علينا بخطاب ديماغوجي لا يمكن تسميته إلا بالخطاب الشعبوي المبهم والعاطفي، لا يعتمد الأفكار والرؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماما أو يتطابق مع المزاج السائد أو يختاره صناع الخطاب ليبدو على أنه سائد، من دون أن يفيد في التعامل الجدي والمسؤول مع المشاكل الواقعية، ويكثر الخطاب الشعبوي من التركيز على وردية الحلم وتبسيط الأمور في شكل مسرحي كرنفالي، مع الإحالة إلى التاريخ الذي يتم استحضاره واستخدامه كوسيلة إيديولوجية ذات عمق انفعالي، وعادة ما يلجأ الديماغوجيون الشعبيون إلى ما يمكن أن يطلق عليه «الحجاج الجماهيري»، وهي عبارة عن سفسطة منطقية، دون أن يبني المخاطب كلامه على مقدمات تقوده إلى نتائج تتناسب مع تلك المقدمات، فكل همه اعتناق الجمهور لفكرته، ودفع الجمهور إلى الاعتقاد اليقيني بصحة ما يقال بدون التفكير في الارتباط النصي والنسقي لما يقال ودون محاكمة للكلام، الأمر الذي يقود إلى حالة من الخلط والمغالطة المقصودة لترويج الأفكار المرغوب بإقناع الناس بها.
لماذا كل هذا التحامل على زعيم التجمع الوطني للأحرار في هذا الزمن السياسي بالضبط في محاولة للإساءة لسمعة الرجل بداعي أنه يستغل ضعف الفقراء لاستمالتهم انتخابيا وهو من أقدم في زمن الجائحة بدون وصاية أو تعليمات من أحد، أن يقف وقف تضامنية من خلال مساهمته في صندوق الجائحة، جعلت العديد من وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن سخاوة المبلغ التي لم يفرضها عليه أحد، سوى الواجب التضامني مع أبناء وطنه، لماذا لم يتم تصنيفها آنذاك ضمن الحملة الانتخابية ؟ أم لأنكم عاجزون عن القيام بهاته المبادرة لأن من يأخذ دائما لا يعطي..........الرجل له رصيد من التضامن الاجتماعي الذي دأب عليه منذ زمن من خلال مؤسسة جود التي قامت القيامة ولم تقعد على أعمالها التي كانت تزاولها لسنوات طويلة بالعديد من المشاريع الاجتماعية في القرى والمداشر من خلال حفر الآبار و تجهيزها لتوفير الماء للشرب والسقي للساكنة وكذلك تعبيد مسالك الطرقات للدواوير التي تعيش في المناطق النائية وتشجيع أبنائهم على التمدرس من خلال توزيع الكراسات المدرسية بكل لوازمها وتقديم الدعم المدرسي لهؤلاء التلاميذ من ذوي الأسر الفقيرة، ودعمهم لإستكمال دراستهم الجامعية بتوفير المسكن لهم.......،و الأكثر من هذا تقوم هذه المؤسسة الجمعوية بتمويل مشاريع للشباب من أجل خلق مناصب للشغل لتوفير لقمة العيش الكريمة لشباب حاصل على شواهد عليا وهو عاطل عن العمل باحثين عن الكرامة ولا علاقة لهم بالسياسة......بالله عليكم هل هذه حملات انتخابية و إن كانت كذلك في نظركم من يمنعكم من القيام بالعمل الخيري و الإحساني و أنتم قادة و زعماء أحزاب كبيرة برجالاتها الغنية التي تشكل العماد الذي يمول حملاتكم الانتخابية من خلال توزيع الأموال وشراء الذمم......من يمنعكم بأن توزعوا القفف وتقديم الدعم للأسر والمحتاجين وهم في أمس الحاجة للمساعدة في ظل تداعيات اجتماعية قاهرة يعيشونها، لن تدركوا مرارتها لأنكم تعيشون في البرج العاجي وما يعنيكم في المواطن هو الصوت الانتخابي فقط..... أين كنتم خلال تلك السنوات الفارطة التي كانت مؤسسة جود تقدم المساعدات و الخدمات الاجتماعية للمواطنين المغاربة ؟ هل من مانع يمنعكم للتواصل ونهج سياسة القرب مع المواطنين طيلة خمس السنوات الفارطة ؟ هل من قانون منظم يمنع العمل الاجتماعي في إطار المنظمات الجمعوية سواء المنتمية وغير المنتمية للأحزاب ؟ لماذا لم تقوموا بمثل بما يقوم به عزيز أخنوش من تواصل مع المواطنين في جولات تواصلية مكوكية عبر ربوع المملكة ؟ أم لأنكم تؤمنون بالخطاب الكلامي فقط ولا قدرة لكم على العمل في الميدان ؟ لماذا هذا الهجوم المنظم في هذا التوقيت بالذات مع قرب الانتخابات ؟
ما عليكم يا زعماء الدكاكين الحزبية سوى العمل ونهج سياسة القرب مع المواطنين بعيدا عن الخطاب التضليلي البئيس، لأنها هي الديماغوجية بعينها في السياسة وفي الحياة الحزبية، هذا هو التضليل، يتوسل صاحبها الكذب والنفاق والحيل السياسية، لاستمالة الناس إلى مدرسته والعمل على تحيزهم واحتضانهم، بعيدا عن أية فسحة من الجدل والحوار العقلاني لإقناعهم، فهو يقوم بتعبئتهم في اتجاه يخدم مصلحته، يغري البعض من جانب، ويثير مخاوف آخرين من جانب آخر، وفي الحالتين يريد سوقهم إلى حظيرته، واحتوائهم في المحصلة، أي إفراغهم من مضامينهم، حيث يغدو الفرد مسلوب الإرادة، لم يعد قادرا على اتخاذ أي قرار على الصعيد الشخصي لا في موقعه السياسي ولا الحزبي، فينطلي عليه الكذب المنمق مرة، والخوف مرة أخرى، كان غوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر يقول: اكذبوا اكذبوا اكذبوا... علّ شيئا من هذا الكذب يعلق في أذهان عدوكم فيصدقه.. ونحن نقول مهما كذبتم في ظل عالم التكنولوجيا والأنترنيت، فلن يصدقكم أحد، لقد انكشف الغطاء، وتبينت عورات كل متغطرس يمجد ذاته، وصوابية خطه السياسي أو الحزبي، فكل صغيرة وكبيرة أصبحت تعكسها عدسة الإنترنيت وتحت مرأى ومسمع الجميع، ولا يمكن بالتالي إيهام أحد.
بتنا أحوج ما نكون لخطاب منهجي واقعي يستند لاستراتيجية وطنية جامعة وتشكل مرجعية لنهج عمل يقودنا قولا وفعلا لتصويب أولوياتنا والتخلي عن الشعبوية التي وضعتنا في متاهة ما بتنا عليه، جعلت المواطن المغربي تائها نافرا من الساسة و السياسيين بسبب طغيان المصلحة الشخصية و الحزبية على حساب المواطن وتفشي الفساد والمحسوبية المصلحية والسعي لتحقيق المكاسب والمغانم والهرولة للسلطة بعيدا عن مصلحة الوطن و المواطنين.